الصفحات

الاثنين، 10 فبراير 2014

ما بعد الحفريات الأثرية



 نشرت المقالة في العدد  9 من صحيفة افاق اثرية الصادر في مايو2012

ما بعد الحفريات الأثرية....

تُعد الحفريات الأثرية جزءاً مهماً من علم الآثار فعن طريقها يتم الكشف عن الآثار وإظهارها للعيان بعد أن كانت مختفية تحت سطح الأرض، وهذا يتطلب عملية جد معقدة بقواعد علمية تطورت بتطور الحفريات عبر الزمن وبجهود بشرية متخصصة وغير متخصصة وبتمويل مالي كبير، وجرت العادة أن يبدأ التنقيب عن الآثار بأعمال المسح الأثري ثم الأعمال المساحية المتنوعة ورسم الخرائط للموقع وتقسيمه إلى مربعات أو مستطيلات وعمل الإحداثيات المناسبة للموقع التي تساعد في أعمال التوثيق ، ولقد سهلّت التقنية الحديثة بما وفرته من أجهزة وبرامج يسّرت تلك الأعمال المسحية والمساحية، وبعدها يأتي دور تحديد أماكن الحفر التي تختار وفقا لمعطيات معينة أهمها الشواهد الأثرية التي قد تكون بارزة فوق سطح الأرض أو تجمع مجموعة من الفخار أو اللقى مما يدفع المنقب لاختيار موقع بعينه ، وبعد تحديد آماكن الحفر ، تبدأ عملية الحفر المعتمدة على القوى البشرية وعلى المعول والمسطارين والجاروف مع المراقبة من قبل الأثريين لما تكشف عنه أعمال الحفر والكشط وإزالة الردميات وتسجيلهم للملاحظات من تغير للون التربة وظهور الأساسات وغيرها من الظواهر مع الحرص على تسجيل المحتويات والطبقات الأثرية ووضع أرقام لها وتجميع ما يعثر عليه من لقى مع تسجيل لمواقعها والحرص على جمعها والمحافظة عليها حتى تعالج في مكان معالجة اللقى الأثرية،وهكذا تستمر الحفريات وتتطور وقد تستغرق عدة سنوات بحيث انه عند نهاية كل موسم يكون رئيس الحفريات قد سجل جميع الملاحظات عن الحفريات بالتعاون مع مشرفي الحفريات ومعالج اللقى وبعض المتخصصين في بعض أنواع اللقى من حيث تقديم تاريخ لبعض اللقى تساعده في وضع تسلسل لطبقاته أو تاريخ المحتويات، وتمكنه من كتابة تقريره المبدئي ثم تقريره النهائي الذي يعد بمثابة نشر كامل لنتائج الحفريات.
من المؤكد إن التنقيب عن الآثار ليس غاية في حد ذاته حيث يسعى الأثريون للكشف عن المادة الأثرية بغية إعادة تركيب جزء من حياة الإنسان وحضارته القديمة بجوانبها المختلفة ومن ثم تصبح جزء من السجل التاريخي للإنسانية الذي يحاول الأثري أن يسده بما يكشف عنه ، ويسده المؤرخ بما يتحصل عليه من وثائق. و تحتاج المادة التي يكشف عنها الأثري إلى الكثير من المعالجات حتى يتم المحافظة عليها فهي دليلا على حدث تاريخي، كما إنها وثيقة تاريخية يجب أن تحفظ جيدا حتى تكون متيسرة للباحثين ، كما ينبغي أن تعرض على الجمهور في الموقع أو في المتحف لتعكس لمشاهديها أهميتها التاريخية والحضارية وتعبر عن ذلك الإنسان الذي أنتج تلك المادة ليستعملها في حياته. كما يتوجب على المنقبين دراسة المادة الأثرية التي يكشفون عنها أو يعثرون عليها حتى تكون متاحة للباحثين وتسهم في تطوير المعرفة الأثرية والتاريخية في المنطقة التي نقبوا بها .
 وباختصار شديد فإن مرحلة التنقيب والكشف عن المادة الأثرية ما هي إلا مرحلة أولى من مراحل منهجية علم الآثار فيجب أن تتبعها مرحلة ما بعد الحفريات التي يمكن تلخيصها في تصنيف المادة الأثرية لتسهل دراستها ، ترميم وصيانة وحماية ما يكشف عنه، ودراسة المادة الأثرية ونشر النتائج ، وجعل المادة الأثرية متيسرة للعرض سواء بنقلها لتعرض في متحف أو إبقائها في مكانها في موقع الأثرية وفقا لطبيعة المادة الأثرية ثابتة أو منقولة.
وعندما ننظر إلى الحفريات التي تجرى في ليبيا ، ونحن هنا لسنا في محل تقويم تلك الحفريات إلا انه هناك كلمة ينبغي أن تقال في هذا الشأن، حيث يلاحظ أن جُل المنقبين ينصب اهتمامهم ـ غالباً ـ على المعلومات التي يجمعونها من خلال حفرياتهم ومن ثم النتائج التي يتوصلون إليها دون إلتفات الكثير منهم إلى ترميم ما كشفوا عنه من بقايا أثرية التي بعد توثيقها جيدا يقومون بردمها أو تغطيتها، وقد تتم هذه العملية بشكل مستعجل أو غير مكين مما يعرضها بعد سنوات بسبب عوامل التعرية إلى ظهور المعالم الأثرية من جديد ومن ثم تصبح عرضة للخطر والتلف، وبدلا من هذا يفضل أن يقوموا بترميم ما يكشفون عنه حتى يصبح متاحا للزيارة ومن ثم يستفاد منه في التعريف بالموقع الأثري والإقبال على زيارته، وحمايته من قبل السكان، ولعل ما دفع إلى هذا الحديث هو تعرض جزء من منطقة يوسبريديس (بنغازي الإغريقية) خلال شهر ابريل إلى محاولة تقسيم الموقع الأثري واستغلاله بواسطة بعض السكان ، هذا الموقع الذي أجريت به حفريات في الخمسينيات وفي نهاية الستينيات كذلك في نهاية التسعينيات وبعدها ، وقد كشف في هذا الموقع على الكثير من أساسات الجدران و فسيفساء ومكان لصباغة الصوف،ولان هذه المعالم تمت تغطيتها منذ سنوات عدة حتى أصبح الموقع التي توجد به تلك المعالم الأثرية مجرد ارض فضاء لا يبرز شيء من آثاره مما دفع السكان لمحاولة الاعتداء عليها، ومن يمر بالموقع لا يشعر إن هذه منطقة أثرية، حيث لا سياج، لا لوحات توضيحية، لا آثار بارزة، وهذا يدعو إلى الاهتمام بترميم ما يكشف عنه وعدم تغطيته إلا للضرورة القصوى، إضافة إلى حماية الموقع الأثري بالسياج وبالحراسة البشرية والمراقبة الالكترونية حتى يُحافظ عليه ، كما إن إشهار الموقع باللوحات التوضيحية يعد ضرورة لأن هذا يعد نوعا من الحماية له. وعلى مصلحة الآثار أن تضع شرط الترميم وحماية ما يكشف عنه ضمن شروط التعاقد مع البعثات المنقبة عن الآثار. كما انه من الضروري أن يتبع الحفريات نشر أولي ثم نشر نهائي للنتائج التي تم التوصل إليها ، حيث لوحظ إن الكثير من الحفريات في ليبيا لم تنشر نتائجها بشكل نهائي واغلب ما نشر عنها تمثل في تقارير أولية.
وهذه الكلمة ما هي إلا دعوة لمصلحة الآثار لتهتم بمرحلة ما بعد الحفريات وتكون جزءاً من قانون الآثار ولتصبح جزءاً من عقود بعثات التنقيب ويشدد على هذه الأمور فيها، لأنه ليس المهم الكشف عن المادة الأثرية بقدر أهمية حماية هذه المادة بعد اكتشافها والتي ستكون بتطبيق مرحلة ما بعد الحفريات.      


هناك 3 تعليقات:

  1. بارك الله فيك دكتور خالد على هذا الحرص والنبل والغيرة على الموروث التاريخي لليبيا

    ردحذف
  2. مرحبا ماهي الإجراءات التي يقوم بها رئيس هيئة الآثار بعد التنقيب

    ردحذف
  3. دكتور خالد استاذى الغالى المحترم مقاله رائعه استفدنا منها كالعاده ربي يعطيك الصحة وطولة العمر لازالنا نتعلم ونتعلم منك الكثير صاحب الفضل دائما

    ردحذف