ضمن منشورات جامعة قاريونس صدر هذا الكتاب التخصصي في علم الاثار ، وسيكون متاحا للشراء خلال شهر . وللتعريف بالكتاب يمكن قراءة مقدمته التي نشرناها هنا.....
مقدمـة كتاب
دراسة القبور الفردية و اثاثها الجنائزي في تاوخيرا (توكرة القديمة)
الحمدُ لله ربَ العالمين القائل في مُحكم كتابه {وَمَآ أُوتِيتُم مِنَ اٌلعِلٌمِ إلاَ قَلِيلاً } الإسراء الآية 85 والقائل {وَعَلٌمَكَ مَا لَمٌ تَكُن تَعٌلَمُ وَكَانَ فَضٌلُ اللهِ عَلَيٌكَ عَظِيماً }النساء الآية 113 .
والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد النبي الامى ،الذي أرسل بدين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
الحمدلله حمداً كثيراً وشكراً يليق بجلاله وعظيم سُلطانه إذ هدى الباحث وسدد خُطاه، وايدهُ بنصرٍ من عنده في إتمام هذا الكتاب .
أما بعد:
فإنه على الرغم من أن دراسة القبور وبقايا الدفن، تُعد جزءاً رئيسياً من الدراسات الأثرية الحديثة، الا انها لم تحظَ بالاهتمام ولم تصبح فرعاً مهماً من فروع علم الآثار الا فى فترة حديثة نسبياً، ولكن هذا لايعنى باية حال ان الحفر فى القبور حديث العهد، بل انه يرجع الى الإرهاصات الأولى التى سبقت نشوء هذا العلم، فعلى مستوى الحضارات القديمة ظهر ما يعرف بأسم "سارقي المقابر" الذين عبثوا فى القبور والمدافن لما كانت تحويه من كنوز وثروات، مثلما حدث عند المصريين القدماء (الفراعنة) وغيرهم من الشعوب القديمة ، وفى العصر الحديث عندما بدأ الاهتمام بالآثار كانت القبور من اولى الأشياء التى لفتت انتباه هواة الآثار مثل الرحالة وتجار العاديات. الذي كان جُل اهتمامهم مُنصباً على جمع اللقى الأثرية، بُغية الكسب المادي ببيعها للأغنياء او للمتاحف، وقد وجدوا فى القبور ضالتهم المنشودة، ومن ثم فقد عُدت القبور مصدراً للثروات الأثرية، وهذا الاتجاه انعكس سلبياً على دراسة القبور فيما بعد.
وقد تطورت دراسة القبور والمدافن مع تطور علم الآثار، وتغيرت النظرة للقبور مع مرور الزمن، فبدلاً من الاكتفاء بجمع اللقى الأثرية بدأت تظهر بعض الملاحظات القيمة عن طقوس الدفن ،وجرت محاولات لوضع إطار زمني للقبور، ولقد ادت كثرة الحفريات في القبور فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، الى جمع الكثير من المعلومات والملاحظات حول عادات الدفن والأثاث الجنائزي، وصار ينظر للأخيرة على أنها أدلة مادية يُستنبط منها الكثير من المعلومات عن الميت وحياته الاجتماعية والاقتصادية والدينية.
وقد وجه الاهتمام فى القرن العشرين اكثر تجاه نواحٍ أخرى ترتبط بالنواحي الاجتماعية، وقد بدا الأثريون متأثرين بعلماء الانثروبولوجيا، وفى هذه الفترة صارت القبور تُدرس وفقاً لأسلوب التسلسل الزمني(Chronology) وللنواحي الاجتماعية والدينية. الا ان أهم تطور لدراسة القبور، حدث فى مُستهل ستينات القرن العشرين، حيث تم الانتقال من الدراسة التأملية (Speculation) للقبور الى الدراسة الحضارية المعتمدة على أسلوب التسلسل الزمني، وتم الاستعانة بالمصادر التاريخية، واللغات القديمة،و الانثربولوجيا الاجتماعية، والعلوم الطبية، لتفسير طقوس الدفن،و رأب الصدع الذي يعترى الأدلة الأثرية كما زاد الاهتمام بدراسة البقايا البشرية، وأدت الدراسة المستفيضة لها الى الوصول الى تشخيص الأمراض التى كانت منتشرة قديماً، والتوصل الى نوعية الغذاء عن طريق قياس اثر ذلك الغذاء في عظام الانسان.
وكان آخر تطور لدراسة القبور هو ربط طقوس الدفن بالبنية (التركيبة) الاجتماعية، التى أصبحت تُطبق لفهم الطبقات الاجتماعية و المكانة الاجتماعية للميت، وقد تبلور هذا الاتجاه خلال ثمانيات هذا القرن.
وقد أدى هذا التطور الى ظهور ما يسمى علم آثار الدفن او علم الاثار الجنائزي (Funerary Archaeology) الذي تبوأ مكانة مميزة في علم الآثار[1] .
وعلى الرغم من انتشار القبور بكثرة فى المراكز الحضرية فى كيرينايكى] قورينائية [ مثل ابوللونيا وكيرينى وبرقة وبطوليمايس وتاوخيرة ويوسبريدس، وبقلة فى الأرياف مثل مسه وصنيبات العويلة وأمقارنيس...الخ، الا أنها لم تدرس دراسة موضوعية معتمدة على الأساليب المتطورة التى توصل اليها علم آثار الدفن، وبسبب كثرة ما تعرضت له تلك القبور من انتهاكات بواسطة الرحالة والقناصلة مثل دىبورفيل ودينس خلال القرن التاسع عشر، مما أضاع الكثير من الأدلة والقرائن الأثرية، كما ان الأثريين لم يهتموا عند دراسة قبور كيرينايكي الا بأشكالها المعمارية، وما تحويه من لقى يمكن ان تُعرض فى المتاحف، عدا ذلك فانه لم يُركز على دراسة العظام على سبيل المثال...وهذه ابسط الأمور التى ترتبط بالقبور، فما بالك بالنواحي الأخرى الاقتصادية والاجتماعية وطقوس الدفن.
وبسبب ذلك ،وبسبب إدراك الباحث أهمية تطبيق ما توصل اليه علم آثار الدفن من أساليب وتطبيقات قد تساعد فى فهم ودراسة القبور، التى قد تُعد مرآة صادقة تعكس الكثير من النواحي الاقتصادية والدينية والاجتماعية، وهذا مما دعا الباحث الى أن يوٌجه اهتمامه نحو هذا النوع من الدراسات.
أما موضوع الكتاب(الرسالة) فهو "دراسة القبور الفردية وأثاثها الجنائزي فى تاوخيرة ما بين أواخر القرن الخامس ق.م حتى القرن الأول الميلادي" أذا فالموضوع يختص بطراز محدد من القبور، هي القبور الفردية، او ما اصطلح على تسميته بالقبور الصندوقية ((Cist-Graves ،ودراسة الأثاث الجنائزي اى اللقى التى وجدت فيها، وفى مكان محدد هو مدينة تاوخيرة ،وخلال فترة محددة ما بين أواخر القرن الخامس ق.م حتى القرن الأول الميلادي، وهى الفترة التى ظل فيها هذا الطراز من القبور سائداً فى تاوخيرة.
ومجال الدراسة هنا يشمل دراسة جميع القبور الفردية وأثاثها الجنائزي التى ظهرت في الحفريات التى أُجريت على هذا الطراز من حفريات جورج دينيس 1865-1867، حتى حفريات الباحث 1988-1990، وقد وفٌرت تلك الحفريات مادة أثرية كافية تشجع على قيام دراسة لهذا الطراز من القبور، التي نُشر بعضها، ولكنه لم ينَل حقه من الدراسة العلمية الجادة، ويحتاج الى إعادة دراسة وتمحيص، مثل حفريات دينس، ووبستر 1944، وبراون 1947 ،وحفريات رايت 1954، ويمثل بعضها الأخر مادة أثرية جديدة لم تُدرس من قبل، مثل قبور حفريات السنوات 1967، و1968، و1972، و1987، وحفريات 88-1990.
وقد اختير هذا الطراز من القبور بالذات لانه لم يلتفت اليه كثيراً ولم يلقَ حظه من الدراسة سواء على مستوى الإقليم، ام على مستوى تاوخيرة نفسها، واخُتيرت قبور هذه المدينة بالذات دون غيرها من مدن الإقليم الأخرى، لان القبور الفردية كانت طراز القبور الشائع والوحيد بتاوخيرة خلال فترة زمنية طويلة، وهذا يساعد علىدراسة طقوس الدفن والتطور الذي طرأ عليها إن وجد.
وتجدر الإشارة الى أن اغلب الدراسات التى اقيمت حول القبور الفردية فى تاوخيرة، لا تعدو أن تكون نشراً مبدئياً للقبور التى تم حفرها مثل حفريات وبستر 1944 التى نشر بارنيت تقريراً اولياً عنها فى مجلة الدراسات الهللينية JHS العدد45 (1945) او حفريات بورتن براون 1947، التى نشرها في نفس المجلة JHSالعدد 68(1948)،وفي مجلة Antiquity العدد 22 (1948 )، وكذلك حفريات رايت الذي اهتم بدراسة قبور وطقوس الدفن في تاوخيرة، وقام بنشر قبور حفريات وبستر والقبور التى حفرها بنفسه، وذلك في مجلة PEQ العدد95 (1963) ،ويلاحظ القصور في اغلب تلك الدراسات ،وإهمالها للكثير من الجوانب مثل طقوس الدفن، وبعض الملاحظات القيمة حول وضعية الميت ،ودراسة العظام ،وكذلك دراسة الأثاث الجنائزي ومكانه في القبر، كما وردت الكثير من الأخطاء في تاريخ القبور، التى اعتُمد فيها على تاريخ بعض اللقى مثل الأواني الفخارية.
ومن اقدم الدراسات حول تلك القبور دراسة جورج دينس التى نشرها في مجلة الجمعية الملكية للأدب (Transactions of The Royal of Literature)في لندن عام 1870 والذي تفادى عند دراستها الكثير من السلبيات التى سبقت الإشارة اليها ،واهتم بإبراز طقوس الدفن، وقدم مُلاحظات جديرة بالاهتمام عن القبور التى حفرها في تاوخيرة.
إن تلك السلبيات دعت الباحث الى أن يُعيد دراسة تلك القبور، وان يقوم بحفريات جديدة خلال الفترة من 1988-1990 ،لإستكمال النقص فيما يتعلق بطقوس الدفن وتاريخ هذا الطراز من القبور لكي تتم دراسة القبور دراسة علمية تهتم بطقوس الدفن والأثاث الجنائزي على حدٍ سواء.
كما ان دراسة القبور الفردية دراسة متكاملة في مدينة بعينها (تاوخيرة) قد يُعد انموذجاً لبقية القبور من الطراز نفسه في مدن الإقليم الأخرى، خاصة انها لم تخضع لأية دراسة علمية جادة، فعلى سبيل المثال إن ما كتبه رايت عن القبور الفردية في بطوليمايس ضمن كتاب كريلينج(Ptolemais, City Of Libyan Pentapolis) يتسم بالعمومية، ولا توجد فيه اية إشارة الى تاريخ ذلك الطراز في بطوليمايس، وكذلك الحال مع قبور ابوللونيا الفردية التى نشر عنها وايتWhite)) عند دراسته للأسوار وتحصنات ابوللونيا في استطلاعات جامعة ميتشجان عام 1966. والتي لم يهتم فيها بطقوس الدفن، ولا دراسة العظام ولكنه وصف القبور، وقُدمت دراسة مختصرة للقى التى وجدت داخل كل قبر.
ولذلك فإن اغلب الدراسات لهذا الطراز سواء على مستوى تاوخيرة نفسها ،ام مستوى مدن كيرينايكى الأخرى، تتسم بالسطحية، وقد أظهر هذا كله الحاجة الى قيام دراسة جديدة لهذا الطراز.
وقد أدت طبيعة المادة الأثرية (القبور) والمنهج الذي اتبعه الباحث في دراستها الى تقسيم الكتاب الى بابين رئيسين: الباب الأول يتعلق بدراسة القبور الفردية، ويختص الباب الثاني بدراسة الأثاث الجنائزي الذي وجد في تلك القبور،كما قسم كل باب الى ثلاثة فصول وهذا عرض مختصر لمحتوياتها:
الباب الأول:
الفصل الأول: مقدمة جغرافية وتاريخية عن تاوخيرة
يختص هذا الفصل بالناحية الجغرافية والتاريخية لمدينة تاوخيرة، ولذا فهو يُعد بمثابة الفصل التمهيدي، ولكنه في الوقت نفسه لاغنى عنه، لانه يعطى دراسة القبور بُعداً مكانياً وزمنياً، وقد تعرض فيه للموقع الجغرافي للمدينة، وللعوامل الطبيعية التى ساعدت على استيطانها، وقد تم التطرق لأهمية الكتبان الرملية المتحجرة، لأنها المكان الذي نحتت فيه القبور الفردية، وكذلك تناول الفصل تربة المدينة التى اسهمت في صناعة الفخار بتاوخيرة. كما تم التعرض ايضاً لتاريخ الاستيطان في هذه المدينة قبل مجيء الإغريق لكي يتم إثبات سكنى الليبيين للمنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ ،و ما بعدها ثم الاستيطان الإغريقي-الروماني، وخلال هذه الفترة تطرق للتسميات التى مرت بها المدينة ،ثم الفترات التاريخية التى تعاقبت عليها حتى القرن الأول الميلادي، وهى الفترة التى انتهت فيها القبور الفردية في المدينة، وختم هذا الفصل بدراسة علاقة المستوطنين الإغريق بالليبيين، والتطور العمرانى بتاوخيرة وأهم معالمها.
الفصل الثاني: دراسة القبور الفردية:
يتضمن هذا الفصل دراسة القبور الفردية في تاوخيرة، وبسبب تشعب الموضوع فقد قسم من الداخل الى توطئة وثمانية مباحث او محاور.
وقد تم التطرق في التوطئة لظهور القبور الفردية وانتشارها سواء في العالم القديم ام في إقليم كيرينايكى، وما هي الأسباب التى دعت الى ظهور وانتشار تلك القبور في تاوخيرة على وجه الخصوص مقارنة بمدن كيرينايكى الأخرى.
وتُعرض في المبحث الأول منها للكشف والعمل الأثري في القبور الفردية، وهذا يُعد مدخلاً لدراسة تلك القبور، لان تاريخ الكشف يشمل جميع الحفريات التى اجريت في القبور -والتي هي موضوع الدراسة هنا-، وقد تم إخضاع تلك الحفريات للنقد والتقييم لإبراز إيجابيتها وسلبياتها، كما تم التطرف الى طريقة العمل والحفر التى اجريت في حفريات 88-1990 باعتبارها الطريقة المثلى للحفر في القبور الفردية.
وفى المبحث الثاني تم التعرض لاختيار موقع القبور الفردية في تاوخيرة، وما هي الأسباب التى أدت الى ذلك الاختيار، وكذلك طريقة إعداد تلك القبور.
وفى المبحث الثالث تم التطرق لوصف القبور الفردية، حيث تُعرض لكل حفريات على حدة منذ حفريات دينس، حتى حفريات 88-1990، وكانت كل القبور توصف من حيث موقعها ووصفها العام الذي يشمل اتجاهها ونوعية القبور وأغطيتها وعددها وابعاد القبور، وطريقة الدفن ووضعية المدفون، وإيراد الملاحظات اللافتة للانتباه في كل قبر، ويتضمن الوصف أخيراً جدولاً بالأثاث الجنائزي، والأرقام التى يحملها كل عنصر في البيان (الكتالوج).
ويدرس المبحث الرابع طرز القبور الفردية في تاوخيرة، والتي توصل اليها بعد إبراز مميزات كل القبور ،وتُمكن من تحديد طرازين رئيسين ،قُسم كل منها الى عدة أنماط او أشكال، وكان كل طراز يُدرس بعد التعريف به، والتعرض لموقع قبوره وانتشارها في جبانات تاوخيرة، وكذلك اتجاه تلك القبور ،ووصف القبور من الخارج والداخل وحجم وابعاد قبور كل طراز، ثم تاريخ الطراز، ومقارنته بقبور أخرى سواء في الإقليم ام خارجه.
اما المبحث الخامس فدرست فيه بقايا العظام البشرية التى عُثر عليها في القبور، وقد تم التركيز على تحديد جنس وعمر الميت فيها، وعرض السلبيات التى أدت الى عدم دراسة تلك العظام دراسة علمية وافية.
وفى المبحث السادس تم التعرض لظاهرة إعادة استعمال القبور، حيث لوحظ ان الكثير من قبور تاوخيرة قد حدث فيها إعادة استعمال في فترة لاحقة، وقد تم التطرق لهذه الظاهرة، وللقبور التى وجدت فيها، وكيف تم الاستدلال عليها ،ومتى حدثت ،وما هي أسبابها.
وقد عُنوٌن المبحث السابع بعنوان مجتمع تاوخيرة من خلال قبوره الفردية، وتم التطرق فيه الى بعض النواحي الاجتماعية التى أُستنتجت من دراسة القبور، بدءاً بسكان تاوخيرة وتحديد الفئات او عناصر السكان التي كانت تدفن في تلك القبور، ومحاولة تحديد عدد السكان عن طريق القبور، كما تم التعرض لبعض النظم الاجتماعية المتعلقة بالأسرة والقرابة، والتمايز الطبقي والاقتصادي من خلال دراسة القبور.
وفى المبحث الأخير-اى الثامن- تم التعرض لتاريخ القبور الفردية، حيث نوقشت الطرق التى تؤرخ بها القبور بصفة عامة بالنقد والتحليل ،ووضع منهج جديد لتأريخ قبور تاوخيرة. ثم أُستعرض تاريخ قبور تاوخيرة الفردية، مُتناولاًكل حفريات على حدة اعتماداً على تاريخ اللقى التى وجدت فيها، والتي درست في الباب الثاني، كما اعيد تأريخ القبور التى نُشرت من قبل. وفى نهاية هذا المبحث تمت مناقشة النتائج التاريخية التى استنتجت من تاريخ القبور الفردية، حيث نتبع انتشار تلك القبور ونسب ظهورها عبر الفترات التاريخية التى مرت بها المدينة مع مقارنة ذلك بالوضع الاقتصادي لتاوخيرة.
وبعد دراسة القبور الفردية من عدة جوانب، كان من الضروري التطرق الى طقوس الدفن عند الإغريق، ومحاولة تطبيقها على قبور تاوخيرة، ومقارنة ما قدمته القبور الأخيرة من أدلة وقرائن في هذا الشأن. ولقد خصص لها هنا الفصل الثالث، الذي قُسم الى ثلاثة مباحث رئيسية، يتعلق الأول بنظرة الإغريق للموت والدفن والعالم السفلي، ويهتم الثاني بالطقوس والعادات الجنائزية، حيث تتبعت الإجراءات التى تُنفذ منذ حدوث الوفاة حتى الدفن ثم الطقوس التى تجرى بعد الدفن، وفى المبحث الثالث تم التعرض للأثاث الجنائزي ماهيته وسبب وضعه في القبور، وأنواعه بصورة عامة، والتركيز على الأثاث الذي وجد في قبور تاوخيرة من حيث أنواعه، مكان وضعه في القبور، وعدده، وعلاقته بالناحية الاقتصادية للميت، وتحديد جنس الميت بواسطته.
ولكي يسهل على القارئ الإلمام بجميع القبور، وكخلاصة نهائية لها فقد قدم الباحث جداول خاصة بوصف القبور والأمور المتعلقة بها خاصة تلك التي نوقشت باستفاضة في الفصلين الثاني والثالث من خلال مباحث متفرقة.
الباب الثاني:
يدرس هذا الباب الأثاث الجنائزي (اللقى) الذي عثر عليه في حفريات القبور الفردية، وهو في الوقت نفسه يرتبط بالباب الأول في كثير من الأمور التى طُرحت للمناقشة من خلال مباحث ذلك الباب، واعتمدت اساساً على الأثاث الجنائزي يُذكر منها تاريخ القبور ، وبعض طقوس الدفن ، وجدير بالذكر ان المبحث الخاص بالأثاث الجنائزي الذي تُعرض له في الفصل الثالث من الباب الأول يُعد توطئة لدراسة ذلك الأثاث، فهناك تم التطرق اليه من حيث أهميته في طقوس الدفن، وهنا سيدرس دراسة فنية من حيث أنواعه وطرز أوانيه و أدواته وتصنيفها ثم تأريخها.وقبل دراسة ذلك الأثاث، عملت توطئة للمنهج الذي اتبع في دراسته، والذي لاغنى عنه لكل قارئ لهذا الباب.
ويدرس الفصل الاول منه الفخار المزخرف والمصقول (الارقام 1-34) وقد قُسمت اوانى ذلك الفخار الى كؤوس الاعياد الباناثينية، وفخار الصور الحمراء ، ونماذج متنوعة ،ثم فخار الصقل الاسود. وقد دُرست كل مجموعة على حدة، حيث تعرض لكؤوس الاعيادالباناثينية (1-6) بإعطاء نبذة عن تلك الاعياد والالعاب التى تُمنح فيها تلك الكؤوس، وتمت مناقشة كيفية وصولها الى تاوخيرة، ثم دُرست الكؤوس دراسة فنية مقارنة تحليلية لكل عناصرها الزخرفية ثم تأريخها، وكذلك الحال مع فخار الصور الحمراء (7-12) ،الذى صنفت اوانيه وفقاً لأشكالها مثل قنينات الزيوت العطرية (Lekythoi)...الخ ،وقد تم التعرض لتسميات تلك الاوانى واستخدامها فى الحياة اليومية، ومن ثم استخدامها فى طقوس الدفن، وعند دراسة كل نوع من الاوانى فإنه يتم ابراز أهم زخارفها واصول هذه الزخارف، ومقارنة تلك الاواني بأمثلة شبيهة لها ظهرت فى مواقع اخرى ثم تأريخها وفقاً لطرازها. وتم تطبيق الاسلوب نفسه عند دراسة النماذج المتنوعة (3-17) مثل الاكواب الكورنثية، وكذلك فخار الصقل الاسود (18-34).
اما الفصل الثانى فقد خُصص لدراسة الاوانى التى صنعت من الفخار الخشن (الارقام 35-149). وقد قدم لهذه الدراسة بتوطئة توضح اهمية هذا النوع من الفخار بصورة عامة واهميته بالنسبة لتاوخيرة، وكيف تم تصنيف اوانيه المختلفة، وكذلك تصنيف غَضَار الفخار اى مكوناته وميزة كل غَضَار، وفقاً للدراسة المعملية التي قام بها الباحث، ثم تطرق لكيفية تأريخ الفخار الخشن.
وقد تم تقسيم اوانى هذا الفخار وفقاً لاشكالها حتى تسهل عملية دراستها مثل جرار النقل، وجرار الماء ...الخ، وقُسم كل نوع فى الغالب الى طرز طبقاً لاختلاف تطور أشكال أوانيه، وقد أتبع فى دراستها نفس المنهج الذى اتبع فى دراسة اوانى الفخار المزخرف والمصقول، وفى الختام تم التعرض لصناعة الفخار الخشن فى تاوخيرة منذ القرن الخامس ق.م حتى القرن الاول الميلادى.
ويتعرض الفصل الثالث لدراسة اللقى الاخرى (150-228) التى يُقصد بها المصابيح، والطين المشوى، واللقى الرخامية والزجاجية والمعدنية، وقد دُرس كل صنف على حدة، فالمصابيح (150-174) قسمت الى مجموعتين مستوردة ومحلية، ثم صنفت الى عدة طرز وفقاً لشكلها ومصدر صناعتها، والتطور العام لاشكال المصابيح الاغريقية وإبراز مميزات كل طراز، ومقارنة تلك المصابيح بأمثلة مشابهة لكي يتسنى تأريخها، وفى الختام قدمت خلاصة عن تلك المصابيح ونسبة المستورد منها الى المُنتج محلياً، وبماذا تأثرت تلك التى صنعت محلياً.
وتم تطبيق المنهج نفسه عند دراسة منتجات الطين المشوى (175-211) من تُيمثيلات وادوات زينة، وقد تم التركيز على اسلوب التاناجرة، لان اغلب التُميثيلات ترجع الىذلك الاسلوب.
وقد دُرست اللقى الرخامية، والزجاجية (212-215) ،واللقى المعدنية (216-228) بالطريقة نفسها، وتم التركيز على وظيفة تلك اللقى فى الحياة اليومية ،ومن ثم علاقة ذلك بعادات وطقوس الدفن.
وقد ذُييل الكتاب بخاتمة استعرض فيها الباحث اهم النتائج التى توصل اليها من خلال دراسته للقبور الفردية.
ولقد إضيفت الىالبحث عدة ملاحق-كوسيلة ايضاح -وضِعت فى مجلدٍ خاص بها(المجلد الثاني)، لكي لاتكون عبئاً على البحث. أول هذه الملاحق، ملحق عبارة عن قائمة بالاثاث الجنائزى (اللقى) الذى تمت دراستها، وهو يُبين ماهية اللقية،ورقمها فى البيان، ومصدرها، وكذلك مكانها الحالى، ورقمها فى سجلات المخازن او المتاحف الاثرية.
ويمثل الملحق الثانى البيان (الكتالوج)، وفيه يُتعرض بالوصف الشامل والدقيق لكل لقية من حيث ابعادها، ومصدرها، ووصف لها ،ومعلومات ضافية اخرى لم يكن بالمقدور وضعها فى متن البحث عند دراسة اللقى، وهذا يعنى ان البيان مُكملَ للباب الثانى من البحث، فإذا رغِب القارئ لذلك الباب في معرفة معلومات اخرى عن اية لقية فما عليه الا الرجوع الى البيان.
وقد خصص الملحق الثالث لجداول مفصلة عن مكونات غَضَار العينات الفخارية التى تم تحليلها بواسطة التحليل البيترولوجى، وكذلك هناك جدول يمثل احصائية لمعدل ونسب ابعاد قارورات الروائح المغزلية الشكل.
وفى الملحق الرابع هناك قائمة بارقام واسماء المدن التى تَردُ فى الخرائط التوزيعية.
ويعرض الملحق الخامس للخرائط والرسوم والاشكال التوضيحية الخاصة بالقبور، التي كان بعضها من إعداد الباحث نفسه، والبعض الاخر من إعداد المرحوم د.فاروق شعبان، كما ساهمت زوجة الباحث منى بالخير فى تحبير اغلب تلك الاشكال وإخراجها فى صورتها النهائية.
اما الملحق السادس، فقد وضعت فيه الرسوم البيانية التى جهزت وفقاً لنظام Excel 5، وهى خاصة بنسب القبور وانواع الاثاث الجنائزى.
وفى الملحق الاخير- السابع- عُرضت لوحات واشكال القبور واثاثها الجنائزى.
وقد ادى اتساع موضوع البحث وتشعب المحاور التى يُناقشها الى وجوب الاستعانة بعددٍ كبير من المصادر والمراجع، وقد كان ديدن الباحث الرجوع الى المراجع الاساسية، والبحث عن اخر ماكتب فى الموضوعات التى تمت دراستها.
أما المصادر فهي التى يُقصد بها المصادر الكلاسيكية، وماكتبه الكتاب الاغريق والرومان، وقد استفاد منها الباحث عند مناقشته تحديد موقع تاوخيرة وتاريخها، ويخص بالذكر كتابات هيرودتس ،وتوكيديديس، وبنداروس، وسكيلاكس، وبلوتارخوس، واسترابون، ويوسفوس، وبلينوس، وبطليموس، واثينايوس وديودوروس الصقلي، وبوليبيوس، وكوينثوس كيريتوس، وسينسيوس ،واستيفانوس البيزنطي، وكذلك عند تطرقه لعادات وطقوس الدفن عند الإغريق، إضافة الى الإشارات التى وردت عند كُتاب التراجيديا والكوميديا أمثال إسخيلوس، ويوربيدس واريستوفانيس، والشاعر كاليماخوس، والكاتب اللاتيني ابوليوس، وهناك ايضاً ماورد فى كتابات هوميروس ،وافلاطون، وديموستينيس ،وديوجين لايرثيوس ،ولوكيان ،وفرجيل ،وشيشرون. كما استُفيدَ من المصادر الكلاسيكية فى معرفة استخدام بعض الاوانى فى الحياة اليومية ،وفى طقوس الدفن.
ولقد تم الرجوع الى اغلب تلك المصادر فى لُغتها الاصلية، ولكن هذا لايعنى عدم الاستفادة من ترجـمات تلك الاعمال، التى قَدمت معظمها سلسلة لويب (Loeb Classical Library)، خاصة عند صعوبة فهم بعض النصوص.
اما المراجع فقليل منها باللغة العربية، والغالبية بلغات اجنبية، حيث تم الاستعانة بالمراجع العربية التى تتحدث عن تاريخ وجغرافية كيرينايكى، وببعض الكتب المترجمة التي تتحدث عن ديانة الاغريق وطقوس الدفن عندهم.
اما المراجع الاجنبية فقد تعددت لغاتها من الانجليزية الى الفرنسية ،والايطالية ،والالمانية ،والاسبانية، والروسية، واليونانية، والبلغارية، ويمكن تقسيمها الى كتب ودوريات، وقد استفيد منها فى فصول الكتاب(البحث) كافة، وذلك لان معظم الاثار الكلاسيكية قد كتبت بلغات اجنبية، حتى تاريخ الاقليم وتاوخيرة على وجه الخصوص تم الرجوع الى بحوث ونتائج حفريات الاستاذ ماكبرنى، والاستاذ بوردمان وجون هايز، والاستاذ كريلينبج والاستاذ لاروند...وغيرهم.
كما استُفيد من نشر نتائج الحفريات الاثرية فى بقاع مختلفة من العالم الاغريقى، التي من أهمها :حفريات الاجورا الاثينية، وحفريات جبانة كيراميكوس باثينا، وحفريات رودس وكورنث، وديلوس، واولينثوس، وأسين وقبرص، وكامارينا، وابوللونيا (البحر الاسود)، وحفريات حرم ديميتر وبيرسفونى فى تاوخيرة وكيرينى، وحفريات روو فى توابيت كيرينى، وحفريات ابوللونيا (كيرينايكى)، وحفريات سيدى خريبيش وحفريات معهد الدراسات بشيكاغو فى بطوليمايس...وغيرها.
وتم الاستفادة كثيراً من نشر بيانات (كتالوجات) المتاحف العالمية، مثل المتحف البريطانى بإصداراته المتُعددة عن المصابيح والطين المشوى وغيرها، وكذلك بيان متحف اللوفر خاصة إصدارات السيدة بيسك((Besque عن الطين المشوى وبيانات المتحف الملكي باونتاريو في كندا، حيث الدراسات القيمة التى وضعها الاستاذ جون هايز حول المصابيح والفخار المزخرف والمصقول والفخار الرومانى في ذلك المتحف ،وغيرها من بيانات المتاحف الاخرى التى لايمكن حصرها فى هذه المقدمة.
ومن الجدير بالذكر فى هذا المقام الاستفادة من بيانات مجموعة الاوانى القديمة التى تعرف باسم Corpus Vasorum Anitiquorum )) ،التى تهتم بنشر الاوانى الفخارية الموجودة فى المتاحف، والتى وصلت مجلداتها حتى الان الى مئتين وخمسون مجلداً من اربعة وعشرون بلداً. وقد استفيد من تلك البيانات والمراجع عند مقارنة ودراسة الاثاث الجنائزى فى الباب الثانى، وكذلك فى معرفة طقوس الدفن فى حفريات القبور.
وقد استفاد الباحث كثيراً من كتاب الاستاذة دونا كيرتز( D. Kurtz) والاستاذ بوردمان، عن عادات الدفن الاغريقية ((Greek Burial Customs، وكذلك من كتاب الاستاذ جارلاند ((Garland، طريق الاغريق للموت Greek Way Of Death))، وذلك عند التعرض لطقوس االدفن عند الاغريق.
وفى النقوش استفاد الباحث كثيراً من اعداد ملحق النقوش الاغريقية Supplementum Epigraphicum Graecum)) ،ومن كتاب ديتينبرجر (Dittenberger) المعروف باسم (Syllog Inscriptionum Graecarum) ،ومن كتابات اولفيريو، ورينولدز، وكارتيلى، ودوبياس لالو، وماسون وغيرهم .
أما الدوريات فقد تم الرجوع الى حوالى خمسين دورية اجنبية تهتم بالدراسات الكلاسيكية، تفاوتت لغتها واعدادها،ولعل من اهمها حولية المدرسة الامريكية باثينا المعروفة باسم هسبيريا (Hesperia) وملاحقها المتُعددة، وكذلك حولية المدرسة الفرنسية باثينا، المختصرة بالاحرف (BCH )، باعدادها وملاحقها المختلفة، وكذلك دورية المدرسة البريطانية( BSA )، والايطالية (As Aten )، والالمانية (AM) باثينا، وايضاً دورية معهد الاثار الامريكى (AJA)، ومجلة جمعية الدراسات الهللينية (JHS) ،وجمعية الدراسات الرومانية (JRS)، ودورية المدرسة البريطانية فى روما (PBSR)....وغيرها، هذا على مستوى الدراسات الكلاسيكية العالمية، وأما الدوريات التى تهتم باثار ليبيا فيجدر ذكر، حولية مصلحة الاثار التى تعرف باسم ليبيا القديمة (LA)، ومجلة جمعية الدراسات الليبية بلندن (LS)، ومجلة افريقيا الايطالية (Afr Ita) ومجلة كراسات اثرية ليبية (QAL).
وقد استُفيد من تلك الدوريات ايما استفادة، لانها كانت تهتم بنشر نتائج الحفريات التى تجرى فى مواقع عديدة من العالم الاغريقيى، ونشر دراسات على اللقى المتنوعة التى تظهر فيها، والتى كانت ضرورية لإجراء المقارنات مع اللقى التى ظهرت فى قبور تاوخيرة والتوصل الى طرازها ومن ثم تاريخها.
وتطلب الحصول على تلك المراجع البحث المُضنى بين ارفف المكتبة المركزيةبجامعة قاريونس، ومكتبة مراقبة اثار شحات ،وقد وجد الباحث ضالته فى قسم الدوريات بالمكتبة المركزية، فقد حصل منه على الكثير من الدوريات، الا ان افتقار المكتبات المحلية الى الكثير من المراجع الحديثة، استلزم من الباحث التنقل بين مكتبة دائرة الاثار السورية بدمشق، ومكتبة الجامعة الامريكية بالقاهرة ،ومكتبة المعهد الاثرى الفرنسى بالقاهرة، ومكتبة متحف الاسكندرية، واخيراً مكتبات المدارس الاثرية بأثينا خاصة مكتبة المدرسة البريطانية، والامريكية، والفرنسية، والايطالية، والمكتبات الاخيرة جعلته يطلع على اخر ما كتب فى مجال الدراسات الكلاسيكية، وما يخص رسالته على وجه التحديد. فالباحث إذن لايشكو من قلة المراجع او عدم توفرها، بل من المعاناة الشديدة من وراء تجميعها من اماكن متفرقة.
وفى خاتمة هذه المقدمة يود الباحث التطرق الى بعض الصعوبات التى واجهته عند اعداد هذا البحث . منها مانتج عن طبيعة موضوع البحث نفسه، فالمحوران المختلفان دراسة القبور، ودراسة الاثاث الجنائزى اللذان يعالجهما البحث، وتشعب كل محور وتنوع اللقى ودراسة كل نوع على حدة ،كما ان كل محور يمكن ان يكون رسالة او كتاب فى حد ذاته، وقد ادى الجمع بينهما ومناقشتهما بنفس المستوى، ان يبذل الباحث الكثير من الجهد والوقت والمعاناة.
كما شكل نقص المختبرات الاثرية عائقاً أمام الباحث، فهناك العديد من العينات ارسلت الى خارج الجماهيرية لكى يتم تحليلها ،وحتى ان توفرت بعض التقنيات فى المراكز البحثية هنا، الا ان انعدام الخبرة فى التعامل مع العينات الاثرية، كان من شأنها ان تؤخر نتائج بعض التحاليل التى اجريت فى الجماهيرية، فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من توفر تقنية التحليل البيتروغرافى وعمل القطاعات الرقيقة التى تحتاجها دراسة الفخار الخشن فى المختبر الجيولوجى بشركة الخليج العربى لم يكن من السهل تنفيذها الا بعد عدة محاولات وتوجيهات من الباحث لان المختصين هناك يتعاملون مع مثل هذه العينات لاول مرة.كما ان الكثير من العينات الفخارية كانت فى حاجة للتحليل بواسطة حيود الاشعة السينية (X. Ray Diffraction ) ،وإشعاع النيترون. والتى لم تتوفر للباحث على الرغم من وجودها فى بعض المراكز البحثية.
كما ان مشكلة التعريب وايجاد المصطلح المناسب فى اللغة العربية، شكلت عائقاً، فهناك الكثير من المصطلحات الشائعة فى الدراسات الكلاسيكية، كان من الصعب العثور على مرادفات لها فى اللغة العربية، لكي تكون مقبولة لدى الجميع، وقد تطلب من الباحث جهداً كبيراً لايجاد المصطلحات المناسبة خاصة مايتعلق بتسميات الاوانى الفخارية...وغيرها، وقد استند الباحث فى كثير من الاحيان الى المصطلحات العلمية التى اقرها مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
ومن الجدير بالذكر ان البحث (الكتاب) كتب بصيغة المبنى للمجهول، كما ان تسميات المدن خاصة فى الاقليم قد وردت وفقاً للنطق الاغريقى لها مثل كيرينايكى بدلاً من قورينائية وكيرينى عوضاً عن قورينى.
أما كتابة الكلمات الاجنبية بالعربية فقد كتبت وفقاً لنطقها ويلاحظ ان حرف "G" يساوى هنا حرف "ج" وينطق مثل الجيم فى اللهجة المصرية مثل كلمة اجورا (Agora).
وعلى الرغم من كل هذا فان الباحث يكفيه جزاء على ما قدم أن وجه الاهتمام نحو هذا النوع من الدراسات، التى قد تكون المكتبة العربية فى حاجة شديدة اليها . قال تعالى{ فَأمَا الزبَدُ فَيَذٌهَبُ جُفَاءً وَأماَ مَاَ يَنفعُ النَاسَ فَيَمٌكُثُ ِفي الأرٌضِ } الرعد ألأية 17 .
وفي الختام يجدر التنويه ان هذا الكتاب كان في الاصل رسالة علمية قدمها الباحث لنيل درجة التخصص العالي (الماجستير) في الاثار الكلاسيكية لقسم الاثار بجامعة قاريونس ، وقد نوقشت في 3/4/1997 ف ، وهذا مدعاة للاشارة ان المراجع المستخدمة اغلبها يرجع الى ما قبل عام 1997 ، ولم يضف الباحث الا القليل من المراجع صدرت بعد مناقشته للرسالة .
[1] -يراجع عن تطور أساليب دراسة آثار الدفن وأهمية هذا العلم: R. Chopman &K.Randsborg, in The Archaeology of Death, R.Chapman etal (eds.) PP. 1-24
والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد النبي الامى ،الذي أرسل بدين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
الحمدلله حمداً كثيراً وشكراً يليق بجلاله وعظيم سُلطانه إذ هدى الباحث وسدد خُطاه، وايدهُ بنصرٍ من عنده في إتمام هذا الكتاب .
أما بعد:
فإنه على الرغم من أن دراسة القبور وبقايا الدفن، تُعد جزءاً رئيسياً من الدراسات الأثرية الحديثة، الا انها لم تحظَ بالاهتمام ولم تصبح فرعاً مهماً من فروع علم الآثار الا فى فترة حديثة نسبياً، ولكن هذا لايعنى باية حال ان الحفر فى القبور حديث العهد، بل انه يرجع الى الإرهاصات الأولى التى سبقت نشوء هذا العلم، فعلى مستوى الحضارات القديمة ظهر ما يعرف بأسم "سارقي المقابر" الذين عبثوا فى القبور والمدافن لما كانت تحويه من كنوز وثروات، مثلما حدث عند المصريين القدماء (الفراعنة) وغيرهم من الشعوب القديمة ، وفى العصر الحديث عندما بدأ الاهتمام بالآثار كانت القبور من اولى الأشياء التى لفتت انتباه هواة الآثار مثل الرحالة وتجار العاديات. الذي كان جُل اهتمامهم مُنصباً على جمع اللقى الأثرية، بُغية الكسب المادي ببيعها للأغنياء او للمتاحف، وقد وجدوا فى القبور ضالتهم المنشودة، ومن ثم فقد عُدت القبور مصدراً للثروات الأثرية، وهذا الاتجاه انعكس سلبياً على دراسة القبور فيما بعد.
وقد تطورت دراسة القبور والمدافن مع تطور علم الآثار، وتغيرت النظرة للقبور مع مرور الزمن، فبدلاً من الاكتفاء بجمع اللقى الأثرية بدأت تظهر بعض الملاحظات القيمة عن طقوس الدفن ،وجرت محاولات لوضع إطار زمني للقبور، ولقد ادت كثرة الحفريات في القبور فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، الى جمع الكثير من المعلومات والملاحظات حول عادات الدفن والأثاث الجنائزي، وصار ينظر للأخيرة على أنها أدلة مادية يُستنبط منها الكثير من المعلومات عن الميت وحياته الاجتماعية والاقتصادية والدينية.
وقد وجه الاهتمام فى القرن العشرين اكثر تجاه نواحٍ أخرى ترتبط بالنواحي الاجتماعية، وقد بدا الأثريون متأثرين بعلماء الانثروبولوجيا، وفى هذه الفترة صارت القبور تُدرس وفقاً لأسلوب التسلسل الزمني(Chronology) وللنواحي الاجتماعية والدينية. الا ان أهم تطور لدراسة القبور، حدث فى مُستهل ستينات القرن العشرين، حيث تم الانتقال من الدراسة التأملية (Speculation) للقبور الى الدراسة الحضارية المعتمدة على أسلوب التسلسل الزمني، وتم الاستعانة بالمصادر التاريخية، واللغات القديمة،و الانثربولوجيا الاجتماعية، والعلوم الطبية، لتفسير طقوس الدفن،و رأب الصدع الذي يعترى الأدلة الأثرية كما زاد الاهتمام بدراسة البقايا البشرية، وأدت الدراسة المستفيضة لها الى الوصول الى تشخيص الأمراض التى كانت منتشرة قديماً، والتوصل الى نوعية الغذاء عن طريق قياس اثر ذلك الغذاء في عظام الانسان.
وكان آخر تطور لدراسة القبور هو ربط طقوس الدفن بالبنية (التركيبة) الاجتماعية، التى أصبحت تُطبق لفهم الطبقات الاجتماعية و المكانة الاجتماعية للميت، وقد تبلور هذا الاتجاه خلال ثمانيات هذا القرن.
وقد أدى هذا التطور الى ظهور ما يسمى علم آثار الدفن او علم الاثار الجنائزي (Funerary Archaeology) الذي تبوأ مكانة مميزة في علم الآثار[1] .
وعلى الرغم من انتشار القبور بكثرة فى المراكز الحضرية فى كيرينايكى] قورينائية [ مثل ابوللونيا وكيرينى وبرقة وبطوليمايس وتاوخيرة ويوسبريدس، وبقلة فى الأرياف مثل مسه وصنيبات العويلة وأمقارنيس...الخ، الا أنها لم تدرس دراسة موضوعية معتمدة على الأساليب المتطورة التى توصل اليها علم آثار الدفن، وبسبب كثرة ما تعرضت له تلك القبور من انتهاكات بواسطة الرحالة والقناصلة مثل دىبورفيل ودينس خلال القرن التاسع عشر، مما أضاع الكثير من الأدلة والقرائن الأثرية، كما ان الأثريين لم يهتموا عند دراسة قبور كيرينايكي الا بأشكالها المعمارية، وما تحويه من لقى يمكن ان تُعرض فى المتاحف، عدا ذلك فانه لم يُركز على دراسة العظام على سبيل المثال...وهذه ابسط الأمور التى ترتبط بالقبور، فما بالك بالنواحي الأخرى الاقتصادية والاجتماعية وطقوس الدفن.
وبسبب ذلك ،وبسبب إدراك الباحث أهمية تطبيق ما توصل اليه علم آثار الدفن من أساليب وتطبيقات قد تساعد فى فهم ودراسة القبور، التى قد تُعد مرآة صادقة تعكس الكثير من النواحي الاقتصادية والدينية والاجتماعية، وهذا مما دعا الباحث الى أن يوٌجه اهتمامه نحو هذا النوع من الدراسات.
أما موضوع الكتاب(الرسالة) فهو "دراسة القبور الفردية وأثاثها الجنائزي فى تاوخيرة ما بين أواخر القرن الخامس ق.م حتى القرن الأول الميلادي" أذا فالموضوع يختص بطراز محدد من القبور، هي القبور الفردية، او ما اصطلح على تسميته بالقبور الصندوقية ((Cist-Graves ،ودراسة الأثاث الجنائزي اى اللقى التى وجدت فيها، وفى مكان محدد هو مدينة تاوخيرة ،وخلال فترة محددة ما بين أواخر القرن الخامس ق.م حتى القرن الأول الميلادي، وهى الفترة التى ظل فيها هذا الطراز من القبور سائداً فى تاوخيرة.
ومجال الدراسة هنا يشمل دراسة جميع القبور الفردية وأثاثها الجنائزي التى ظهرت في الحفريات التى أُجريت على هذا الطراز من حفريات جورج دينيس 1865-1867، حتى حفريات الباحث 1988-1990، وقد وفٌرت تلك الحفريات مادة أثرية كافية تشجع على قيام دراسة لهذا الطراز من القبور، التي نُشر بعضها، ولكنه لم ينَل حقه من الدراسة العلمية الجادة، ويحتاج الى إعادة دراسة وتمحيص، مثل حفريات دينس، ووبستر 1944، وبراون 1947 ،وحفريات رايت 1954، ويمثل بعضها الأخر مادة أثرية جديدة لم تُدرس من قبل، مثل قبور حفريات السنوات 1967، و1968، و1972، و1987، وحفريات 88-1990.
وقد اختير هذا الطراز من القبور بالذات لانه لم يلتفت اليه كثيراً ولم يلقَ حظه من الدراسة سواء على مستوى الإقليم، ام على مستوى تاوخيرة نفسها، واخُتيرت قبور هذه المدينة بالذات دون غيرها من مدن الإقليم الأخرى، لان القبور الفردية كانت طراز القبور الشائع والوحيد بتاوخيرة خلال فترة زمنية طويلة، وهذا يساعد علىدراسة طقوس الدفن والتطور الذي طرأ عليها إن وجد.
وتجدر الإشارة الى أن اغلب الدراسات التى اقيمت حول القبور الفردية فى تاوخيرة، لا تعدو أن تكون نشراً مبدئياً للقبور التى تم حفرها مثل حفريات وبستر 1944 التى نشر بارنيت تقريراً اولياً عنها فى مجلة الدراسات الهللينية JHS العدد45 (1945) او حفريات بورتن براون 1947، التى نشرها في نفس المجلة JHSالعدد 68(1948)،وفي مجلة Antiquity العدد 22 (1948 )، وكذلك حفريات رايت الذي اهتم بدراسة قبور وطقوس الدفن في تاوخيرة، وقام بنشر قبور حفريات وبستر والقبور التى حفرها بنفسه، وذلك في مجلة PEQ العدد95 (1963) ،ويلاحظ القصور في اغلب تلك الدراسات ،وإهمالها للكثير من الجوانب مثل طقوس الدفن، وبعض الملاحظات القيمة حول وضعية الميت ،ودراسة العظام ،وكذلك دراسة الأثاث الجنائزي ومكانه في القبر، كما وردت الكثير من الأخطاء في تاريخ القبور، التى اعتُمد فيها على تاريخ بعض اللقى مثل الأواني الفخارية.
ومن اقدم الدراسات حول تلك القبور دراسة جورج دينس التى نشرها في مجلة الجمعية الملكية للأدب (Transactions of The Royal of Literature)في لندن عام 1870 والذي تفادى عند دراستها الكثير من السلبيات التى سبقت الإشارة اليها ،واهتم بإبراز طقوس الدفن، وقدم مُلاحظات جديرة بالاهتمام عن القبور التى حفرها في تاوخيرة.
إن تلك السلبيات دعت الباحث الى أن يُعيد دراسة تلك القبور، وان يقوم بحفريات جديدة خلال الفترة من 1988-1990 ،لإستكمال النقص فيما يتعلق بطقوس الدفن وتاريخ هذا الطراز من القبور لكي تتم دراسة القبور دراسة علمية تهتم بطقوس الدفن والأثاث الجنائزي على حدٍ سواء.
كما ان دراسة القبور الفردية دراسة متكاملة في مدينة بعينها (تاوخيرة) قد يُعد انموذجاً لبقية القبور من الطراز نفسه في مدن الإقليم الأخرى، خاصة انها لم تخضع لأية دراسة علمية جادة، فعلى سبيل المثال إن ما كتبه رايت عن القبور الفردية في بطوليمايس ضمن كتاب كريلينج(Ptolemais, City Of Libyan Pentapolis) يتسم بالعمومية، ولا توجد فيه اية إشارة الى تاريخ ذلك الطراز في بطوليمايس، وكذلك الحال مع قبور ابوللونيا الفردية التى نشر عنها وايتWhite)) عند دراسته للأسوار وتحصنات ابوللونيا في استطلاعات جامعة ميتشجان عام 1966. والتي لم يهتم فيها بطقوس الدفن، ولا دراسة العظام ولكنه وصف القبور، وقُدمت دراسة مختصرة للقى التى وجدت داخل كل قبر.
ولذلك فإن اغلب الدراسات لهذا الطراز سواء على مستوى تاوخيرة نفسها ،ام مستوى مدن كيرينايكى الأخرى، تتسم بالسطحية، وقد أظهر هذا كله الحاجة الى قيام دراسة جديدة لهذا الطراز.
وقد أدت طبيعة المادة الأثرية (القبور) والمنهج الذي اتبعه الباحث في دراستها الى تقسيم الكتاب الى بابين رئيسين: الباب الأول يتعلق بدراسة القبور الفردية، ويختص الباب الثاني بدراسة الأثاث الجنائزي الذي وجد في تلك القبور،كما قسم كل باب الى ثلاثة فصول وهذا عرض مختصر لمحتوياتها:
الباب الأول:
الفصل الأول: مقدمة جغرافية وتاريخية عن تاوخيرة
يختص هذا الفصل بالناحية الجغرافية والتاريخية لمدينة تاوخيرة، ولذا فهو يُعد بمثابة الفصل التمهيدي، ولكنه في الوقت نفسه لاغنى عنه، لانه يعطى دراسة القبور بُعداً مكانياً وزمنياً، وقد تعرض فيه للموقع الجغرافي للمدينة، وللعوامل الطبيعية التى ساعدت على استيطانها، وقد تم التطرق لأهمية الكتبان الرملية المتحجرة، لأنها المكان الذي نحتت فيه القبور الفردية، وكذلك تناول الفصل تربة المدينة التى اسهمت في صناعة الفخار بتاوخيرة. كما تم التعرض ايضاً لتاريخ الاستيطان في هذه المدينة قبل مجيء الإغريق لكي يتم إثبات سكنى الليبيين للمنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ ،و ما بعدها ثم الاستيطان الإغريقي-الروماني، وخلال هذه الفترة تطرق للتسميات التى مرت بها المدينة ،ثم الفترات التاريخية التى تعاقبت عليها حتى القرن الأول الميلادي، وهى الفترة التى انتهت فيها القبور الفردية في المدينة، وختم هذا الفصل بدراسة علاقة المستوطنين الإغريق بالليبيين، والتطور العمرانى بتاوخيرة وأهم معالمها.
الفصل الثاني: دراسة القبور الفردية:
يتضمن هذا الفصل دراسة القبور الفردية في تاوخيرة، وبسبب تشعب الموضوع فقد قسم من الداخل الى توطئة وثمانية مباحث او محاور.
وقد تم التطرق في التوطئة لظهور القبور الفردية وانتشارها سواء في العالم القديم ام في إقليم كيرينايكى، وما هي الأسباب التى دعت الى ظهور وانتشار تلك القبور في تاوخيرة على وجه الخصوص مقارنة بمدن كيرينايكى الأخرى.
وتُعرض في المبحث الأول منها للكشف والعمل الأثري في القبور الفردية، وهذا يُعد مدخلاً لدراسة تلك القبور، لان تاريخ الكشف يشمل جميع الحفريات التى اجريت في القبور -والتي هي موضوع الدراسة هنا-، وقد تم إخضاع تلك الحفريات للنقد والتقييم لإبراز إيجابيتها وسلبياتها، كما تم التطرف الى طريقة العمل والحفر التى اجريت في حفريات 88-1990 باعتبارها الطريقة المثلى للحفر في القبور الفردية.
وفى المبحث الثاني تم التعرض لاختيار موقع القبور الفردية في تاوخيرة، وما هي الأسباب التى أدت الى ذلك الاختيار، وكذلك طريقة إعداد تلك القبور.
وفى المبحث الثالث تم التطرق لوصف القبور الفردية، حيث تُعرض لكل حفريات على حدة منذ حفريات دينس، حتى حفريات 88-1990، وكانت كل القبور توصف من حيث موقعها ووصفها العام الذي يشمل اتجاهها ونوعية القبور وأغطيتها وعددها وابعاد القبور، وطريقة الدفن ووضعية المدفون، وإيراد الملاحظات اللافتة للانتباه في كل قبر، ويتضمن الوصف أخيراً جدولاً بالأثاث الجنائزي، والأرقام التى يحملها كل عنصر في البيان (الكتالوج).
ويدرس المبحث الرابع طرز القبور الفردية في تاوخيرة، والتي توصل اليها بعد إبراز مميزات كل القبور ،وتُمكن من تحديد طرازين رئيسين ،قُسم كل منها الى عدة أنماط او أشكال، وكان كل طراز يُدرس بعد التعريف به، والتعرض لموقع قبوره وانتشارها في جبانات تاوخيرة، وكذلك اتجاه تلك القبور ،ووصف القبور من الخارج والداخل وحجم وابعاد قبور كل طراز، ثم تاريخ الطراز، ومقارنته بقبور أخرى سواء في الإقليم ام خارجه.
اما المبحث الخامس فدرست فيه بقايا العظام البشرية التى عُثر عليها في القبور، وقد تم التركيز على تحديد جنس وعمر الميت فيها، وعرض السلبيات التى أدت الى عدم دراسة تلك العظام دراسة علمية وافية.
وفى المبحث السادس تم التعرض لظاهرة إعادة استعمال القبور، حيث لوحظ ان الكثير من قبور تاوخيرة قد حدث فيها إعادة استعمال في فترة لاحقة، وقد تم التطرق لهذه الظاهرة، وللقبور التى وجدت فيها، وكيف تم الاستدلال عليها ،ومتى حدثت ،وما هي أسبابها.
وقد عُنوٌن المبحث السابع بعنوان مجتمع تاوخيرة من خلال قبوره الفردية، وتم التطرق فيه الى بعض النواحي الاجتماعية التى أُستنتجت من دراسة القبور، بدءاً بسكان تاوخيرة وتحديد الفئات او عناصر السكان التي كانت تدفن في تلك القبور، ومحاولة تحديد عدد السكان عن طريق القبور، كما تم التعرض لبعض النظم الاجتماعية المتعلقة بالأسرة والقرابة، والتمايز الطبقي والاقتصادي من خلال دراسة القبور.
وفى المبحث الأخير-اى الثامن- تم التعرض لتاريخ القبور الفردية، حيث نوقشت الطرق التى تؤرخ بها القبور بصفة عامة بالنقد والتحليل ،ووضع منهج جديد لتأريخ قبور تاوخيرة. ثم أُستعرض تاريخ قبور تاوخيرة الفردية، مُتناولاًكل حفريات على حدة اعتماداً على تاريخ اللقى التى وجدت فيها، والتي درست في الباب الثاني، كما اعيد تأريخ القبور التى نُشرت من قبل. وفى نهاية هذا المبحث تمت مناقشة النتائج التاريخية التى استنتجت من تاريخ القبور الفردية، حيث نتبع انتشار تلك القبور ونسب ظهورها عبر الفترات التاريخية التى مرت بها المدينة مع مقارنة ذلك بالوضع الاقتصادي لتاوخيرة.
وبعد دراسة القبور الفردية من عدة جوانب، كان من الضروري التطرق الى طقوس الدفن عند الإغريق، ومحاولة تطبيقها على قبور تاوخيرة، ومقارنة ما قدمته القبور الأخيرة من أدلة وقرائن في هذا الشأن. ولقد خصص لها هنا الفصل الثالث، الذي قُسم الى ثلاثة مباحث رئيسية، يتعلق الأول بنظرة الإغريق للموت والدفن والعالم السفلي، ويهتم الثاني بالطقوس والعادات الجنائزية، حيث تتبعت الإجراءات التى تُنفذ منذ حدوث الوفاة حتى الدفن ثم الطقوس التى تجرى بعد الدفن، وفى المبحث الثالث تم التعرض للأثاث الجنائزي ماهيته وسبب وضعه في القبور، وأنواعه بصورة عامة، والتركيز على الأثاث الذي وجد في قبور تاوخيرة من حيث أنواعه، مكان وضعه في القبور، وعدده، وعلاقته بالناحية الاقتصادية للميت، وتحديد جنس الميت بواسطته.
ولكي يسهل على القارئ الإلمام بجميع القبور، وكخلاصة نهائية لها فقد قدم الباحث جداول خاصة بوصف القبور والأمور المتعلقة بها خاصة تلك التي نوقشت باستفاضة في الفصلين الثاني والثالث من خلال مباحث متفرقة.
الباب الثاني:
يدرس هذا الباب الأثاث الجنائزي (اللقى) الذي عثر عليه في حفريات القبور الفردية، وهو في الوقت نفسه يرتبط بالباب الأول في كثير من الأمور التى طُرحت للمناقشة من خلال مباحث ذلك الباب، واعتمدت اساساً على الأثاث الجنائزي يُذكر منها تاريخ القبور ، وبعض طقوس الدفن ، وجدير بالذكر ان المبحث الخاص بالأثاث الجنائزي الذي تُعرض له في الفصل الثالث من الباب الأول يُعد توطئة لدراسة ذلك الأثاث، فهناك تم التطرق اليه من حيث أهميته في طقوس الدفن، وهنا سيدرس دراسة فنية من حيث أنواعه وطرز أوانيه و أدواته وتصنيفها ثم تأريخها.وقبل دراسة ذلك الأثاث، عملت توطئة للمنهج الذي اتبع في دراسته، والذي لاغنى عنه لكل قارئ لهذا الباب.
ويدرس الفصل الاول منه الفخار المزخرف والمصقول (الارقام 1-34) وقد قُسمت اوانى ذلك الفخار الى كؤوس الاعياد الباناثينية، وفخار الصور الحمراء ، ونماذج متنوعة ،ثم فخار الصقل الاسود. وقد دُرست كل مجموعة على حدة، حيث تعرض لكؤوس الاعيادالباناثينية (1-6) بإعطاء نبذة عن تلك الاعياد والالعاب التى تُمنح فيها تلك الكؤوس، وتمت مناقشة كيفية وصولها الى تاوخيرة، ثم دُرست الكؤوس دراسة فنية مقارنة تحليلية لكل عناصرها الزخرفية ثم تأريخها، وكذلك الحال مع فخار الصور الحمراء (7-12) ،الذى صنفت اوانيه وفقاً لأشكالها مثل قنينات الزيوت العطرية (Lekythoi)...الخ ،وقد تم التعرض لتسميات تلك الاوانى واستخدامها فى الحياة اليومية، ومن ثم استخدامها فى طقوس الدفن، وعند دراسة كل نوع من الاوانى فإنه يتم ابراز أهم زخارفها واصول هذه الزخارف، ومقارنة تلك الاواني بأمثلة شبيهة لها ظهرت فى مواقع اخرى ثم تأريخها وفقاً لطرازها. وتم تطبيق الاسلوب نفسه عند دراسة النماذج المتنوعة (3-17) مثل الاكواب الكورنثية، وكذلك فخار الصقل الاسود (18-34).
اما الفصل الثانى فقد خُصص لدراسة الاوانى التى صنعت من الفخار الخشن (الارقام 35-149). وقد قدم لهذه الدراسة بتوطئة توضح اهمية هذا النوع من الفخار بصورة عامة واهميته بالنسبة لتاوخيرة، وكيف تم تصنيف اوانيه المختلفة، وكذلك تصنيف غَضَار الفخار اى مكوناته وميزة كل غَضَار، وفقاً للدراسة المعملية التي قام بها الباحث، ثم تطرق لكيفية تأريخ الفخار الخشن.
وقد تم تقسيم اوانى هذا الفخار وفقاً لاشكالها حتى تسهل عملية دراستها مثل جرار النقل، وجرار الماء ...الخ، وقُسم كل نوع فى الغالب الى طرز طبقاً لاختلاف تطور أشكال أوانيه، وقد أتبع فى دراستها نفس المنهج الذى اتبع فى دراسة اوانى الفخار المزخرف والمصقول، وفى الختام تم التعرض لصناعة الفخار الخشن فى تاوخيرة منذ القرن الخامس ق.م حتى القرن الاول الميلادى.
ويتعرض الفصل الثالث لدراسة اللقى الاخرى (150-228) التى يُقصد بها المصابيح، والطين المشوى، واللقى الرخامية والزجاجية والمعدنية، وقد دُرس كل صنف على حدة، فالمصابيح (150-174) قسمت الى مجموعتين مستوردة ومحلية، ثم صنفت الى عدة طرز وفقاً لشكلها ومصدر صناعتها، والتطور العام لاشكال المصابيح الاغريقية وإبراز مميزات كل طراز، ومقارنة تلك المصابيح بأمثلة مشابهة لكي يتسنى تأريخها، وفى الختام قدمت خلاصة عن تلك المصابيح ونسبة المستورد منها الى المُنتج محلياً، وبماذا تأثرت تلك التى صنعت محلياً.
وتم تطبيق المنهج نفسه عند دراسة منتجات الطين المشوى (175-211) من تُيمثيلات وادوات زينة، وقد تم التركيز على اسلوب التاناجرة، لان اغلب التُميثيلات ترجع الىذلك الاسلوب.
وقد دُرست اللقى الرخامية، والزجاجية (212-215) ،واللقى المعدنية (216-228) بالطريقة نفسها، وتم التركيز على وظيفة تلك اللقى فى الحياة اليومية ،ومن ثم علاقة ذلك بعادات وطقوس الدفن.
وقد ذُييل الكتاب بخاتمة استعرض فيها الباحث اهم النتائج التى توصل اليها من خلال دراسته للقبور الفردية.
ولقد إضيفت الىالبحث عدة ملاحق-كوسيلة ايضاح -وضِعت فى مجلدٍ خاص بها(المجلد الثاني)، لكي لاتكون عبئاً على البحث. أول هذه الملاحق، ملحق عبارة عن قائمة بالاثاث الجنائزى (اللقى) الذى تمت دراستها، وهو يُبين ماهية اللقية،ورقمها فى البيان، ومصدرها، وكذلك مكانها الحالى، ورقمها فى سجلات المخازن او المتاحف الاثرية.
ويمثل الملحق الثانى البيان (الكتالوج)، وفيه يُتعرض بالوصف الشامل والدقيق لكل لقية من حيث ابعادها، ومصدرها، ووصف لها ،ومعلومات ضافية اخرى لم يكن بالمقدور وضعها فى متن البحث عند دراسة اللقى، وهذا يعنى ان البيان مُكملَ للباب الثانى من البحث، فإذا رغِب القارئ لذلك الباب في معرفة معلومات اخرى عن اية لقية فما عليه الا الرجوع الى البيان.
وقد خصص الملحق الثالث لجداول مفصلة عن مكونات غَضَار العينات الفخارية التى تم تحليلها بواسطة التحليل البيترولوجى، وكذلك هناك جدول يمثل احصائية لمعدل ونسب ابعاد قارورات الروائح المغزلية الشكل.
وفى الملحق الرابع هناك قائمة بارقام واسماء المدن التى تَردُ فى الخرائط التوزيعية.
ويعرض الملحق الخامس للخرائط والرسوم والاشكال التوضيحية الخاصة بالقبور، التي كان بعضها من إعداد الباحث نفسه، والبعض الاخر من إعداد المرحوم د.فاروق شعبان، كما ساهمت زوجة الباحث منى بالخير فى تحبير اغلب تلك الاشكال وإخراجها فى صورتها النهائية.
اما الملحق السادس، فقد وضعت فيه الرسوم البيانية التى جهزت وفقاً لنظام Excel 5، وهى خاصة بنسب القبور وانواع الاثاث الجنائزى.
وفى الملحق الاخير- السابع- عُرضت لوحات واشكال القبور واثاثها الجنائزى.
وقد ادى اتساع موضوع البحث وتشعب المحاور التى يُناقشها الى وجوب الاستعانة بعددٍ كبير من المصادر والمراجع، وقد كان ديدن الباحث الرجوع الى المراجع الاساسية، والبحث عن اخر ماكتب فى الموضوعات التى تمت دراستها.
أما المصادر فهي التى يُقصد بها المصادر الكلاسيكية، وماكتبه الكتاب الاغريق والرومان، وقد استفاد منها الباحث عند مناقشته تحديد موقع تاوخيرة وتاريخها، ويخص بالذكر كتابات هيرودتس ،وتوكيديديس، وبنداروس، وسكيلاكس، وبلوتارخوس، واسترابون، ويوسفوس، وبلينوس، وبطليموس، واثينايوس وديودوروس الصقلي، وبوليبيوس، وكوينثوس كيريتوس، وسينسيوس ،واستيفانوس البيزنطي، وكذلك عند تطرقه لعادات وطقوس الدفن عند الإغريق، إضافة الى الإشارات التى وردت عند كُتاب التراجيديا والكوميديا أمثال إسخيلوس، ويوربيدس واريستوفانيس، والشاعر كاليماخوس، والكاتب اللاتيني ابوليوس، وهناك ايضاً ماورد فى كتابات هوميروس ،وافلاطون، وديموستينيس ،وديوجين لايرثيوس ،ولوكيان ،وفرجيل ،وشيشرون. كما استُفيدَ من المصادر الكلاسيكية فى معرفة استخدام بعض الاوانى فى الحياة اليومية ،وفى طقوس الدفن.
ولقد تم الرجوع الى اغلب تلك المصادر فى لُغتها الاصلية، ولكن هذا لايعنى عدم الاستفادة من ترجـمات تلك الاعمال، التى قَدمت معظمها سلسلة لويب (Loeb Classical Library)، خاصة عند صعوبة فهم بعض النصوص.
اما المراجع فقليل منها باللغة العربية، والغالبية بلغات اجنبية، حيث تم الاستعانة بالمراجع العربية التى تتحدث عن تاريخ وجغرافية كيرينايكى، وببعض الكتب المترجمة التي تتحدث عن ديانة الاغريق وطقوس الدفن عندهم.
اما المراجع الاجنبية فقد تعددت لغاتها من الانجليزية الى الفرنسية ،والايطالية ،والالمانية ،والاسبانية، والروسية، واليونانية، والبلغارية، ويمكن تقسيمها الى كتب ودوريات، وقد استفيد منها فى فصول الكتاب(البحث) كافة، وذلك لان معظم الاثار الكلاسيكية قد كتبت بلغات اجنبية، حتى تاريخ الاقليم وتاوخيرة على وجه الخصوص تم الرجوع الى بحوث ونتائج حفريات الاستاذ ماكبرنى، والاستاذ بوردمان وجون هايز، والاستاذ كريلينبج والاستاذ لاروند...وغيرهم.
كما استُفيد من نشر نتائج الحفريات الاثرية فى بقاع مختلفة من العالم الاغريقى، التي من أهمها :حفريات الاجورا الاثينية، وحفريات جبانة كيراميكوس باثينا، وحفريات رودس وكورنث، وديلوس، واولينثوس، وأسين وقبرص، وكامارينا، وابوللونيا (البحر الاسود)، وحفريات حرم ديميتر وبيرسفونى فى تاوخيرة وكيرينى، وحفريات روو فى توابيت كيرينى، وحفريات ابوللونيا (كيرينايكى)، وحفريات سيدى خريبيش وحفريات معهد الدراسات بشيكاغو فى بطوليمايس...وغيرها.
وتم الاستفادة كثيراً من نشر بيانات (كتالوجات) المتاحف العالمية، مثل المتحف البريطانى بإصداراته المتُعددة عن المصابيح والطين المشوى وغيرها، وكذلك بيان متحف اللوفر خاصة إصدارات السيدة بيسك((Besque عن الطين المشوى وبيانات المتحف الملكي باونتاريو في كندا، حيث الدراسات القيمة التى وضعها الاستاذ جون هايز حول المصابيح والفخار المزخرف والمصقول والفخار الرومانى في ذلك المتحف ،وغيرها من بيانات المتاحف الاخرى التى لايمكن حصرها فى هذه المقدمة.
ومن الجدير بالذكر فى هذا المقام الاستفادة من بيانات مجموعة الاوانى القديمة التى تعرف باسم Corpus Vasorum Anitiquorum )) ،التى تهتم بنشر الاوانى الفخارية الموجودة فى المتاحف، والتى وصلت مجلداتها حتى الان الى مئتين وخمسون مجلداً من اربعة وعشرون بلداً. وقد استفيد من تلك البيانات والمراجع عند مقارنة ودراسة الاثاث الجنائزى فى الباب الثانى، وكذلك فى معرفة طقوس الدفن فى حفريات القبور.
وقد استفاد الباحث كثيراً من كتاب الاستاذة دونا كيرتز( D. Kurtz) والاستاذ بوردمان، عن عادات الدفن الاغريقية ((Greek Burial Customs، وكذلك من كتاب الاستاذ جارلاند ((Garland، طريق الاغريق للموت Greek Way Of Death))، وذلك عند التعرض لطقوس االدفن عند الاغريق.
وفى النقوش استفاد الباحث كثيراً من اعداد ملحق النقوش الاغريقية Supplementum Epigraphicum Graecum)) ،ومن كتاب ديتينبرجر (Dittenberger) المعروف باسم (Syllog Inscriptionum Graecarum) ،ومن كتابات اولفيريو، ورينولدز، وكارتيلى، ودوبياس لالو، وماسون وغيرهم .
أما الدوريات فقد تم الرجوع الى حوالى خمسين دورية اجنبية تهتم بالدراسات الكلاسيكية، تفاوتت لغتها واعدادها،ولعل من اهمها حولية المدرسة الامريكية باثينا المعروفة باسم هسبيريا (Hesperia) وملاحقها المتُعددة، وكذلك حولية المدرسة الفرنسية باثينا، المختصرة بالاحرف (BCH )، باعدادها وملاحقها المختلفة، وكذلك دورية المدرسة البريطانية( BSA )، والايطالية (As Aten )، والالمانية (AM) باثينا، وايضاً دورية معهد الاثار الامريكى (AJA)، ومجلة جمعية الدراسات الهللينية (JHS) ،وجمعية الدراسات الرومانية (JRS)، ودورية المدرسة البريطانية فى روما (PBSR)....وغيرها، هذا على مستوى الدراسات الكلاسيكية العالمية، وأما الدوريات التى تهتم باثار ليبيا فيجدر ذكر، حولية مصلحة الاثار التى تعرف باسم ليبيا القديمة (LA)، ومجلة جمعية الدراسات الليبية بلندن (LS)، ومجلة افريقيا الايطالية (Afr Ita) ومجلة كراسات اثرية ليبية (QAL).
وقد استُفيد من تلك الدوريات ايما استفادة، لانها كانت تهتم بنشر نتائج الحفريات التى تجرى فى مواقع عديدة من العالم الاغريقيى، ونشر دراسات على اللقى المتنوعة التى تظهر فيها، والتى كانت ضرورية لإجراء المقارنات مع اللقى التى ظهرت فى قبور تاوخيرة والتوصل الى طرازها ومن ثم تاريخها.
وتطلب الحصول على تلك المراجع البحث المُضنى بين ارفف المكتبة المركزيةبجامعة قاريونس، ومكتبة مراقبة اثار شحات ،وقد وجد الباحث ضالته فى قسم الدوريات بالمكتبة المركزية، فقد حصل منه على الكثير من الدوريات، الا ان افتقار المكتبات المحلية الى الكثير من المراجع الحديثة، استلزم من الباحث التنقل بين مكتبة دائرة الاثار السورية بدمشق، ومكتبة الجامعة الامريكية بالقاهرة ،ومكتبة المعهد الاثرى الفرنسى بالقاهرة، ومكتبة متحف الاسكندرية، واخيراً مكتبات المدارس الاثرية بأثينا خاصة مكتبة المدرسة البريطانية، والامريكية، والفرنسية، والايطالية، والمكتبات الاخيرة جعلته يطلع على اخر ما كتب فى مجال الدراسات الكلاسيكية، وما يخص رسالته على وجه التحديد. فالباحث إذن لايشكو من قلة المراجع او عدم توفرها، بل من المعاناة الشديدة من وراء تجميعها من اماكن متفرقة.
وفى خاتمة هذه المقدمة يود الباحث التطرق الى بعض الصعوبات التى واجهته عند اعداد هذا البحث . منها مانتج عن طبيعة موضوع البحث نفسه، فالمحوران المختلفان دراسة القبور، ودراسة الاثاث الجنائزى اللذان يعالجهما البحث، وتشعب كل محور وتنوع اللقى ودراسة كل نوع على حدة ،كما ان كل محور يمكن ان يكون رسالة او كتاب فى حد ذاته، وقد ادى الجمع بينهما ومناقشتهما بنفس المستوى، ان يبذل الباحث الكثير من الجهد والوقت والمعاناة.
كما شكل نقص المختبرات الاثرية عائقاً أمام الباحث، فهناك العديد من العينات ارسلت الى خارج الجماهيرية لكى يتم تحليلها ،وحتى ان توفرت بعض التقنيات فى المراكز البحثية هنا، الا ان انعدام الخبرة فى التعامل مع العينات الاثرية، كان من شأنها ان تؤخر نتائج بعض التحاليل التى اجريت فى الجماهيرية، فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من توفر تقنية التحليل البيتروغرافى وعمل القطاعات الرقيقة التى تحتاجها دراسة الفخار الخشن فى المختبر الجيولوجى بشركة الخليج العربى لم يكن من السهل تنفيذها الا بعد عدة محاولات وتوجيهات من الباحث لان المختصين هناك يتعاملون مع مثل هذه العينات لاول مرة.كما ان الكثير من العينات الفخارية كانت فى حاجة للتحليل بواسطة حيود الاشعة السينية (X. Ray Diffraction ) ،وإشعاع النيترون. والتى لم تتوفر للباحث على الرغم من وجودها فى بعض المراكز البحثية.
كما ان مشكلة التعريب وايجاد المصطلح المناسب فى اللغة العربية، شكلت عائقاً، فهناك الكثير من المصطلحات الشائعة فى الدراسات الكلاسيكية، كان من الصعب العثور على مرادفات لها فى اللغة العربية، لكي تكون مقبولة لدى الجميع، وقد تطلب من الباحث جهداً كبيراً لايجاد المصطلحات المناسبة خاصة مايتعلق بتسميات الاوانى الفخارية...وغيرها، وقد استند الباحث فى كثير من الاحيان الى المصطلحات العلمية التى اقرها مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
ومن الجدير بالذكر ان البحث (الكتاب) كتب بصيغة المبنى للمجهول، كما ان تسميات المدن خاصة فى الاقليم قد وردت وفقاً للنطق الاغريقى لها مثل كيرينايكى بدلاً من قورينائية وكيرينى عوضاً عن قورينى.
أما كتابة الكلمات الاجنبية بالعربية فقد كتبت وفقاً لنطقها ويلاحظ ان حرف "G" يساوى هنا حرف "ج" وينطق مثل الجيم فى اللهجة المصرية مثل كلمة اجورا (Agora).
وعلى الرغم من كل هذا فان الباحث يكفيه جزاء على ما قدم أن وجه الاهتمام نحو هذا النوع من الدراسات، التى قد تكون المكتبة العربية فى حاجة شديدة اليها . قال تعالى{ فَأمَا الزبَدُ فَيَذٌهَبُ جُفَاءً وَأماَ مَاَ يَنفعُ النَاسَ فَيَمٌكُثُ ِفي الأرٌضِ } الرعد ألأية 17 .
وفي الختام يجدر التنويه ان هذا الكتاب كان في الاصل رسالة علمية قدمها الباحث لنيل درجة التخصص العالي (الماجستير) في الاثار الكلاسيكية لقسم الاثار بجامعة قاريونس ، وقد نوقشت في 3/4/1997 ف ، وهذا مدعاة للاشارة ان المراجع المستخدمة اغلبها يرجع الى ما قبل عام 1997 ، ولم يضف الباحث الا القليل من المراجع صدرت بعد مناقشته للرسالة .
[1] -يراجع عن تطور أساليب دراسة آثار الدفن وأهمية هذا العلم: R. Chopman &K.Randsborg, in The Archaeology of Death, R.Chapman etal (eds.) PP. 1-24
بآرك الله فيك و عليك
ردحذفمعلومآت قيمه لكل من يهمه موضوع الآثارٍ و التاريخ الليبي .. لكن اريد أن اسأل من اين اتحصل على الكتآب
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفانا اريد هدا الكتاب من اجل اعداد مدكرة تخرج كيف اشتري هدا الكتاب انا من الجزائر
ردحذفانا اريد هدا الكتاب من اجل اعداد مدكرة تخرج كيف اشتري هدا الكتاب انا من الجزائر
ردحذفهذا الكتاب حاليا غير متوفر للبيع لأن غالبية الكمية المطبوعة تم بيعها وبعضها مخزنة في أماكن لايمكن الوصول إليها بسبب الحرب في بنغازي
ردحذفهذا الكتاب حاليا غير متوفر للبيع لأن غالبية الكمية المطبوعة تم بيعها وبعضها مخزنة في أماكن لايمكن الوصول إليها بسبب الحرب في بنغازي
ردحذف