نشرت المقالة في العدد 12 من صحيفة افاق اثرية الصادر في ديسمبر 2012
http://www.afaqatherya.com
مشروع توثيق الموروث الثقافي
تركز الدول من
خلال هيئاتها المسؤولة عن الموروث الثقافي من آثار وتراث على حماية هذا الارث او
الموروث بشقيه المادي المتمثل في المخلفات الاثرية او المعنوي الذي يتناقله الرواة
من شعر وأمثال وحكم، وتتمثل هذه الحماية في المحافظة عليه لاسيما المادي وصيانته وإيداعه
مخازن لتخزينه بأحدث الطرق او بعرضه في متاحف تطبق القواعد العلمية للعرض
والحماية، وهذا وحده غير كاف لان المخازن او المتاحف عرضة للسطو والاعتداء عليها
وتحريك المقتنيات من مكان كان معلوما الى آخر اصبح مجهولا ، وهنا يأتي دور الاجهزة
الامنية للبحث والتقصي محليا ودوليا عن طريق المنظمات الدولية مثل الانتربول، لكن
هذا الامر يتطلب انه عندما تبحث عن شيء يجب ان تكون بحوزتك صورة له ومواصفات كاملة
، وفي انعدام الصورة يصبح الامر مجرد خيال وفي حكم المستحيل، وهذا واجهنا عندما
سرق ما يعرف باسم كنز بنغازي وهي الوديعة التي كانت في المصرف التجاري الوطني
ونهبت خلال الانفلات الامني في مدينة بنغازي إبان ثورة 17 فبراير المجيدة عام 2011،
ووصل المنهوب منها الى حوالي 8000 قطعة، والتي للأسف جلها لم يكن موثقاً، وكان
اغلبها يمثل وديعة كانت في حوزة ادارة الاثار في سيرينايكا (اقليم برقة) التي كان
يرأسها ج. بيشي فعند اندلاع الحرب العالمية الثانية نقلها الى بنغازي للمحافظة
عليها ثم الى ايطاليا لحمايتها وبقت هناك الى عام 1961 عندما طالبت الحكومة
الليبية باسترجاعها من ايطاليا وبالفعل وصلت الى ليبيا واعد بها قائمة بمثابة
الجرد لها وأودعت البنك التجاري دون وجود اي ضمانات ولم يقوموا المعنيين بتوثيقها على
الوجه المطلوب اقلها توثيقها من حيث الصور، وهكذا تركت هذه الوديعة القيمة بدون
توثيق علمي لها ، كما ان مجموعة اخرى اضيفت اليها من بنغازي تحوي اشياء قيمة ايضا
لم توثق بصورة جيدة ولم يصور الا جزء بسيط منها، وها هي ضاعت فكيف يتم التبليغ
عنها وإرجاعها ونحن لا نملك صور لها، ومن هنا يتأكد قيمة التوثيق وان عدم الاهتمام
به ادى الى كارثة كبيرة.
ودعونا ننظر
للموضوع من زاوية اخرى حيث تنتشر المواقع الاثرية انتشارا كثيفا في الكثير من
المناطق الليبية مثلا في الجبل الاخضر وسهل بنغازي وفي الاودية الليبية بصورة عامة
هناك ألاف المواقع الاثرية الصغيرة التي كانت مزارع محصنة او ابراج او مستوطنات
صغيرة وهي حاليا تقع داخل املاك بعض المواطنين وبسبب كثرتها فهي غير موثقة وبعضها
ازيل سواء من قبل مواطنين ام الدولة بحجة اقامة مشاريع عمرانية وهذا ادى الى ضياع
جزء من الموروث الثقافي المعماري في فترة حضارية معينة، ومن هنا فان غياب التوثيق
يجعل فقدان هذه المواقع الحضارية كارثة لأنها احيانا تزال وليس عليها اي دليل يشار
اليها. ودعونا نتحدث من زاوية اخرى ايضا حيث المخازن الاثرية وما تحويه من ذخائر
ومقتنيات بعضها منذ الحفريات الايطالية وبعضها ينسب الى حفريات اقيمت في فترة ما ووضعت
مقتنياتها بدون توثيق كامل. والأدهى ان نجد بعض المتاحف تعرض بها مقتنيات غير
مسجلة وموثقة فالكثير من المتاحف تحتاج الى توثيق معروضاتها وهذا نوع من الحماية
لها.
وفي خضم هذا
الواقع ما الذي نحتاجه للتوثيق التراث الثقافي الليبي لاسيما المادي فمصلحة الاثار المشرفة بحكم القانون على الاثار
الليبية هي المسؤولة على توثيق التراث المادي اي الاثار الثابتة المنتشرة على
الارض الليبية بنماذجها المتنوعة وفتراتها الزمنية المختلفة ، وهذا يتأتى من خلال
وضع خطة للمسح الاثري يقوم به الباحثون من خلال تشكيل فرق عمل وتجهيزهم بوسائل
وتقنيات المسح الحديثة وعلى سبيل المثال يحدد شهرين في السنة في الربيع او في
الصيف مثلا بحيث تنطلق حملة تسجيل المواقع الاثرية في جميع المراقبات مع وجود لجنة
عامة تشرف على هذا العمل تحدد خطوطه
العريضة بحيث تقسم ليبيا الى مربعات في شكل شبكة ترقم مربعاتها،بحيث يتم العمل من
خلال هذا التقسيم بمجموعات من الباحثين والمساحين الذين يجب تجهيزهم بالبرامج
الخاصة التي تسهل عملية التسجيل بطريقة موحدة وايجاد قاعدة بيانات موحدة تعمم على
الجميع لتطبيقها ، وهذا يُمَكّن في النهاية من وضع خارطة اثرية لليبيا ولنا فيما
عملته تونس من عمل مميز في هذا الصدد خير مثال ويمكن الاستعانة بهم والاستفادة من
تجربتهم. ولقد بدأت مصلحة الاثار في اعداد باحثيها بدورات تخص المسح الاثري
والتوثيق بالـ GPS تشرف عليها البعثة
الامريكية في شحات. وهولاء يعول عليهم في قيام هذا المشروع، كما اننا نحتاج الى
توثيق الاثار المنقولة الموجودة في المخازن والمتاحف ويمكن ان يكون فصل الشتاء
الفصل المناسب لقيام حملة تسجيل موحدة للمتاحف والمخازن مع وجود قاعدة بيانات خاصة
بذلك ويمكن الاستعانة بالقواعد التي طبقها الايطاليون والفريق الليبي في توثيق
مخازن السراي الحمراء. إضافة الى مطالبة جميع البعثات توثيق ما يعثرون عليه
والاتفاق على الية معينة بحيث يتم تسجيل اللقية الاثرية ووضع رقم لها سيكون مرافقا
لها منذ العثور عليها حتى وصولها الى المخزن او المتحف، والتركيز في عملية التوثيق
على التصوير بحيث يكون لكل قطعة صورة او اكثر إضافة الى ما تتطلبه التوثيق من وصف
واشياء اخرى تذكر في البطاقة او النموذج الموحد الذي يعد ويجب ان تزود به كل لقية
ويسجل كتابيا ثم يتم ادخاله في قاعدة بيانات قد تكون اقليمية وترتبط بقاعدة بيانات
رئيسية على مستوى ليبيا. هذا ما نطمح له حتى توثق الاثار الليبية ويمكن الاستعانة
بالعمالة المؤقتة مثل طلاب الاثار وخريجي الاثار غير العاملين في مصلحة الاثار
بحيث الاستفادة منهم في اعمال التوثيق التي تحتاج الى الكثير من الايدي العاملة
المدربة.وبهذا المشروع نحمي موروثنا الثقافي ويكون من السهل استرجاعه اذا تعرض
للنهب والسرقة، ويكون عندنا الوثائق المطلوبة اي سند الملكية للمطالبة به ، التي
من خلالها نعرف ما نملكه من آثار ثابتة ومنقولة تبنى عليها الدراسات الاثرية وتقام
من خلالها المتاحف.