نشرت المقالة في العدد 6 من صحيفة افاق اثرية الصادر في يناير 2012
حول مقبرة المنيخرات الأثرية قرب المرج
أ.
خالد محمد الهدار
نحتت هذه
المقبرة على الجانب الأيسر من وادي تبسيلو الذي يقع إلى الجنوب من المرج القديم بمسافة تقدر بـ 5 كيلومتر ، وقد عرفت باسم
المنيخرات ، وبسبب موقعها في مكان مرتفع من الجانب الصخري من الوادي فيمكن رؤيتها
من مسافة بعيدة ، كما انه يصعب الوصول إليها إلا عن طريق التسلق وهذا غريب إلا إذا
كانت الأرض التي تتقدمها على شكل منحدر متكون من الطين والردميات ومن ثم يرقى
بواسطته إلى المقبرة، وإذا حدث هذا فان هذا المنحدر قد أزلته عوامل التعرية عبر
الزمن، ويبدو أن مستوى أرضية الوادي عند المقبرة لم يكن هكذا قديما و أدى انجراف
الطين أمام المقبرة إلى صعوبة الوصول إليها . ومن المؤكد إن هذه المقبرة كانت معروفة
لدى السكان المحليين إلا إن أول من نشر عنها معلومات متمثلة في صورة لها كان الأمريكي
ريتشارد نورتون الذي نقب في كيريني (شحات)
ما بين 1910-1911، كما إن الايطالي فيدريكو البهر (Halbherr) قام بزيارتها في 31/7/ 1910 ضمن
جولته الأثرية في الإقليم، وقدم وصف مختصر لها ، وفي عام 1950 قام ايروين جودينوغ
بزيارتها ونسبها خطأ إلى اليهود أو أنها مقبرة يهودية أثناء مسحه لآثار اليهود في
الإقليم، أما ابرز من اهتم بها في عصرنا هذا الايطالية ماريا جراتسيا بياريني (Pierini) التي نشرت عنها دراسة مفصلة عام
1971 في العدد السادس من مجلة (Quaderni Archeologia della Libia) التي اعتمد عليها هنا فيما يخص
مقاسات المقبرة ووصفها، إضافة إلى ملاحظات ستوكي وجيمس ثورن عنها.
والمقبرة من طراز المقابر ذات الواجهات المعمارية
المنحوتة في الصخر، وهي تواجه الناحية الشمالية وتتكون واجهتها من طابقين بارتفاع
5.32 مترا وتمتد بعرض 29.6 مترا ، وتتقدم هذه الواجهة مساحة منحوتة في الصخر بعمق
2.80 مترا ، ويرتفع الطابق الأول من الواجهة مسافة 2.81 مترا ويتكون من عمودين من
الطراز الدوري يقعان على جانبي مدخل المقبرة ، يرتفع كل عمود على كتلة حجرية غير
منتظمة ارتفاعها عند العمود الأيسر 165 سم وعرض 50 سم، وارتفاع الأخرى عند العمود الأيمن
150سم وعرض 65 سم ،أما قطر بدن العمود فهو 84 سم من الأسفل ويتضاءل كلما ارتفع إلى
الأعلى حتى يصل إلى 60 سم عند القمة، يعلوه تاج من الطراز الدوري المبكر الذي يتكون
من اخينوس بارتفاع 22 سم و اباكوس بعرض 90 سم وارتفاع 18 سم ،وتمتد أعلى العمودين
كتلة معمارية بارتفاع 72 سم تمثل ساكف (ارشيتريف) ، يعلوه كورنيش بسيط بارتفاع 30
سم ، وبهذا يتم الوصول إلى الطابق العلوي الذي يبلغ ارتفاعه 2.22 مترا ويتكون من
ثلاث دعامات بارتفاع 1.83 مترا ، تقوم على قواعد مربعة 17 ×17 سم، وتنتهي من الأعلى
بتيجان من الطراز الايولي بارتفاع 25 سم،تحمل هذه الدعامات ساكف بارتفاع 30 سم .
هذا من حيث وصف الواجهة المعمارية ، أما وصف المقبرة من
الداخل فبعد العبور من المدخل الواقع بين العمودين الدوريين يصادف الزائر بهو او
اتريوم غير منتظم الأضلاع يبلغ امتداد
الجانب الملاصق للعمودين مسافة 5.85 مترا ، والجانب المقابل يمتد مسافة 5.20 مترا
، ويبلغ امتداد الجانب الأيسر مسافة 3.25 مترا وامتداد الجانب الأيمن 2.50 مترا، احتوت جوانب هذه الحجرة على سبع
مصاطب أو أرائك غير مرتفعة مزودة بما يشبه الوسائد الحجرية تمتد بمحاذاة الجدران باتجاه عقارب الساعة حيث
توجد ثلاث أرائك عند الجدار المواجه للمدخل أبعادها : الوسطى 150 ×75 سم و اليمنى 152 ×75 سم واليسرى 160×85 سم، وعند
الجدار الشمالي والجنوبي تمتد أريكة أو مصطبة واحدة أبعاد الأولى 235×85 سم ، وأبعاد
الأخرى 185×80 سم، أما عند الجانب الملاصق للمدخل فتوجد مصطبة أو أريكة على يمين
الداخل وأخرى على يساره أبعاد الأخيرة 160×87 سم وأبعاد الأولى 238×70 سم. ومن
خلال تجهيزات هذه الحجرة بالمصاطب أو الأرائك الحجرية من المؤكد إنها لم تستخدم
للدفن ، ومن خلال وضعية المصاطب وإحجامها يبدو إنها كانت تستخدم حجرة أكل التي تعرف اصطلاحا (Triclinium) ، ووظيفتها هنا ممارسة الطقوس الجنائزية الخاصة بالوليمة الجنائزية (Peridhpnon) التي تؤكل في بعض المناسبات أثناء
الدفن أو عند زيارة المقبرة من حين إلى آخر، وتتسع هذه الحجرة لسبعة أشخاص بحيث كل
شخص يتمدد على احد الأرائك السبع رأسه على الوسادة ويمد رجليه اتجاه رأس الشخص
المجاور له في حركة باتجاه عقارب الساعة هذا ما أوحى به ترتيب وضعية الوسائد.
ويصور الفن الاتروسكي والاغريقي والروماني الكثير من النماذج التي توضح الموائد في
الحياة اليومية والوليمة الجنائزية التي يظهر فيها أشخاص نساء ورجال وهم مستلقون
على الأرائك ويتناولون الأكل.
هناك مدخل في الجدار الجنوبي للبهو يواجه مدخل المقبرة
بعرض 120 سم وارتفاع 160 سم يمكن الدخول منه إلى حجرة الدفن التي هي أيضا غير
منتظمة الشكل أبعادها 3.65 مترا في الناحية الجنوبية و 5.20 مترا في الناحية
الشمالية و 2.80 مترا في الناحية الشرقية و 3.00 مترا في الناحية الغربية. يلاحظ
وجود كوة كبيرة في الجدار الغربي ارتفاعها عن الأرضية 54 سم وبعرض 190 سم وبارتفاع
146 سم وبعمق 120 سم وهذه الكوة بمثابة التابوت المخصص للدفن، أما بقية الحجرة فلا
توجد بها أية تفاصيل معمارية، وربما استخدمت لوضع أشياء أو قرابين تكريما للميت أو
المدفون. وفي الطابق العلوي توجد حجرة بعمق 2.96 مترا لا يوجد بجدرانها أية كوات او فجوات ومن ثم فهي لم
تستخدم حجرة دفن بل إنها عنصر مكمل للواجهة المعمارية وبهذا تعرف اصطلاحا باسم (loggia) وليس لها استخدم يتعلق بالدفن او طقوسه. بعض
جدران الحجرة في حالة سيئة بسبب المياه التي تتسرب إلى مدخل المقبرة من الناحية
الجنوبية والشرقية.
لم يعثر على أية نقوش يمكن أن تساعد في تاريخ المقبرة
ومن مالكها أو من المدفون فيها ، ويبدو انه كان لشخصية مهمة من سكان برقة أو
ضواحيها ، وقد أشار البهر عند زيارته
للمقبرة إنها قد تنسب إلى احد ملوك برقة وهذا من الصعب التحقق منه. ومن حيث طراز
المقبرة فهو من طراز المقابر المنحوتة في الصخر ذات الواجهات المعمارية وتسمى ايضا مقابر الحجرة ذات الرواق ، ويمكن
مقارنة طراز هذه المقبرة بنماذج مشابهة لها من حيث الطراز في الجبانة الشمالية في
الطريق من شحات إلى سوسة تؤرخ بالقرن السادس قبل الميلاد ، لكنها تتميز عنها بأنها
ذات طابقين ، ونظرا لأنه لم يعثر داخل المقبرة على أية لقى أو مقتنيات تساعد في
تأريخها فيمكن الاعتماد على الطراز المعماري لها لاسيما أعمدتها ذات التيجان الدورية
والايولية التي يمكن مقارنتها بمثيلات لها في الجبانة الشمالية في شحات وأكثر
تحديدا المقابر ذوات الارقام من 2 إلى 5 (N.2-5)
التي احتوت واجهاتها على أعمدة ذات تيجان ايولية (Aeolic) ، ومن ثم يمكن تأريخ هذه المقبرة
بمنتصف القرن السادس قبل الميلاد أو ما بين 550 – 490 ق.م .
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفشكرا دكتور مجهود ووصف جميل لمن يريد التعرف و القرءاة
ردحذف