الصفحات

الأربعاء، 13 مايو 2009

وهكذا انتهت قصة مومياء الجغبوب

اخيرا وصلت مومياء الجغبوب الى مجمع متاحف السراي بطرابلس لتعرض به يوم 12/5/2009 حيث تناقلت وسائل الاعلام اخبار الاحتفال الذي اقيم بهذه المناسبة نقلا عن وكالة الانباء الليبية وكان الخبر على النحو الاتي :
" أوج/ أقيم حفل بالمتحف الجماهيري في طرابلس يوم أمس الاثنين بمناسبة ضم مومياء الجغبوب ، لمقتنيات المتحف بعد إجراء التحاليل المعملية عليها بالمتحف الانثروبولوجي في جامعة روما التي أظهرت أن تاريخها يعود إلى 1800 سنة .وحضر الحفل مدير مصلحة الآثار ، ورئيس لجنة إدارة شركة مليته للنفط والغاز ، ومدير إدارة التنمية المستدامة ، وعدد من المختصين بالمؤسسة ، ومندوب عن مؤسسة القذافي للتنمية ، وسفير ايطاليا وعدد من السفراء المعتمدين بالجماهيرية العظمى ، والمختصين في مجال الآثار الليبيين والإيطاليين وحشد كبير من الجماهير والسواح .وتعتبر مومياء الجغبوب أحد أكبر الكنوز الأثرية التي تجسد الحضارات القديمة التي شهدتها الأرض الليبية في العصور القديمة ومساهمات ليبيا الفاعلة في الحضارة البشرية عبر مختلف العصور . وقد قامت مصلحة الآثار بنقل هذه المومياء من طرابلس إلى إيطاليا بالتعاون مع جامعة روما (لاسبينزا) حيث تم إيداعها بالمتحف الانثروبولوجي بجامعة روما وأجراء العديد من التحاليل المعملية باستخدام أخر التقنيات والأجهزة المستخدمة في التحليل مثل الجهاز الإشعاعي والمسح الطبقي الإشعاعي الحاسوبي .وقد ظهرت هذه التحاليل أن مومياء الجغبوب تعود إلى 1800 سنة مضت .وألقى مدير البعثة الليبية الايطالية في منطقة (أكاكوس ورمال الصحراء الوسطى) البروفسور " سافينو دى ليرنيا " من جامعة روما (لاسبينزا) ، محاضرة في الحفل تناول فيها الخطوات التي تمت لنقل المومياء إلى روما ، ومراحل تشريح المومياء .وأوضح بأن الخبراء الذين شاركوا في هذه العملية قاموا بعدة تحاليل على هذه المومياء من بينها أخذ عينات ميكروسكوبية عن العظام والنسيج كما تم إعداد عينات لإجراء تحاليل ( دي إن ايه ) ، حيث تبين من خلال هذه التحاليل أن المومياء تخص طفلة عمرها حوالى السبع سنوات .وأكد أن بعض المقتنيات الجنائزية الأخرى تم العثور عليها مع هذه المومياء تتمثل في خاتم وقرطين إضافة إلى بقايا عقد .قام بعد ذلك المشاركون في الحفل بجولة داخل المتحف .. مطلعين على المومياء التي تم إعادة تهيئتها ونقلها إلى المتحف وعرضها حسب أحدث الأساليب . وأفادت مصادر المتحف بأن ضم مومياء الجغبوب لمقتنيات المتحف ، جاء ضمن مساهمة الشركات النفطية العالمية في برامج التنمية المستدامة تنفيذاً للاتفاقيات التي وقعتها مع المؤسسة الوطنية للنفط خاصة شركة إيني شمال إفريقيا للنفط بالتعاون مع مصلحة الآثار" .
وبهذه المناسبة ارغب في سرد قصة هذه المومياء منذ اكتشافها الى وصولها الى مجمع متاحف السراي الحمراء بحكم ما اعرفه عن بعض الاحداث المتعلقة بها و التي كنا معاصرين لها او التي جمعناها :
لقد كانت اول اشارة لوجود مومياء في الجغبوب جاءت مما كتبه ريتشارد جودتشايلد (كان رئيسا لمراقبة اثار المنطقة الشرقية 1954-1967) في الكتاب الذي نشر بعد وفاته (دراسات ليبية) ويتحدث عن تاريخ الكشف الاثري ، وقد تحدث فيه عن الايطالي جاسبارو اوليفيريو ( رئيس اثار المنطقة الشرقية 1921-1935 تقريبا) حيث اشار الى ان اوليفيريو ارتحل الى الجغبوب عندما سمع عن وجود مومياء بها وانه نقلها عائدا بها الى شحات الا ان المومياء ضاعت ولم تنشر عليها اية معلومات ، اذاً هذه اول مومياء يعثر عليها في الجغبوب ، كما تنبغي الاشارة الى وجود رحالة وتجار في القرن السادس عشر تحصلوا على مومياء قالوا ان مصدرها الصحراء الغربية في مصر ربما تكون مصدرها سيوة او الجغبوب عندما شاعت اخبار في اوروبة ان المومياء مصدر لعلاج بعض الامراض ، لذا رغب التجار في اقتناء المومياوات المصرية ونهبوا منها الكثير .
اما قصة مومياء الجغبوب الحالية فقد بدأت القصة عندما توجه طلاب قسم الجغرافيا بكلية الاداب بجامعة قاريونس في منتصف تسعينيات القرن العشرين لتطبيق الدراسة الحقلية التي تخصهم في واحة الجغبوب ، وعندما كانوا هناك يبدو انهم تحصلوا على بعض اللقى الاثرية في بعض المقابر المنحوتة في الصخر وانتشرت الاخبار بين الطلاب و الاساتذة و سمعنا نحن بها في قسم الاثار كما ان مراقبة الاثار بشحات وصلتها هذه الاخبار وهي كانت مهتمة بالجغبوب ايضا لان هذه المنطقة كانت تتبعها اداريا وفنيا ، واهتم قسم الاثار بمنطقة الجغبوب و تنادى مجموعة منه للذهاب الى هناك ومعاينة البقايا الاثرية في الجغبوب ، ودعمت الجامعة هذه المجموعة وزامدتهم بسيارة طاوية نقلتهم الى هناك ، وفي الجغبوب وجدنا ان مراقبة اثار شحات تقوم بحفرات او تنظيف لبعض المقابر المنحوتة في الصخر برئاسة مراقب الاثار و رئيس الشؤون الفنية بتلك المراقبة و رئيس مكتب اثار طبرق وغيرهم ، وعند وصولنا كان آخر يوم في الحفريات التي تمخضت عن العثور على بعض اللقى و على ثلاث مومياوات اثنان منها لبالغين واخرى لطفل وفقا لحجمهما ، واتذكر انه في تلك الليلة اقترحت على فريق العمل ان يقوموا بتصوير تلك المومياوات عن طريق اشعة اكس التي سوف تظهر المومياء من الداخل ، ولتنفيذ هذا الاقتراح توجه بعضنا مع رئيس مكتب اثار طبرق الذي حمل المومياء الصغيرة الى العيادة الصحية في الجغبوب الذين وافقوا على تصويرها ، وقد اظهرت الصور ان المومياء لطبفلة ترتدي عقد في رقبتها وخاتم في يدها ، هذا ما اتذكره عن اكتشاف هذه المومياء وما عمل لها من اجراءات سريعة اعطت نتائج سريعة عنها ، كما انها دفعتنا للبحث عن تاريخها حيث تأكد من خلال اللقى التي وجدت معها انها ليست مومياء فرعونية قديمة بل ربما ترجع لنهاية العصر الهلنيستي او الروماني ذلك لان التحنيط استمر في مصر الى العصر الروماني ، وقد افادنا قسم دوريات المكتبة المركزية بمراجع ساعدت في تاريخها ، وقد انقطعت الصلة بها فيما بعد ولم اسمع الا بعض الاخبار السلبية عنها غير متأكد منها لكي اسردها هنا.

وقد نقلت المومياء عام 2005 الى ايطاليا لاجراء التحليلات عليها و قد اعيدت بعد اربع سنوات حيث تناقلت وسائل الاعلام اخبار عودتها في 29/1/2009 بهذا الخبر:

" أعيدت أول من أمس "مومياء الجغبوب" إلى متحف السرايا الحمراء بطرابلس بعد أن أجريت عليها التحاليل والدراسات اللازمة في إيطاليا. ونقلت صحيفة العرب أون لاين عن مصدر في مصلحة الآثار الليبية قوله إن هذه المومياء التي عثر عليها في الصحراء الليبية منذ بضع سنوات يعود عمرها إلى أكثر من 1800 عام أي في الفترة الرومانية التي تميزت بوجود ثقافات مختلفة في منطقة الجغبوب والمتمثلة في الحضارات الرومانية والمصرية والإغريقية. وأشارت الدراسات العلمية التي أجريت على هذه المومياء إلى أنها تعود إلى طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات وأن عملية تحنيطها وحفظها اختلفت عن التحنيط المصري الذي كان سائداً في المنطقة خلال تلك الفترة. ووجد مع هذه المومياء بعض المقتنيات الجنائزية مثل خاتم فضي وقرطين وعقد يتكون من 78 خرزة جميعها من الزجاج الملون. يشار إلى أن عملية تحليل ودراسة هذه المومياء استغرق أكثر من أربع سنوات شملت الدراسات الانتروبولجية والإنسانية والتشريح في متحف روما الانتروبولوجي."
وهكذا انتهت قصة مومياء الجغبوب بعرضها في متحف السراي الحمراء ، ولكن من الضروري توجيه الانتباه الى اجراء حفريات علمية لانقاذ المخلفات الاثرية في الجغبوب التي من المؤكد ان مقابرها تحوي مزيدا من المومياوات و لقى اخرى ستلقى الضوء على تاريخ هذه المنطقة واثارها ، مع امنياتي ان تكون حفريات ليبية خالصة.
ملاحظة:ذكرت الاخت غيداء التواتي في تعليق لها على هذا الخبر انها قد زارت المتحف وشاهدت المومياء معروضة بتاريخ 3/2/2009 اي قبل الاحتفال بعرضها يوم 12/5/2009