الثلاثاء، 18 فبراير 2014

مصلحة الآثار بين تحديات الواقع وآفاق المستقبل


نشر في العدد 15 من صحيفة افاق اثرية الصادر في اكتوبر 2013 



مصلحة الآثار بين تحديات الواقع وآفاق المستقبل

 لا مشاحة ان الايطاليين هم من وضع اساس التنقيب عن الآثار في ليبيا على الرغم من وجود اهداف استعمارية كانت وراء اهتمامهم بالآثار الكلاسيكية ، حيث اسس الايطاليون في عام 1912 ادارة تختص بالآثار اخذت على عاتقها التنقيب في المواقع الأثرية ، وبالفعل افلحت هذه الادارة حتى عام 1942 بالكشف عن الكثير من المواقع والمعالم الأثرية وترميمها وانشاء المتاحف وتكوين الكوادر القادرة على الاعتناء بالآثار من حيث الحماية والتنقيب والترميم والدراسة ، كما اهتمت الادارة العسكرية البريطانية عند هيمنتها على البلاد بالآثار وتعاونت مع الخبراء الايطاليين في ادارة الآثار على الرغم المعاناة التي شهدها هذا القطاع خلال الحرب العالمية الثانية ، وعند استقلال ليبيا اواخر عام 1951 استمرت ادارة تدار كما في السابق بأيدٍ اجنبية ايطالية و انجليزية ،  ودعيت البعثات الاجنبية للكشف عن الآثار في ليبيا وما زالت مستمرة حتى الان ، وفي ستينيات القرن العشرين بدأ إحلال العناصر المحلية بدلاً من الاجنبية في ادارة مصلحة الآثار. وازدهرت هذه المصلحة في نهاية الستينيات وخلال السبعينيات ثم انتكست مثل غيرها من القطاعات الخدمية الاخرى في الدولة الليبية بسبب سياسات المقبور وابنائه وتدخلهم في ادارة الموروث الثقافي بشكل او بآخر.
وبعد ثورة 17 فبراير 2011 حدثت بالمصلحة مشاكل داخلية  انعكست على عملها  وادارتها للموروث الثقافي  الذي عانى من سلبيات الانفلات الامني التي مرت بها ليبيا بعد تلك الثورة ، حيث سرق ما يعرف باسم كنز بنغازي من المصرف التجاري الوطني وهي من اضخم السرقات التي اصابت الموروث الثقافي الليبي ، ونهبت قطع اثرية من متحف سوسة ، وجرفت بقايا كنيسة في عين خارقة قرب البيضاء ، ودمر موقع اثري جنوب دريانة ، واعتدي على آثار منطقة القصيبة قرب الفعكات في ضواحي بنغازي ، ودمرت مقابر اثرية في السلماني ، واستولي على مرافق تابعة لمصلحة الآثار في طلميثة وشحات ، وسرق ثم حرق المقر الاداري لمراقبة آثار بنغازي ، واعتدي على مقابر الجغبوب الأثرية ، كما ان حرب التحرير انعكست على بعض المواقع الأثرية والمتاحف في سرت ومصراتة وبني وليد ، كما عانت بعض الاضرحة الأثرية  الاسلامية وما يرتبط بها من تدمير وعبث والدولة وقفت تشاهد هذا المشهد العبثي بدون تدخل. وفي ظل عدم توفر الاجهزة الامنية الفاعلة جرت محاولات للاعتداء على سيرة الجمل وموقع بلجراي في البيضاء ، وشاهدنا الكثير من مخططات الاراضي  لم تراعِ المواقع الأثرية التي توجد داخلها لعل آخرها ما حدث في شحات خلال هذا الشهر حيث اقيم مخطط ضخم داخل الجبانة الأثرية الجنوبية في جنوب شرق المدينة الأثرية ازيلت على اثره الكثير من المقابر الأثرية وقنوات المياه وغيرها من الآثار التي وجدت اثناء عملية الجرف ، كما راج بين ضعاف النفوس التنقيب غير القانوني في بعض المواقع الأثري والحصول على مقتنيات أثرية اصبحت تباع في الداخل او تهرب الى خارج ليبيا ، وهذا يفسر سرقة تمثالين من متحف صبراتة استرجعا فيما بعد. و ادت هذه الظروف الى اغلاق المتاحف على الرغم ان بعضها اعيد افتتاحه بعد الثورة مثل متحف سوسة والمتحف الوطني بطرابلس.
وفي ظل هذه المعوقات والسلبيات التي زادتها سوءا قدم الهيكلية التي تشتغل بها مصلحة الآثار واعتمادها على المركزية المفرطة في ادارة الموروث الثقافي على الرغم من عظم الرقعة الجغرافية التي تنتشر بها المواقع الأثرية ، كما اصبحت المركزية من اكبر العوائق في ادارة شؤون المراقبات والمكاتب الأثرية التابعة لها ، و هذا لم يمنع المصلحة سواء على مستوى المراقبات او ديوان المصلحة من القيام بجهود جبارة خففت من حدة السلبيات الناتجة عن التدهور الامني خلال الثورة وما بعدها فقد قام الكثير من الباحثين والموظفين و الحراس بجهود ملموسة لحماية الموروث الثقافي خلال تلك الفترة ، وحاولت المصلحة ان تسير قدما بالعمل الأثري فقامت بحفريات اثرية ليبية بعد الثورة ، وحاولت حماية المتاحف والمواقع الأثرية بمجهوداتها الذاتية وبالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني و الجهات الامنية النشطة التي استوعبت الثوار ، إضافة الى أن جل العاملين في قطاع الآثار كان لهم دورا كبيرا يشكرون عليه. كما اعادت بعض البعثات الاجنبية عملها في ليبيا مثل البعثة الايطالية والفرنسية واليابانية والانجليزية لكنها توقفت هذا العام بعد تدهور الوضع الامني ، كما اهتمت مصلحة الآثار بمجال التدريب لباحثيها وعناصرها الفنية واسهمت البعثة الامريكية بدور بارز في هذا الشأن ، كما اوفدت بعضهم في دورات تدريبية خارجية، وقامت المصلحة في خطوة غير مسبوقة بتعيين 202 عنصرا ليبي بين باحثين وتخصصات اخرى ، وربطت المصلحة نفسها مع الهيئات الدولية  حيث اقيمت عدة ندوات بإشراف اليونسكو لحماية الآثار ، واستعمال التقنيات الحديثة في العمل الأثري ، زد على ذلك ايجاد هيكلية جديدة للمصلحة بالتعاون مع البنك الدولي ، واسترجعت بعض التماثيل من اوروبة كانت منهوبة من متاحف ليبية في التسعينيات  وهكذا سارت الامور دون ان تهتم حكومة الكيب بما يجري في مصلحة الآثار ولم تدعمها ، اما حكومة زيدان فقد عملت خيرا بضم المصلحة الى وزارة الثقافة التي يترأسها احد المختصين في علم الآثار ، وقد دعمت هذه الوزارة المصلحة رغم نقص الامكانات المادية ، ولم تتفهم حكومة زيدان والمؤتمر الوطني العام بشكل عملي ما يعانيه قطاع الآثار حيث صدمت الوزارة الأثريين والمثقفين بقرارها الاخير بتحويل متحف ليبيا الى مقر للمجلس الاعلى للقضاء هذا القرار الذي يفهم منه ان الحكومة لا تعرف بوجود هذا المتحف اصلا ، كما لم تتأخذ تلك الحكومة اي اجراء تنفيذي بعد تناهى الى سمعها جرف جزء من آثار مدينة شحات. 
هذا هو واقع مصلحة الآثار التي تحدى العاملون بها الكثير من المصاعب وواجهوا الكثير من التحديات التي واكبت حرب التحرير ،  وفي ظل ثقافة مجتمعية لا تعير الآثار اهتمامها ظهرت موجة الاستحواذ على قطع الاراضي ثم بيعها و لو كان هذا على حساب المواقع الأثرية ، لكن الامل ما زال يحذوا الأثريين في اعادة تشكيل قطاع الآثار بهيكلية جديدة بدعم من الدولة الليبية ومؤسسات المجتمع المدني وتوفير حماية للمواقع الأثرية والمتاحف، على ان ترتب المصلحة بيتها الداخلي بالمضي قدما في تدريب كوادرها و الاهتمام بالترميم اكثر من التنقيب في العشر سنوات القادمة ، وفتح آفاق جديدة في التنقيب عن الآثار مستقبلا ، والاهتمام بتوعية المواطنين ، والضرب بيد من حديد على منتهكي المواقع الأثرية بعد اصدار قانون جديد تشدد فيه العقوبات ، واستخدام التقنيات الحديثة  لتأهيل جيل جديد من الأثريين بإقامة دورات تحت اسم اثري المستقبل يؤهل من خلالها كل اثري وفقا لآخر ما توصل اليه علم الآثار ، مع التذكير انه يجب ان يكون هناك تكامل او تنسق بين ما يُدرّس في اقسام الآثار وبين احتياجات العمل الأثري في المصلحة للنهوض بالموروث الثقافي وحمايته.         

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.