الصفحات

الجمعة، 7 فبراير 2014

لوحة أثرية نهبت من شحات


نشرت المقالة في العدد 12 من صحيفة افاق اثرية الصادر في ديسمبر 2012
http://www.afaqatherya.com


من الاثار الليبية المنهوبة والمسترجعة
لوحة أثرية نهبت من شحات 


لوحة رخامية جزء منها ضائع ،ارتفاعها 23.5 سم وعرضها 30.5 سم، منحوتة نحتا بارزا عثر عليها في مدينة شحات الأثرية عام 1973 وهي تصور المؤله الإغريقي هيرمز (ميركوري عند الرومان) حيث صور عاريا على يسار اللوحة في وضعة مواجهة مرتديا قبعة مجنحة ويحمل صولجان أو عصاه الشهيرة التي يلتف حولها ثعبان وفي قمتها جناحان وتعرف باسم كيريكيون بالإغريقية (kerykeion) وكادوسيوس باللاتينية (caduceus) وربما يرتدي في قدميه نعل مجنح ليساعده على الطيران والتنقل بين المؤلهين فهو يعد في معتقداتهم رسول الآلهة الإغريقية والرومانية إلى البشر، ورب التجارة والمشرف على الرياضة، ويلاحظ انه صوّر في اللوحة يقبض على لجام احد أربعة خيول تمثل جزء من مركبة وهذه الخيول ترفع رجليها الأمامية لتدوس على ثعبان امامها يقف قرب هيرمز، ومن ناحية أخرى يبدو أن المنحوت يرجع إلى العصر الروماني وتحديدا ما بين القرنين الاول والثاني الميلاديين.
وظلت هذه اللوحة بعد العثور عليها عدة سنوات في شحات حتى سرقت عام 1999 ، ويبدو إنها هربت إلى مصر ومنها إلى إسرائيل ثم سويسرا حيث إشتراها احد تجار الآثار السويسريين في زيورخ، والذي باعها الى مزاد بيير بيرجي وشركائه (Pierre Bergé & associés) وهو مزاد للوحات الفنية متوزع بين فرنسا وبلجيكا ، عرض هذا المزاد هذه اللوحة للبيع بمبلغ 4200 يورو في مزاد علني اقيم في الصالة رقم 9 من Drout Richeilieu في باريس في يوم 1/12/2007 ومن خلال عرضه سواء في ذلك المزاد او في موقعه على النت ، تعرف عليها بعض علماء الآثار وتأكد لديهم إنها تمثل اللوحة المسروقة من شحات، تم التواصل مع أصحاب هذه القاعة حيث بذل البرفسور اندرية لاروند جهودا كبيرة لإقناعهم بتسليمها إلى ليبيا، وبالفعل سلمت هذه القطعة إلى مندوب ليبيا في اليونسكو في شهر فبراير عام 2008 الذي بدوره أرجعها إلى ليبيا. ومما تجدر الاشارة اليه ان وسائل الاعلام تناقلت انه كان معروضا في مزاد يسمى قاعة اثينا في باريس يملكها امريكي لها فروع في لندن و نيويورك ، لكن الواقع انه لا توجد في باريس قاعة تحمل هذا الاسم تبيع اللوحات الفنية، ومن خلال التقصي توصلنا انه كانت معروضة في المزاد الذي اشرنا اليه اعلاه.

ماذا تعرف عن المؤلهة ليبيا ؟








لم يرد اسم ليبيا الا في المصادر الاغريقية حيث كانت ليبيا عند الاغريق اسم لبلاد كان بعضهم يجهل موقعها مثل هوميروس (ربما عاش في القرن التاسع ق.م.)الذي ذكرها في موضعين في الاوديسة . اما عند هيرودوتوس في القرن الخامس ق.م. فقد كانت الارض الواقعة الى الغرب من وادي النيل حتى اعمدة هرقل عند جبل طارق تقريبا ، وكانت عنده احدى قارات العالم آنذاك اي اوروبا واسيا وليبيا.
اذاً الاغريق عرفوا ليبيا مكانا محدد جغرافيا ، وقبل تأسيس كيريني امرت كاهنة وحي دلفي باتوس ان يؤسس له مستوطنة في ليبيا ، وبعد تأسيس الاغريق لمستوطنتهم كيريني ظهرت في اساطيرهم الحورية قورينا التي ربطوها بالمؤله ابوللو واساطير اخرى ، والحورية هنا ما هي الا تجسيد او تشخيص للمستوطنة في شكل مؤلهة لتربط مع حزمة الاساطير الاغريقية وتكون قريبة لعقلية الاغريقي الذي كان ديدنه تجسيد ليس الظواهر الطبيعية فقط وتجسيد الهة لها بل ايضا تجسيد المواقع الجغرافية في شكل الهة او حوريات او ابطال ارتبطوا بالالهة الرئيسية عندهم اي آلهة جبل الاولمب.
وهكذا مادام الاغريق جسدوا مدينة قورينا في شكل حورية فانهم جسدوا قارة ليبيا في شكل مؤلهة ترمز لهذه القارة ، ووضعوا لها تاريخا اسطوريا حيث ربطوها بالالهة الاغريقية، فهي عندهم ابنة زيوس وايو (Io) ، وهي زوجة المؤله بوزايدون انجب منها اجينور (الذي ينحدر منه المصريون وفقا للاساطير الاغريقة) و بيلوس (جد الفينقيين ) ، كما ان البعض يربطها بالملك المصري الاسطوري ايبافو (Epafo) اي ايبيس بحيث جعلوها ابنته من زواجه من ممفيس (ترمز هنا لمصر) او من زواجه من Casseipeia ملكة اثيوبيا .
وعلى الرغم من هذا فان الاصل الليبي لهذه الربة هو الاقرب فالصفات التي تحملها قد يقربها من بعض الالهة الليبية والمصرية مثل نيت وتانيت ، والاغريق اخذوا هذه الصفات او الربة واطلقوا عليها تسمية ليبيا لربطها مكانيا بالمستوطنة التي اسسوها في افريقيا (ليبيا) ، اي ربط الجزء بالكل (قورينا / ليبيا). وربما اخذوا التسمية من الليبيين انفسهم فهيرودتوس يشير في الفقرة 45 من كتابه الرابع ان ليبيا اخذت اسمها من اسم امرأة محلية اسمها ليبيا ، قد تكون هذه المرأة مؤلهة تحمل ذات الاسم اخذها الاغريق وجسدوها في شكل الهة تحمل صفات ليبية او افريقية ، وعندما ننظر في الصورة التي ظهرت عليها المؤلهة في النحت الاغريقي او الروماني يلاحظ انها كانت تظهر بملامح ليبية وشكل ليبي ولاسيما ضفائر الشعر وجدائله الغريبة الشكل التي تظهر اسفل غطاء رأسها ، وطراز الشعر يختلف عن الشعر الذي جسد في المنحوتات الاغريقية والرومانية.
ويمكن مشاهدة هذه المؤلهة مع بعض المؤلهين المحليين في بعض المنحوتات ذات الطابع الليبي التي عثر عليها في بعض مواقع في الجبل الاخضر مرتوبة مثلا ، كما ظهرت منحوتات وتمثيلات طينية تمثل مؤلهة ليبية الى جانبها غزال يحتمل انها تمثل ليبيا.
ويلاحظ ان هذا الشكل الذي ظهرت به ليبيا لم يقتصر على المنحوتات بل ايضا على قطع العملة التي سكت في العصر الهلنيستي وبداية العصر الروماني .
ولعل اشهر تجسيد للمؤلهة ليبيا على النحت تلك اللوحة المنحوتة المعروضة في المتحف البريطاني والتي تجسد المؤلهة ليبيا تتوج الحورية قورينا التي بدورها تخنق اسدا وفقا للاسطورة الاغريقية. والواقع ان هذا المشهد رمزي قد يمثل سيادة مدينة كيريني على بقية المدن في ليبيا ، واعترافا بسيادة المستوطنين على اهل البلاد الاصليين ، فليبيا هنا ترمز الى الارض.
ويذكر باوزانياس ان سكان قوريني اهدوا عربة برونزية الى معبد ابوللو في دلفي كانت معروضة في ساحة المعبد ، وتجلس في العربة المؤلهة ليبيا تتوج باتوس الاول وتقود العربة الحورية قورينا ، يرجع هذا النحت الضائع الان الى القرن الخامس ق.م. ويبدو ان الملك اركسيلاوس الرابع هو الذي اهدى هذه العربة الى المعبد بمناسبة انتصار عربته في الالعاب البوثية عام 462 ق.م. وهذا العمل يرمز للسيادة الاغريقية على ليبيا.
وقد ظهر اسم المؤلهة ليبيا في بعض النقوش حيث ظهر اسمها الى جانب ابوللو والحورية قورينا في نقش عثر عليه في الاجورا. وهناك قاعدة رخامية في الاجورا ايضا تحمل نقشا مكرسا للمؤلهة ليبيا.
ولم يقتصر ظهور المؤلهة ليبيا في الاعمال الفنية على ليبيا فقط فقد ظهرت خارجها ايضا ، حيث ظهرت منحوتة تمثل او ترمز للمستوطنات الرومانية في ليبيا في معبد هادريان في روما الذي يرجع للقرن الثاني الميلادي، وهناك مشهد على فريسكو في بومبي به بعض النساء تمثل الاسكندرية وليبيا وافريقيا. وهناك ارضية فسيفسائية من ارمينيا (القرن الرابع الميلادي) تظهر به سيدة ومجموعة من الحيوانات المتوحشة الافريقية ربما ترمز السيدة الى ليبيا او افريقيا.
ومن العرض السابق يتضح ان المؤلهة ليبيا ربما كانت في الاصل معبودة ليبية اقتبسها الاغريق وجسدوها في شكل مؤلهة ترمز الى قارة ليبيا ، وارتبطت هذه المؤلهة بالحورية قورينا، وفي الغالب كان ظهورها في الفن الكلاسيكي رمزا للارض الليبية التي سيطر عليها الاغريق. كما يبدو انها كانت تحظى بالتقديس كمؤلهة عند الكثير من الليبيين الذين عاشوا بعيدا من المستوطنات الاغريقية في ليبيا.

نهب كنز بنغازي




نشرت في العدد الاول من صحيفة افاق اثرية 5 اغسطس 2011
www.afaqatherya.com/
حكاية وديعة مصلحة الآثار التي نهبت

من المصرف التجاري الوطني في بنغازي



وَعدنا القرّاء في العدد صفر من آفاق أثرية إننا سنقدم لهم معلومات مفصلة عن هذه الوديعة منذ تخزينها حتى سرقتها وما الجهود المبذولة لاستعادتها ، وهذه المقالة ترصد وتتبع حكاية الوديعة من عام 1940 إلى 2011 ، وفي البدء ينبغي تقسيم الوديعة إلى مجموعتين لان حكايتهما وتاريخ إيداعهما في المصرف مختلفة ، المجموعة الأولى ـ الأقدم ـ وتتبع مراقبة آثار شحات ، والمجموعة الثانية ـ الأحدث ـ تابعة لمراقبة آثار بنغازي.
 المجموعة الأولى : تمثلها كمية من المقتنيات الأثرية أغلبها من المعادن الثمينة  أهمها كميات كبيرة من العملة المتنوعة و مجوهرات وتماثيل ومقتنيات معدنية من الذهب والفضة والبرونز ومن المجوهرات المقلدة ، وقد بلغ عددها  حوالي 7100 ، لعل أهمها ما يقرب من 3300 عملة برونزية ، وحوالي 2300 عملة فضية ، وأكثر من 300 عملة ذهبية .
 وكانت هذه  المقتنيات  قد أودعت عام 1961 في البنك الوطني الليبي آنذاك  المصرف التجاري الوطني حاليا خوفا عليها من السرقة والضياع بسبب قيمتها وأهميتها ، إلا أنها لم توثق بالصور والوصف ، و غالبية  هذه المقتنيات تحصل عليها الايطاليون أثناء تنقيبهم في المواقع الأثرية في شرق ليبيا أهمها شحات وبنغازي وبعضها مجهولة المصدر ، وقد نقلت هذه المقتنيات الثمينة إلى ايطاليا في عام 1940 مع مقتنيات أثرية أخرى اهمها نافورة المايندات من طلميثة  لتعرض في المتحف الاستعماري الايطالي في نابولي ، وبقت هذه الوديعة في ايطاليا حتى عَلِمَ الأستاذ ريتشارد جودتشايلد (رئيس الآثار في المنطقة الشرقية) بوجودها هناك حيث سعى إلى إرجاعها إلى ليبيا عن طريق الدولة الليبية التي أفلحت جهودها بعد مفاوضات شاقة مع ايطاليا في عودة تلك المقتنيات إلى ارض الوطن عام 1961 وقد اشرف على هذه العملية وكيل وزارة الآثار والسياحة السيد عبد العزيز جبريل ، الذي استلم صندوقين خشبيين من ايطاليا مملوءة بالمقتنيات ، وقد قام الأخير بتسليمهما إلى رئيس الآثار بالمنطقة الشرقية السيد هاريسون الذي قام بفحص تلك المقتنيات وجردها وأخيرا ختم الصندوقين بالشمع الأحمر ثم أودعهما خزينة البنك الوطني الليبي في بنغازي بتاريخ 14/5/1961 ، وبعد مضي عدة سنوات شكلت لجنة لفحص هذه الوديعة ، حيث  فتح الصندوقان وتأكد من محتوياتهما السابقة وأعيد ختمهما في 12/5/1966 ثم أعيد فحصهما من جديد في 30/5/1974، وقد بقت تلك الوديعة منذئذ  في مكانها لم تمس حتى سرقتها، مع الإشارة إلى انه منذ سنوات فحصت بواسطة جهات أمنية في الدولة الليبية  للتأكد من الإخبارية التي تقول إن تلك الوديعة تتكون من سبائك ذهب تعود لعهد المملكة او المعارضة.
المجموعة الثانية : هي الوديعة التابعة لمراقبة آثار بنغازي والتي بلغت 1700 لقية أثرية وتراثية ، أهمها مجموعة من العملات الذهبية الإسلامية وعملات فضية وبرونزية إغريقية ورومانية وميداليات وروؤس تماثيل غير موثقة، إضافة إلى مجموعة كبيرة من مجوهرات فضية تقليدية ، ويرجع إيداع هذه المقتنيات في المصرف التجاري الوطني إلى عام 1980 ثم سحبت عام 1999 ، وأعيد إيداعها مرة أخرى للمصرف في 4/8/2007 بعد أن أضيفت إليها مجموعة أخرى من المقتنيات القيّمة ، حيث وضعت كلها في خزانة حديدية جديدة.
وفيما يخص سرقة الوديعتين فيبدو أنها وقعت أثناء الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 17 فبراير حيث هوجم المصرف التجاري الواقع في بداية شارع عمر المختار ببنغازي  وأحرق أغلبه ، ولا يعرف التاريخ الدقيق الذي اكتشفت فيه السرقة لكن يبدو أنها قد حدثت قبل 14/5/2011 وهو تاريخ الرسالة التي بعث بها المصرف إلى مراقبة آثار بنغازي والتي وصلتها يوم 25 من الشهر نفسه ، وبعد أن عاين  مجموعة من باحثي مراقبة آثار بنغازي وأساتذة من قسم الآثار بجامعة قاريونس موقع السرقة بتاريخ 12/6/2011  تبين إن السارقين قد ثقبوا سقف الحجرة الموجودة بها الوديعة والتي توجد أسفل ارض المصرف ، مما مكنهم من دخول الحجرة وكسر الخزانة الحديدية والصندوقين الخشبيين التي توجد بها الوديعة وسرقة غالبية محتوياتها، ومما يجدر ذكره إن الوديعة لم تنهب كلها فقد وجد بعضها مبعثرا بجانب الخزائن المنهوبة حيث قام بعض العاملين في المصرف بجمعها في صندوقين ونقلوها إلى مكان آخر ، وهذا حدث  دون أن تبلغ الجهة المتضررة  بما  حصل لوديعتها ، وقد قام  مجموعة من الباحثين من شحات وبنغازي بتاريخ 30/ 5/2011 بزيارة للموقع التي توجد به بقايا الوديعة التي لم تنهب ، وهذه الوديعة تحتاج إلى جرد لمعرفة ما سرق من هذه الوديعة ، إلا انه من خلال المعاينة الأولية اتضح أن غالبية الوديعة قد نهب لاسيما المقتنيات الثمينة منها.
ويمكن أن يضاف إن مراقبة آثار بنغازي وشحات قد أبلغتا جهات الاختصاص لمباشرة التحقيق في هذه الجريمة ، وأبلغت رئيس المجلس الوطني الانتقالي ، وعينت مصلحة الآثار محاميا لمتابعة التحقيقات ، وقد باشرت النيابة إجراءاتها منذ أيام ، و لا يعرف ما النتائج التي تم التوصل إليها، والكرة الآن في ملعب الدوائر الأمنية التي نتمنى أن تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد تلك الثروة المنهوبة، كما أن مصلحة الآثار من الضروري أن تكون أكثر فاعلية في حماية الآثار وتضع الخطط المناسبة لذلك.
وقد عَلِمَت مصادر آفاق أثرية  أن هناك كمية من العملات الذهبية بعضها إسلامية وأخرى إغريقية معروضة للبيع في سوق الذهب في بنغازي ، وقد أبلغت الجهات المختصة بذلك لمباشرة إجراءاتها ، ومن اجل التعميم على تجار الذهب بأن هناك كمية من العملات القديمة ومقتنيات ذهبية أخرى قد سرقت من المصرف التجاري ، والتبليغ في حالة عرض بعضها للبيع.
وفي الختام فان الصحيفة إذ تنشر تفاصيل هذه الوديعة وسرقتها فإنها تنبه إلى أهمية هذه المقتنيات الأثرية التي غالبيتها غير مدروس وغير موثق ، وإن ضياعها يعني فقدان ثروة أثرية لا تقدر بثمن كان مخطط أن توضع في المتاحف الليبية بعد أن تتوفر الحماية المطلوبة لها ، كما إنها تنبه إلى انه ينبغي زيادة الاهتمام بالآثار والمواقع الأثرية التي تتهددها الكثير من الأخطار.



لماذا افاق اثرية




 كلمة افتتاحية للعدد صفر من صحيفة افاق اثرية في يوليو 2011

لماذا آفاق أثرية

هذه صحيفة جديدة رأت النور مع إشراقة ثورة 17 فبراير  لتنظم الى قائمة الصحف التي تزدان بها الساحة الثقافية الليبية ، و انطلقت فكرتها من الحاجة الى الصحف المتخصصة التي تثري المشهد الثقافي بمخاطبتها لأفراد المجتمع المدني ، ابناء  هذا الوطن ، الذين اضطرتهم الظروف الى التنصل من تاريخهم  او رميه وراء ظهورهم فقد اعتقدوا انهم ليسوا في حاجة اليه ، في ظل الجري وراء متطلبات حياتهم اليومية  التي كانت عصية عليهم  ، و لم تفلح المدن الاثرية ومعالمها المنتشرة في انحاء مختلفة من هذه الارض الطيبة ان تجذب اليها الليبيون ، على الرغم من اهميتها وتنوعها وشخوصها في مواقع  طبيعية وسياحية جذابة يرتادونها  متمتعين بغاباتها او شاطيئها دون ان يحاول الكثير منهم زيارتها او محاولة معرفة تاريخها حيث اكتفوا بالحكايات الشعبية التي ورثوها عن اجدادهم  يتناقلونها مستغربين ومتعجبين بينهم واحيانا مفاخرين حيث  تنافست الكثير من المدن الاثرية   تناقل اسطورة  العربة  الذهبية المدفونة في باطنها ، وان الكثير من السحرة يأتون من المغرب للبحث عنها ،  وقد شكلت  تلك التفسيرات ذاكرة شعبية  تعكس  نظرة الاجداد للمعالم الاثرية التي وجدوها امامهم  وحاولوا ايجاد تفسيرا  لها  جاء هذا التفسير متناسبا مع ثقافتهم المحدودة.  و على الرغم من انتشار الوعي الثقافي بين شريحة كبيرة من المجتمع ظلت الثقافة التاريخية والاثرية مقتصرة على قطاع ممن يشتغلون في هذا المجال ، وهذا أدى الى أن غالبية المواطنين لم تكن تهتم بالموروث التاريخي لبلادهم الذي تمثله ماديا المعالم الاثرية التي اصبحت منظورة لديهم  بعد ان كشف عنها  منذ زمن الاحتلال الايطالي  حيث لعب الايطاليون دورا في ابرازها للوجود بعد التنقيب عنها وترميمها مستغلين العمال الليبيين لتحقيق ذلك . و لم تفلح مصلحة الآثار  فيما بعد بمنشوراتها و لا هيأة السياحة بنشاطها واصداراتها الى جذب الليبيين الى المواقع الأثرية و المتاحف التي من شأنها ان ترفع درجة الوعي بتاريخ ليبيا وحضارتها ، وظلت تلك المواقع قبلة للزوار الاجانب او السياح ،  كما ان السياسة التعليمية التي اتبعتها الدولة عقب ما يعرف بالثورة الثقافية عام 1973 ، وتسريب بعض الافكار الخاطئة التي لا تستند على اي واقع تاريخي  ضمن اطار ما يعرف بقراءة جديدة للتاريخ التي عرضها القذافي في محاضرة بكلية الاداب في 7/5/1973   تبلورت عنها فكرة ان البقايا الاثرية الاغريقية والرومانية ما هي الا آثار للمستعمرين  ليس لها علاقة بالليبيين وهذه كانت دعوة الى عدم الاهتمام بتلك الاثار ،  كما ان هذه الافكار انعكست على عدم تركيز المناهج الدراسية على تدريس تاريخ ليبيا عبر العصور وتخصيص مساحات كبيرة له ضمن المواد التاريخية التي يدرسها الطالب منذ الصغر ،  اضافة الى عدم الربط بين ما يدرس نظريا ـ رغم قلته ـ  وتطبيقه ميدانيا بزيارة المتاحف والمواقع الاثرية  حيث  يعد جزءا من العملية التعليمية ، وقد ادى هذا الى ضعف التحصيل في المجال التاريخي للطالب الليبي مما انعكس على نظرته السلبية للمعالم الاثرية . 
لقد ادت الظروف السالفة الذكر الى  وجود شرخ في الوعي الثقافي لافراد المجتمع  فيما يخص تاريخ ليبيا وحضارتها ، حيث لا يستغرب ان  تظهر اصوات غاضبة  متذمرة من واقعها السياسي تدعو الى تدمير المعالم الاثرية بحجة حاجة الشباب الى اراض لبناء مساكن عليها ، كما انه كيف يفسر قيام مرشد سياحي  عام 2009 بطلاء  مساحات كبيرة من الرسوم الصخرية النادرة التي ترجع لعصور ما قبل التاريخ في منطقة الاكاكاوس في الجنوب الليبي  ، او ذلك المزارع الذي يهدم احد المعالم الاثرية لكي يستغل الارض لزراعتها ، او انتشار تجارة الآثار وتهريبها خارج البلد بعد العبث بالمواقع الاثرية  بالحفر غير القانوني بها ، وسرقة بعض المتاحف ، حيث ادرك هولاء القيمة المادية للآثار وليس قيمتها الثقافية وعلاقتها بتاريخ الوطن ، كما انه ما تفسير عدم وجود متحف بمدينة بنغازي يعرض آثار هذه المدينة العريقة ، فالمتحف وعاء ثقافي تحتاجه مدينة مثل بنغازي وغيرها من المدن الليبية التي لاتوجد بها متاحف. هذه النماذج تعبر عن  نقص الوعي الاثري بين افراد المجتمع المسؤول عنه شبكة متداخلة من العوامل ايدتها اهمال الدولة الليبية لهذا القطاع ، و نظرتها السلبية للمعالم الاثرية ، التي رأى فيها الكثير من المسؤولين  ـ و للاسف ـ  انها مجموعة من الحجارة ( حيط).
   و انطلاقا من الواقع الحالي للاثار و النظرة السلبية للمجتمع المحلي لها جاءت فكرة إصدار صحيفة تعنى بالاثار في ليبيا تهدف الى زيادة الوعي الاثري بين المواطنين  وتعريفهم بتاريخ بلادهم  و آثارهم ، من خلال مخاطبتهم بلغة بسيطة   ترشدهم  للمعالم الاثرية في ليبيا من خلال الكلمة والصورة ، وتتجول بهم في المواقع الاثرية ، مبرزة قيمتها واهميتها العلمية على المستوى العالمي والمحلي ،  وهذا ليس من باب الترف الفكري ، إنما خطوة من اجل خلق وعي اثري يؤدي الى حماية الآثار، حيث  ان الوعي هو الذي يعول عليه اكثر من القوانين الرادعة ، التي فشلت لوحدها في المحافظة على الآثار .
و تعنى الصحيفة ايضا بمخاطبة المسؤولين  بحيث تبرز ما يحتاج اليه قطاع الآثار للنهوض به  من خلال عرض السلبيات ، و مناقشة المشاكل التي يمر بها وايجاد حلول لها من خلال المقترحات التي تتخلل مقالات الاساتذة المختصون التي تعد بمثابة المرشد للعاملين في هذا القطاع للدفع به الى الامام.