الصفحات

الجمعة، 23 يوليو 2010

ماذا تعرف عن المؤلهة ليبيا؟



لم يرد اسم ليبيا الا في المصادر الاغريقية حيث كانت ليبيا عند الاغريق اسم لبلاد كان بعضهم يجهل موقعها مثل هوميروس (ربما عاش في القرن التاسع ق.م.)الذي ذكرها في موضعين في الاوديسة . اما عند هيرودوتوس في القرن الخامس ق.م. فقد كانت الارض الواقعة الى الغرب من وادي النيل حتى اعمدة هرقل عند جبل طارق تقريبا ، وكانت عنده احدى قارات العالم آنذاك اي اوروبا واسيا وليبيا.

اذاً الاغريق عرفوا ليبيا مكانا محدد جغرافيا ، وقبل تأسيس كيريني امرت كاهنة وحي دلفي باتوس ان يؤسس له مستوطنة في ليبيا ، وبعد تأسيس الاغريق لمستوطنتهم كيريني ظهرت في اساطيرهم الحورية قورينا التي ربطوها بالمؤله ابوللو واساطير اخرى ، والحورية هنا ما هي الا تجسيد او تشخيص للمستوطنة في شكل مؤلهة لتربط مع حزمة الاساطير الاغريقية وتكون قريبة لعقلية الاغريقي الذي كان ديدنه تجسيد ليس الظواهر الطبيعية فقط وتجسيد الهة لها بل ايضا تجسيد المواقع الجغرافية في شكل الهة او حوريات او ابطال ارتبطوا بالالهة الرئيسية عندهم اي آلهة جبل الاولمب.

وهكذا مادام الاغريق جسدوا مدينة قورينا في شكل حورية فانهم جسدوا قارة ليبيا في شكل مؤلهة ترمز لهذه القارة ، ووضعوا لها تاريخا اسطوريا حيث ربطوها بالالهة الاغريقية، فهي عندهم ابنة زيوس وايو (Io) ، وهي زوجة المؤله بوزايدون انجب منها اجينور (الذي ينحدر منه المصريون وفقا للاساطير الاغريقة) و بيلوس (جد الفينقيين ) ، كما ان البعض يربطها بالملك المصري الاسطوري ايبافو (Epafo) اي ايبيس بحيث جعلوها ابنته من زواجه من ممفيس (ترمز هنا لمصر) او من زواجه من Casseipeia ملكة اثيوبيا .

وعلى الرغم من هذا فان الاصل الليبي لهذه الربة هو الاقرب فالصفات التي تحملها قد يقربها من بعض الالهة الليبية والمصرية مثل نيت وتانيت ، والاغريق اخذوا هذه الصفات او الربة واطلقوا عليها تسمية ليبيا لربطها مكانيا بالمستوطنة التي اسسوها في افريقيا (ليبيا) ، اي ربط الجزء بالكل (قورينا / ليبيا). وربما اخذوا التسمية من الليبيين انفسهم فهيرودتوس يشير في الفقرة 45 من كتابه الرابع ان ليبيا اخذت اسمها من اسم امرأة محلية اسمها ليبيا ، قد تكون هذه المرأة مؤلهة تحمل ذات الاسم اخذها الاغريق وجسدوها في شكل الهة تحمل صفات ليبية او افريقية ، وعندما ننظر في الصورة التي ظهرت عليها المؤلهة في النحت الاغريقي او الروماني يلاحظ انها كانت تظهر بملامح ليبية وشكل ليبي ولاسيما ضفائر الشعر وجدائله الغريبة الشكل التي تظهر اسفل غطاء رأسها ، وطراز الشعر يختلف عن الشعر الذي جسد في المنحوتات الاغريقية والرومانية.

ويمكن مشاهدة هذه المؤلهة مع بعض المؤلهين المحليين في بعض المنحوتات ذات الطابع الليبي التي عثر عليها في بعض مواقع في الجبل الاخضر مرتوبة مثلا ، كما ظهرت منحوتات وتمثيلات طينية تمثل مؤلهة ليبية الى جانبها غزال يحتمل انها تمثل ليبيا.

ويلاحظ ان هذا الشكل الذي ظهرت به ليبيا لم يقتصر على المنحوتات بل ايضا على قطع العملة التي سكت في العصر الهلنيستي وبداية العصر الروماني .

ولعل اشهر تجسيد للمؤلهة ليبيا على النحت تلك اللوحة المنحوتة المعروضة في المتحف البريطاني والتي تجسد المؤلهة ليبيا تتوج الحورية قورينا التي بدورها تخنق اسدا وفقا للاسطورة الاغريقية. والواقع ان هذا المشهد رمزي قد يمثل سيادة مدينة كيريني على بقية المدن في ليبيا ، واعترافا بسيادة المستوطنين على اهل البلاد الاصليين ، فليبيا هنا ترمز الى الارض.

ويذكر باوزانياس ان سكان قوريني اهدوا عربة برونزية الى معبد ابوللو في دلفي كانت معروضة في ساحة المعبد ، وتجلس في العربة المؤلهة ليبيا تتوج باتوس الاول وتقود العربة الحورية قورينا ، يرجع هذا النحت الضائع الان الى القرن الخامس ق.م. ويبدو ان الملك اركسيلاوس الرابع هو الذي اهدى هذه العربة الى المعبد بمناسبة انتصار عربته في الالعاب البوثية عام 462 ق.م. وهذا العمل يرمز للسيادة الاغريقية على ليبيا.

وقد ظهر اسم المؤلهة ليبيا في بعض النقوش حيث ظهر اسمها الى جانب ابوللو والحورية قورينا في نقش عثر عليه في الاجورا. وهناك قاعدة رخامية في الاجورا ايضا تحمل نقشا مكرسا للمؤلهة ليبيا.

ولم يقتصر ظهور المؤلهة ليبيا في الاعمال الفنية على ليبيا فقط فقد ظهرت خارجها ايضا ، حيث ظهرت منحوتة تمثل او ترمز للمستوطنات الرومانية في ليبيا في معبد هادريان في روما الذي يرجع للقرن الثاني الميلادي، وهناك مشهد على فريسكو في بومبي به بعض النساء تمثل الاسكندرية وليبيا وافريقيا. وهناك ارضية فسيفسائية من ارمينيا (القرن الرابع الميلادي) تظهر به سيدة ومجموعة من الحيوانات المتوحشة الافريقية ربما ترمز السيدة الى ليبيا او افريقيا.

ومن العرض السابق يتضح ان المؤلهة ليبيا ربما كانت في الاصل معبودة ليبية اقتبسها الاغريق وجسدوها في شكل مؤلهة ترمز الى قارة ليبيا ، وارتبطت هذه المؤلهة بالحورية قورينا، وفي الغالب كان ظهورها في الفن الكلاسيكي رمزا للارض الليبية التي سيطر عليها الاغريق. كما يبدو انها كانت تحظى بالتقديس كمؤلهة عند الكثير من الليبيين الذين عاشوا بعيدا من المستوطنات الاغريقية في ليبيا.