الأحد، 9 فبراير 2014

مدينة يوسبريديس بين التأسيس و الهجر Euesperides





نشرت المقالة في العدد 4-5 من صحيفة افاق اثرية الصادر في ديسمبر 2011




الجزء الاول: المدينة قبل هجرها




قد تعد بنغازي المدينة الوحيدة في ليبيا أو في العالم التي تحوي مدينتين قديمتين في مكانين مختلفين حيث جرت العادة أن يستمر الاستيطان في المدينة نفسها عبر قرون عديدة مثل ما حدث في مدينة كيريني وتاوخيرا وابوللونيا وغيرها ، إلا أن ما حدث في مدينة بنغازي القديمة أن هجر سكان المدينة بإرادتهم أو بالقوة موقع سكناهم في يوسبريديس واستقروا في موقع آخر حيث أنشأت مدينة جديدة ( بيرنيكي ) تبعد عن الأولى حوالي 3 كيلومتر. إن هجر موقع يوسبريديس في منتصف القرن الثالث ق.م. وعدم إعادة الاستيطان به مرة أخرى جعل هذا الموقع الأثري من المواقع الإغريقية المميزة في العالم التي قدمت وستقدم للمنقب التسلسل الطبقي الواضح الذي لا اختلاط بين طبقاته الأقدم و الأحدث مما يسهل عمله وما يقدمه من تفسير للمقتنيات التي يعثر عليها التي تتميز بالانسجام في تاريخها أو عصرها ، فالموقع إغريقي حدث الاستيطان به ما بين بداية القرن السادس إلى منتصف القرن الثالث ق.م. لم يحدث به استيطان بعد هجره لا في العصر الروماني و لا البيزنطي و لا الإسلامي ، إذاً هنا المنقب يتعامل مع طبقات إغريقية يمكن تأريخها بكل وضوح واقتدار من خلال اللقى التي يعثر عليها في تلك الطبقات، ويعطي تصور لما كانت عليه تلك المدينة خلال فترة استيطانها، وما حدث في يوسبريديس يذّكر بما حدث في مدينة اولينثوس  في شمال اليونان التي هجرت جزئيا عام 348 ق.م. ثم نقل بقية سكانها إلى مدينة أخرى عام 318 ق.م وهذا جعل دي ام روبنسون ينجح في تنقيباته في ذلك الموقع الذي يتميز بتجانس طبقاته التي تؤرخ ما بين القرن السابع إلى الرابع ق.م.
*    *    *
ويوسبريديس على خلاف المدن الإغريقية الأخرى في الإقليم التي كانت معروفة منذ عدة قرون و التي أجريت بها حفريات أثناء الاحتلال الايطالي ، أما هي فلم يتعرف على موقعها الأثريون إلا منذ منتصف القرن العشرين حيث كانت بداية الحفر الفعلي فيها على يد  سي إن جونز رئيس الآثار في ليبيا آنذاك الذي أشرف على حفريات في ذلك الموقع ما بين 1952-1953بالتعاون مع بعثة المتحف الاشمولي التابع لجامعة اكسفورد ، و كان الموسم الأخير تحت إشراف بازل ويلسون في عام 1954، وسبق ذلك التعرف على الموقع الذي كان من خلال ما كتبه جودتشايلد في العدد 26 من مجلة (Antiquity)  عام 1952الذي اهتدى للموقع من خلال شقف الفخار الإغريقي الذي جمعه احد الجنود الانجليز عام 1946 من جبانة سيدي عبيد، ومن خلال تحليل الصور الجوية التي التقطت للموقع بواسطة سلاح الجو الملكي البريطاني عام 1949، حيث اتضح إن التل المرتفع  في جبانة سيدي عبيد القديمة المهجورة حاليا كان يشغل النواة المبكرة للمدينة التي بنيت قرب بحيرة اطلق عليه سترابون تسمية يوسبريديس (سبخة السلماني فيما بعد) والتي اتُخذت ميناء بسبب اتصالها بالبحر ، وإن هذه المدينة الصغيرة كانت ممتدة من التل إلى الأسفل في اتجاهات عدة حيث كشفت الحفريات على شوارع بالمدينة وبعض المنازل ، ولم تنشر نتائج تلك الحفريات إلا مؤخرا بواسطة فيكرز و جيل (دراسات ليبية Libyan studies  العدد 25 (1994) مثلا)، كما إن باري جونس في حفرياته الإنقاذية ما بين 1968-1969 في المنطقة المنخفضة من المدينة أكد توسع المدينة ناحية الجنوب منذ القرن الخامس ق.م. وكشف وجود تخطيط منظم في ذلك الحي يشبه تخطيط اولينثوس ورودس وبريني، وتمخضت حفرياته عن منزل تزينه أرضية فسيفسائية مبكرة ، ولقد دمر هذا المنزل بسبب حريق في بداية القرن الرابع ق.م، وقد نشر تقرير أولي عن حفرياته في مجلة دراسات ليبية (Libyan Studies) العدد 14 (1983)، وستنشر مفصلة ضمن عمل فيكرز وجيل الذي سيصدر قريبا، كما إن جمعية الدراسات الليبية في لندن بالتعاون مع مصلحة الآثار وجامعة قاريونس بدأت بمسح شامل للموقع عام 1994تحت إشراف ماتنقلي و هايز وهذا مهد  لحفريات استمرت احد عشر موسما ما بين 1995 - 2006 ،اشرف عليها جون لويد حتى وفاته عام 1999 و اندرو ويلسون وبول بينت واحمد ابوزيان حتى عام 2006 ، وكانت هذه الحفريات ذات فعالية كبيرة وقدمت الكثير عن هذه المدينة في عصرها المبكر والكلاسيكي وأسباب هجرها لاسيما بعد نشر نتائجها في صيغة تقارير أولية نشرت في مجلة دراسات ليبية (Libyan Studies) العددين 26(1995)، 27(1996)، و الأعداد من 29(1998) إلى 37 (2006) ، تمخض عنها ملخصات لأهم النتائج قدمها اندرو ويلسون في بعض المؤتمرات ثم نشرت فيما بعد مثل حولية أكاديمية النقوش والفنون الجميلة في باريس العدد 147 (2003) نشر عام 2005، ومؤتمر في جامعة كيتي الايطالية عام 2003 نشر عام 2006.يضاف إليها دراسة متخصصة عن الفخار الخشن لكيث سويفيت نشرت عام 2006 وأخرى عن الامفورات لكريستيان جورانسّون أخذت طريقها للنشر عام 2007 ، ودراسة باتري عن العملة التي ظهرت في حفريات يوسبريديس بصورة عامة.
*    *    *
ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الحفريات السابقة وعرضت في المراجع المنوه عنها، إن يوسبريديس قد أنشأت في أوائل القرن السادس ق.م. أو في حوالي 600 ق.م. حيث عثر على شقف من الفخار الكورنثي المبكر اؤرخت ما بين حوالي 620-600 أو 610-590 ق.م ، إضافة إلى فخار آخر عثر عليه في المنطقة (H) يؤرخ ما بين 580-570 ق.م. ويشير د.جيل وفيكرز (Libyan Studies العدد 17 (1986) ) إلى أنواع الفخار المبكر الذي عثر عليه في يوسبريديس والذي لا يختلف عن مثيله في المواقع الكيرينايكية الأخرى فهناك الفخار الكورنثي المبكر وفخار مرحلة الانتقال وما قبل الكورنثي،وفخار شرق بلاد الإغريق ، والفخار اللاكوني، وفخار جزر السكلاديس، والفخار الاتيكي واغلبها كان معاصراً لتاريخ الطبقة الثانية في توكرة (590 - 565 ق.م) أو أقدم منها قليلا ،مع وجود قلة من الفخار تعاصر تاريخ الطبقة الأولى في توكرة أيضا (620-590 ق.م.) ، وتاريخ هذا الفخار يعزز التاريخ المبكر ليوسبريديس حيث يبدو أن الإغريق استوطنوا بها بعد تأسيس كل من كيريني وتاوخيرا عن طريق هجرات إغريقية متنوعة استوطنت في الساحل الليبي ، وواقع الحال يؤكد إن مدينة كيريني في تلك الفترة المبكرة لم تكن قادرة على تأسيس اي مدن أخرى في الإقليم لكنها استطاعت أن تهيمن على المستوطنات الأخرى التي أنشأها مستوطنون إغريق في الإقليم ليس من السهل معرفة أصولهم أو الأماكن التي قدموا منها. وخلال عصر ملوك الأسرة الباطية (نسبة إلى باتوس المؤسس) لاسيما أثناء حكم   اركسيلاوس الثاني (560-550 ق.م.) وما بعده كانت بداية الصراعات بين أفراد الأسرة الحاكمة وصراعهم مع الشعب أيضا، وهذا دفع بعضهم للاهتمام بمدينة يوسبريديس الواقعة أقصى الغرب من كيريني ، ومن هنا جاءت تسميتها بهذا الاسم ،اي يوسبريديس (Εὐεσπερίδeς أقصى الغرب)وهذا الشكل نجده عند هيرودوتوس منذ القرن الخامس ق.م. وفي نقوش القرن الرابع ق.م. (SEG.9.76)وفي كتابات ثيوفراستوس ،كما إنها ربما عرفت بهذا الاسم نسبة إلى أسطورة حدائق الهسبريديس التي يحدد البعض موقعها قرب بنغازي ، فهذا سكيلاكس في القرن الرابع ق.م. يطلق عليها تسمية هسبريديس (Εσπερίdeς) ونجد ايضا مصادر أخرى أطلقت عليها ذات التسمية مثل المؤرخ الهلنيستي ثيوتيموس وسترابون وبطليموس،وستيفانوس البيزنطي، أما عند الإشارة إلى سكانها فقد وردت بالشكل (Εὐεσπερίtai) اي يوسبيرتاي مثل عند هيرودتوس و (EUESPERITAN) يوسبيرتان على عملة تؤرخ بالقرن الرابع، وبعد ذلك ظهرت اشكال اخرى مثل الهسبيرتيس والهسبيريتاي وذلك على النقوش التي نسب فيها اشخاص لهذه المدينة مثل نقش اريستوبيوس الهسبيرتيس(SEG.8.425). 
وبالعودة إلى مواصلة سرد بعض الأحداث التاريخية فإنه يبدو إن المتأخرين من ملوك الأسرة الباطية رغبوا أن يتخذوا يوسبريديس ملجأ آمن عند حدوث معارضة وشغب في كيريني ، وربما هم المسؤولون عن إنشاء سورها المبكر المقام من الطين على أساسات من حصى الحجارة ،الذي يؤرخ ما بين 580-570 ق.م. وقد كشف عن بعض بقاياه في المنطقة (N , H)، إذاً المدينة كانت قائمة ومحصنة عند مجيء الجيش الفارسي للإقليم  للانتقام من مدينة برقة لقتلها الملك اركسيلاوس الثالث حوالي عام 515 ق.م. (وفقا لرأيي شامو وميتشل) و ما بين عامي 519-518  ق.م. (وفقا لرأي نصحي )غير إن مواصلة الجيش مسيرته إلى يوسبريديس وفق لرواية هيرودوتوس (الكتاب الرابع فقرة 204) يؤكد انه كان يرمي إبراز هيمنته على إغريق الإقليم بالكامل، ويبدو أن السور المبكر قد سقط بعد ذلك لأسباب مجهولة وأعيد بنائه في فترة لاحقة.
ومن المرجح أن يوسبريديس كانت تحظى باستقلال اقتصادي مكّنها من إصدار عملة لها ما بين 480-435 ق.م. والتي تحمل السلفيوم ورأس زيوس آمون تقليدا لعملة كيريني وبرقة ، وبعضها سك في كيريني نفسها، وهذا الإصدار وقع بعد الحملة الفارسية الثانية على برقة ما بين 483-482 ق.م. هذه الحملة التي لم تصل إلى يوسبريديس لأنها كانت داعمة للفرس في حملتهم ضد بلاد الإغريق أسوة ببقية مدن الإقليم الأخرى باستثناء برقة.
وأكدت الحفريات والمسح الذي أجري في يوسبريديس إضافة إلى الصور الجوية التي التقطت للموقع عام 1949 إنها مدينة صغيرة مثل بقية المدن المبكرة لا يتجاوز عدد سكانها 300 نسمة خلال القرن السادس ق.م.، وتشغل مساحة قدرت بهكتارين تتوزع على نواة المدينة المبكرة التي توجد على قمة مرتفع سيدي عبيد (أقصى ارتفاع له 9.34 مترا عن سطح البحر)، وتنحدر مبانيها في المناطق المنخفضة حول المرتفع التي تصل إلى حواف السبخة أو البحيرة من الناحية الشرقية حيث توجد بقايا سور سميك يشبه  السور المبكر المكتشف من الناحية الشمالية الذي يمثل الحد الشمالي ، وربما هذا السور هو الذي أشار إليه سكيلاكس بقوله أن نهر إكيوس (نهر الليثون فيما بعد) كان يلامس جدران أو سور يوسبريديس، إضافة إلى امتداد المدينة جنوبا حتى ما بعد ما كشف عنه باري جونس في حفرياته، وما تزال حدودها الغربية غير واضحة بشكل كافٍ.

 وقد شهدت يوسبريديس نهاية الملكية في الإقليم حوالي عام 440 ق.م حيث التجأ إليها الملك اركسيلاوس الرابع بعد ثورة سكان كيريني عليه ، وقد سبق أن قام اركسيلاوس بجلب مستوطنين من بلاد الإغريق ووطّنهم في يوسبريديس لإعادة بنائها و ليدافعوا عليه وقت الخطر، وهذا حدث في عام 462 ق.م. عندما أوفد اركسيلاوس احد خاصته للمشاركة في الألعاب البيثية في دلفي وجلب المرتزقة إلى يوسبريديس ، وربما هذا الذي دفع بنداروس ان يمدح اركسيلاوس بأنه ملك مدن عظيمة ، حيث يبدو إن يوسبريديس كانت من بينها إلى جانب تاوخيرا وبرقة، وان إعادة تعمير اركسيلاوس ليوسبريديس بالمرتزقة يعد بمثابة التأسيس الثاني للمدينة، لكنه من جانب آخر لم يستفد اركسيلاوس من المرتزقة الذين جلبهم حيث أن سكان يوسبريديس مثل سكان كيريني ثاروا عليه أيضا وتمكنوا من القبض عليه وبعد قتله قطعوا رأسه ورموا به في البحر وفقا لرواية ثيوتيموس في احدى الشذرات المتبقة مما كتبه عن تاريخ الاقليم، وربما الذي قتل ليس اركسيلاوس بل ابنه باتوس هذا وفقا لما يرويه الفيلسوف الإغريقي هيراقليديس بونتيكوس (390-310 ق.م.)، غير أن اغلب الباحثين مثل فريزر وشامو ومن سبقهم يروا إن هيراقلديديس  أخطأ في الاسم والمقصود الملك اركسيلاوس الرابع آخر ملوك الأسرة الباطية.
وبعد سقوط الملكية وبداية ما يعرف بالعصر الجمهوري ما بين 440-321 ق.م. يفتقر تاريخ الإقليم إلى وفرة المعلومات خلال هذا العصر إلا انه يعد عصر ازدهار اقتصادي عكسته المباني التي أقيمت لاسيما في كيريني، ومساعدة مدن الإقليم او كيريني للكثير من المدن الإغريقية وتزويدها بالقمح، هذا الإزهار الذي وصل أيضا إلى يوسبريديس التي دلت عملتها أنها تحالفت مع كيريني في بداية العصر الجمهوري ثم تحالفت مع برقة وتاوخيرا ضد مدينة كيريني ، لكن هذا لم يستمر طويلا فسريعا ما عادت للوقوع تحت هيمنة كيريني ، ويلمح البعض إلى أن يوسبريديس ربما كانت قد أمدت مدينة فايستوس الكريتية بالقمح وفقا لتحليل لبعض ما ظهر على عملة الأخيرة من رموز قد تعبر عن يوسبريديس، كما إن العثور على مجموعة من الكؤوس الباناثينية  تنسب إلى يوسبريديس، قد يعكس ازدهار يوسبريديس وعلاقاتها الخارجية التي تؤكدها نقوشا سنتطرق إليها فيما بعد.
ومن الأحداث التي ذكرها ثيوكيديديس (الكتاب 7 فقرة 50.2) خلال عام 414/ 413 ق.م. إن القائد الاسبرطي جليبّوس عندما كان متجها إلى سيراكوزا طوحت الرياح باسطوله إلى مدينة يوسبريديس التي وجدها محاصرة بواسطة الليبيين على الأرجح قبيلة الناسامونيس ففك عنها ذلك الحصار، وهذا الحصار يؤكد إن أسوار المدينة كانت متينة مما جنبها الوقوع تحت سيطرتهم، وهي قد تكون معاصرة للمرحلة الثانية من بناء أسوار المدينة التي بنيت على أنقاض الأسوار المبكرة لكن بحجم أكبر. ويبدو أن هذه الحادثة وتزايد ضغط الليبيين للسيطرة على هذه المدينة التي تعد أول مدينة إغريقية من ناحية الغرب أن دفع سكان المدينة إلى تعزيزها بمهاجرين كثر من ناوبكتوس في مسينا في البلوبونيز باليونان عام 405 ق.م.كانوا بقيادة شخص يدعى كومون، إلا أنهم رجعوا إلى موطنهم بعد زوال الخطر وإعادة بناء مدينتهم عام 369 ق.م.وفق لما يذكره باوزانياس (الكتاب 4 فقرة 26.2) و ديودورس الصقلي (الكتاب 14 فقرة 34). ويمكن الربط هنا بين خطر الناسامونيس والنقش الذي عثر عليه في شحات ويؤرخ ما بين 350-325 ق.م.الذي يفهم منه أن هناك انتصار كبير تحقق ضد الناسامونيس والمكاي دفع على إثره خمسة من القادة الى تكريس خمس غنائمهم إلى معبد ابوللو، فربما هذا الانتصار كان قرب يوسبريديس او عند مهاجمتها.
 ويستلزم السياق التاريخي هنا الإشارة إلى نقش نشره فريزر(SEG.18,772) ضائع الآن  تكرم فيه المدينة بمجالسها القانونية المتمثلة في مجلس الشيوخ (الجيروسيا) وهيئة الايفوري ومجلس الشورى اي البولي مواطنان من سيراكوزا عينتهم المدينة موظفين قنصليين لها (Proxenoi)، وهذا النقش يعكس حرص المدينة على علاقاتها الخارجية و لاسيما التجارية من خلال تكليف ليس موظف قنصلي واحد بل اثنان لخدمة شؤونها الخارجية ، وهذا يؤكد علاقاتها بسيراكوزا، ومن ناحية أخرى يبرهن النقش وجود نظام دستوري بالمدينة يعتمد على مجلس الشيوخ ومجلس الشورى وهيئة الايفوري (المأموريين القضائيين) في النصف الثاني من القرن الرابع ق.م.(350-325 ق.م.) وهو التاريخ الذي يعود إليه النقش، ويبدو أن هذا النظام كان موجودا منذ تأسيس المدينة واستمر حتى نهايتها في القرن الثالث ق.م. وتعرفنا من خلال النقوش التي عثر عليها خارج ليبيا على تواجد بعض سكان يوسبريديس خارج مدينتهم فهذا شاهد قبر من اماثوس في صقلية حاليا في المتحف البريطاني يشير إلى شخص من يوسبريديس يدعى ثيوداسيوس مات  ودفن بعيدا عن وطنه  في القرن الرابع ق.م.، وهناك شاهد قبر آخر من مصر (SEG.7,425) معاصرا للنقش السابق  يسجل وفاة اريستوبيوس(اريستوفيوس) اليوسبريتي، كما عثر في دلفي بتاريخ 3/9/1941 على جزء من نقش (INV.6925) يؤرخ في خريف عام 338 ق.م. يشير إلى مجموعة تبرعت بقليل من الدراخمات لترميم  معبد في دلفي أربعة منهم من يوسبريديس، وآخرين من كيريني، ويلاحظ أن أسمائهم كتبت في النقش باللهجة الكيرينايكية التي يستخدم فيها حرف الاوميغا (w)نهاية للمضاف إليه، يمكن أن يكون هولاء من المشاركين في الألعاب البيثية في دلفي. وان التفريق في النقش بين الرجال القادمين من يوسبريديس واسبقية ورودهم في النقش مقارنة بالآخرين من كيريني قد يعكس ان يوسبريديس كانت مستقلة عن كيريني في تلك الفترة وفقا لرأي فريزر. وهناك إشارة مهمة في الكتاب المنحول عن سكيلاكس الذي يؤرخ بالقرن الرابع ق.م. يُفّرق فيها بين مدينة يوسبريديس/ هسبريديس ومينائها ، وهي توحي أن الميناء لم يكن قريبا من المدينة بل منفصلا عنها، وهذا سيأتي تفصيله فيما بعد. كما ينبغي الاستشهاد بلوح جنائزي من الحجر الجيري عثر عليه عام 1915 بالصابري يرتبط بيوسبريديس ومعبوداتها في القرن الرابع ق.م.، تمثل في تصوير خمسة أبطال في نحت بارز ملون (احدهم ضائع) بملابس وملامح مختلفة باسلوب النحت الجنائزي الاتيكي في القرن الرابع ق.م. كان يوجد أعلى كل شخص اسم لم يتبق منها إلا اسم واحد وهو يوريبيلوس، ويرجح إن احد أولئك الأبطال يعود او يرمز لمدينة كيريني، ويتضح من خلال ما نقش على الجزء العلوي من اللوح (الكورنيش) إن الأبطال الخمسة كانوا حماة لمدينة يوسبريديس في السلم والحرب ومن ثم فإنهم كانوا يعبدون بها، ونظرا لان هذا المنحوت من ابتكار محلي فهو يعكس قدرة فنية كبيرة لنحاتين من يوسبريديس في القرن الرابع، ومن ناحية أخرى عثر على أدلة تؤكد عبادة المؤله ابوللو حيث عثر على نقش من القرن الرابع ق.م. نقل من يوسبريديس الى بيرنيكي  ثم أعيد استخدامه فيما بعد في الكنيسة البيزنطية بالمدينة، أشير فيه إلى ضريبة العشر او عشر الغنائم التي كانت تمنح لمعابد ابوللو.  
*    *    *
و تواصلت العلاقات مع أثينا خلال الفترة السابقة بدليل العثور في مقابر المدينة على مجموعة من الكؤوس الباناثينية تؤرخ ما بين 375-366 ق.م. ( تعرض في متاحف الميتروبوليتان وبروكسل وديترويت والاسكندرية)، زد على ذلك العثور على كمية كبيرة من الفخار المزخرف في الحفريات التي شهدتها المدينة ومقابرها حيث توجد نسبة كبيرة منتشرة في متاحف العالم من فخار الصور الحمراء اخذ من مقابر يوسبريديس التي توجد قربها أو في منطقة السلماني غير بعيدة عن المدينة، إضافة إلى الفخار الذي عثر عليه في حفريات 1952- 1954 ونقل جزء منه إلى جامعة اكسفورد وبعضه في مخازن الآثار في ليبيا ، كما إن الحفريات الأخيرة (مواسم 1999-2006) شكل الفخار المزخرف المستورد بها نسبة كبيرة تقدر بأكثر من 90%، وان نسبة 80% منه كان من الفخار الاتيكي سواء ذو الصور السوداء ذو الصور الحمراء إضافة إلى الفخار المصقول بطلاء اسود لامع الذي شكل أغلبية مقارنة بين فخاري الصور السوداء والحمراء ، وهذه النسبة قد تزيد في تأكيد متانة الصلات التجارية التي كانت مع أثينا ،إلا أن هذا الفخار قد تناقص في القرن الثالث ق.م. حيث حل محله الفخار الجناثي والفخار الكامباني ذو الطلاء الأسود المصقول، وهذا التغيير قد يقدم بعض الدلالات التجارية.
كما صنعت المدينة أنواع من فخار الاستعمال اليومي اي الخشن ، وقليل من الفخار المزخرف ، وقد تأكد هذا من خلال فرن الفخار الذي اكتشف خارج أسوار المدينة من الناحية الشمالية (المنطقة M) والذي ترجع منتجاته إلى القرنين الرابع والثالث ق.م.، كما رجح د. جيل وجود فرن آخر أقدم منه في المنزل المبكر(الاركايك) الذي كشف عنه أسفل التل في الناحية الشرقية من الموقع ، ويبدو أن منتجات هذين الفرنين وغيرهما لم تكن قادرة على سد حاجة السوق المحلي حيث شكل الفخار الخشن المستورد نسبة 35% (حفريات 1999-2006) وهذا دليل آخر على إن يوسبريديس كانت ذات فعالية في التجارة مع مواقع البحر المتوسط، سواء بتصديرها للسلفيوم والقمح والصوف المصبوغ ، أو باستيرادها للزيت والخمر ومنتجات سمكية مملحة، وللفخار سواء مزخرف أم خشن.
*    *    *
كما عثر في الحفريات على كميات كبيرة من الامفورات او جرار النقل التي تستعمل في استيراد السلع وتصديرها وهي بدورها تؤكد بعض الصلات التجارية التي كانت بين يوسبريديس وغيرها من مدن منطقة البحر المتوسط ، وفي هذا المقام فقد أثبتت الحفريات التي أجريت بين 1999-2006 ومن خلال دراسة كريستيان جورانسّون للامفورات أن غالبيتها خلال الفترة ما بين 350-250 ق.م. لم تنتج في الإقليم إنما 77 % منها كان مستوردا و لاسيما من مدن وجزر شمال بحر ايجة وجنوبه مثل ثاسوس وميند وساموس وكنيدوس ورودس وكوس وخيوس،وقد كانت الامفورات الكورنثية طراز  Bالتي أنتجت في كوركيرا وأماكن أخرى أكثر تواجدا في يوسبريديس (بنسبة 35%) من الامفورات الأخرى المستوردة ،و أثبتت الحفريات أنها أنتجت أيضا في يوسبريديس،ويبدو إن كورنث قد لعبت دورا تجاريا مهما في يوسبريديس ولاسيما خلال القرنين الرابع والثالث ق.م.ويدل على ذلك الامفورات الكورنثية والفخار الكورنثي الذي عثر عليه بكثرة في يوسبريديس. إضافة إلى  الامفورات الاغريقية الايطالية وغيرها من امفورات غرب المتوسط، وتجدر الإشارة إلى أن الامفورات التي سبق ذكرها كانت تصل إلى يوسبريديس بطريق مباشر أو غير مباشر من مصدرها مملوءة بزيت الزيتون والخمر وسلع أخرى، وكانت المفاجأة ظهور الامفورات البونيقية (بنسبة 5%) المستوردة من منطقة طرابلس وتونس وغيرها من المناطق البونيقية غرب المتوسط التي تستورد بها منتجات لها علاقة بالأسماك ما بين القرنين الخامس إلى الثالث ق.م.، ويرجح إن يوسبريديس بحكم موقعها الجغرافي كانت بمثابة المكان (entrepôt) الذي تخزن فيه الامفورات البونيقية القادمة من الغرب قبل تصديرها إلى شرق المتوسط . أما الامفورات المحلية فقد شكلت نسبة 23% واغلبها لم ينتج في يوسبريديس بل في الإقليم وهذا يؤكد وجود تبادل سلع بين موانئ الإقليم وتميزت هذه الامفورات بأنها تقليدا للامفورات الإغريقية في عمومها، وربما كانت هذه الامفورات تستخدم في تصدير المنتجات المملحة والسلفيوم ايضا ولاسيما عصارته حيث عثر على مقبض امفورا عليه ختم جزء منه ضائع ربما يمثل السلفيوم كما إن سترابون تحدث عن المقايضة بين السلفيوم والخمر في منطقة سرت بين إغريق الإقليم والأقرب إن المقايضة هنا كانت مابين يوسبريديس والبونيقين في غرب ليبيا عن طريق كاراكس قرب سرت.وان العثور على الامفورات الكيرينايكية في صبراتة يؤكد هذه العلاقة التجارية المتبادلة بين الطرفين من حيث التصدير والاستيراد. ومن ناحية أخرى كشف في يوسبريديس وتحديدا في الحي الجنوبي ( المنطقة R ) عن منزل بفناء غيّرت وظيفته إلى معمل لتصنيع الصبغة الأرجوانية من الأصداف التي عثر على بقاياها بكميات كبيرة في كامل المدينة (حصر منها 15491)، واستخدمت كسر الأصداف بعد استخراج الصبغة منها في تبليط الشوارع  والأرضيات (opus signinum)، ومن المؤكد إن الصبغة المستخرجة كانت تستخدم في صبغ الصوف والأقمشة وإنها كانت من السلع التي تباع بسعر مرتفع، ويرجح أن المدينة كانت تصدر هذه الصبغة خلال القرنين الخامس والرابع ق.م.واستمرت حتى هجر المدينة في منتصف القرن الثالث ق.م.
ومما تقدم فإن يوسبريديس كان تعتمد في اقتصادها على تصدير الأصباغ و الأقمشة أو الصوف المصبوغ إضافة إلى السلفيوم، التي مصادرها ربما كانت خارج سيطرتهم حيث إن السلفيوم كان ينمو في منطقة القبائل الليبية لاسيما قبيلة النسامونيس التي يمتد موطن سكناه شرقا إلى أطراف بنغازي، هذه القبيلة شبه الرحل التي تعتمد على رعي الحيوانات التي هي مصدرا للصوف، ومن ثم كان هناك نزاعا اقتصاديا بين إغريق يوسبريديس والليبيين القاطنين حولهم ، وهذا دفع إلى الصراع المسلح بين الطرفين وفقا لتحليل اندرو ويلسون، وهذا قد يفسر هجوم النسامونيس على يوسبريديس في عام 413 ق.م. ومن المؤكد كانت هناك الكثير من الغارات الأخرى التي دفعت بطلب مرتزقة للاستيطان بالمدينة للدفاع عنها عام 405 ق.م.وهذا ذكر أعلاه تفصيلا.
*    *    *
هذه صورة المدينة قبل الربع الأخير من القرن الرابع ق.م. وبالعودة إلى سرد الأحداث التاريخية يجدر التنويه إلى أن يوسبريديس كان لها دورا في أحداث حرب ثيبرون (ثيمبرون)على الإقليم ،هذا المغامر الاسبرطي الذي نهب أموال من خزينة هاربالوس (حاكم بابل زمن الاسكندر) بعد قتله في كريت ، وكون بها جيشا من المرتزقة اتجه به من كريت إلى كيرينايكي لاحتلالها عام 324 ق.م.واستطاع السيطرة على ابوللونيا (سوسة) وكيريني لفترة وجيزة، وعلى الرغم من تحالفه مع برقة ويوسبريديس إلا أن حملته أخفقت بتدخل من بطليموس الأول حاكم مصر آنذاك حيث قُبِضَ على ثيبرون واعدم في سوسة عام 321 ق.م. ، ويبدو انه اتخذ من يوسبريديس قاعدة لعملياته لأنها أكثر مدينة بعدا عن كيريني عاصمة الإقليم ، وقد يبرهن على ذلك إن الحفريات الأخيرة قدمت وفرة من العملات التي ترجع إلى ثيبرون وقد سكت في يوسبريديس حيث حمل بعضها حرف E أو EY اختصارا لاسم يوسبريديس ، وقد ظهر على الوجه رأس المؤلهة أثينة وعلى الظهر صورة رمح وصولجان وبينهما اسم ثيبرون بالاغريقي (QIBRON ومن الإصدارات الأخرى تلك العملة التي تحمل صورة هيراكليس على الوجه ، وقوس وصولجان أو جعبة السهام مع كلمة (BASILEUS)وهذا الطراز من العملة تكرر كثيرا في يوسبريديس، و يرجح باتري أن كلمة بازيليوس تشير إلى ثيبرون لان ماجاس حاكم الإقليم ما بين 300-250 ق.م. لم يتخذ هذا اللقب، وقد سبق أن باتري ارجع هذا الإصدار إلى عصر بطلموس الأول  ما بين 300-282 ق.م.، وقد كان لاروند يرى أن هذا الإصدار من العملة سك في ابوللونيا (سوسة) قبل ظهور نتائج هذه الحفريات. وقد يؤكد أن المدينة كانت تعيش في سلام بعد تحالفها مع ثيبرون العثور في مقابر المدينة على مجموعة من الكؤوس الباناثينة تؤرخ ما بين 324-321 ق.م. (تعرض في متحف اللوفر) اي خلال فترة تواجد ثيبرون في الإقليم وهذا لم يمنع من المشاركة في الاحتفالات الباناثينية وربما تحقيق انتصارات فيها أيضا. وتجدر الإشارة إلى أن العملات البرونزية الصغيرة التي عثر عليها في غالبية الطبقات الهلنيستية  سواء التي أصدرها ثيبرون أم ماجاس تؤكد أن اقتصاد المدينة بعد عام 325 ق.م. كان اقتصادا محليا يدور في فلك اقتصاد الإقليم المعتمد أساسا على إصدار عملات برونزية للتداول اليومي وللصفقات المحدودة القيمة بعضها يؤرخ ما بين 325-313 ق.م.، وكان يزينها رأس هيراكليس على الوجه وأشكال منها دلفين ورمح ثلاثي الأفرع وقوس وجعبة سهام على ظهرها، وسبقت الإشارة إلى أن يوسبريديس قد سكت عملات خاصة بها لكن مكان السك لم يعثر عليه حتى الآن ، غير انه من ناحية أخرى عثر في الحفريات في طبقات غير مؤرخة بدقة على قالبين من الطين المشوي كانت تستخدم لصب الفضة التي ستسك عملة فيما بعد، وهذا من شأنه أن يؤكد إن المدينة كانت تسك في زمن غير محدد بدقة العملة الفضية أيضا، وفي هذا السياق تمتلك الجمعية الأمريكية للمسكوكات عملة فضية جلبت من بنغازي  (1944.100.79520)تحمل نبات السلفيوم / دلفين بجانبه EY أي الحرفين الأولين من اسم يوسبريديس ، وترجع هذه القطعة إلى حوالي عام 480 ق.م أو ما بعده قليلا اي من الإصدارات المبكرة بالمدينة.
هذه ابرز ملامح مدينة يوسبريديس منذ تأسيسها إلى قبيل هجرها والانتقال إلى مدينة جديدة اعتمادا على ما ذكرته بعض المصادر الكلاسيكية وما أظهرته دراسة النقوش والمسكوكات وما أبرزته نتائج الحفريات، ويلاحظ القارئ انه لم يركز كثيرا على عمارة المدينة التي تتسم بالبساطة وتعكس الأحوال السياسية والاقتصادية لهذه المدينة بحكم قلة ما اكتشف منها وحالتها المتدنية معماريا قياسا بكيريني مثلا ، وفي خاتمة هذه المقالة فإنه من المؤكد إن هجر يوسبريديس والانتقال إلى مدينة بيرنيكي كان له أسباب تبرره، وإن تاريخه يحتاج إلى مناقشة ، وهذه ستكون في العدد القادم .

الآثار وذكريات ثورة 17 فبراير



نشرت المقالة في العدد 13 من صحيفة افاق اثرية الصادر في فبراير 2013
http://www.afaqatherya.com



الآثار وذكريات ثورة 17 فبراير
(صور مشّرفة وأخرى سلبية)



الآثار الليبية هذا الارث الحضاري الذي يمكن مشاهدته في المتاحف او في المواقع الأثرية او في مخازن الآثار قيمته الحضارية والأثرية اكثر من يفهمها الأثري الذي يبذل جهدا في استخراجه من باطن الارض ثم ترميمه وصيانته والمحافظة عليه بتخزينه في المخازن او عرضه في المتاحف كما انه يسهر على حمايته ومن اهم اولويات مصلحة الآثار حماية ذلك الارث الحضاري ، ونستطيع القول ان  حماية هذه الآثار وقت السلم مقدور عليها في حال توفر الاجهزة الامنية والعين الساهرة واليد الامينة الا انه في وقت الحرب وانفلات الامن تصعب هذه المهمة وتعكس ظلالها على الآثار وحمايتها. ودعونا مع الصور نقف وقفات لنتذكر ما حدث للآثار في ليبيا اثناء ثورة 17 فبراير وما المجهودات التي بذلت في هذا الشأن من خلال عرض صور مشّرفة واخرى سلبية تتسم بالعمومية وعدم ذكر اسماء الاشخاص  قدر الامكان وهنا  تكريم او نقد الافعال لا الاشخاص.
صورة مشّرفة 1
وقوف الباحثين والعاملين في مجال الآثار وبعض رجال الشرطة السياحية عند اندلاع الثورة في مراقبات الآثار لحماية الآثار في مراقباتهم واقفالهم للمتاحف وقفل المخازن بسد ابوابها بالحجر والاسمنت او بلحام ابوابها الحديدية، ونقل بعض المقتنيات المميزة وتخزينها في اماكن خاصة او في منازلهم بعد جردها ، إضافة الى تجنيد انفسهم كحراس للمباني الادارية التابعة للآثار والمتاحف والمخازن ، وبقائهم في اماكن عملهم يحرسون الآثار على الرغم من الانفلات الامني وعدم وجود سلاح عند بعضهم، وبعض المتطوعين لا يزال يقوم بالحراسة حتى يومنا هذا.
صورة سلبية 1
عندما كان اهالي بنغازي مشغولون بالثورة  ويتجمعون في ساحة المحكمة للمناداة بالحرية كانت هناك فئة مريضة تسعى للتدمير والنهب فعلى مقربة من المحكمة حيث يوجد المصرف التجاري الوطني التي خزنت به وديعة من مصلحة الآثار تمثلت في كميات كبيرة من العملات المتنوعة ومقتنيات اخرى ارسلت الى ايطاليا عام 1941 عندما كانت بنغازي في اتون الحرب العالمية الثانية وارجعت عام 1961 واودعت في ذلك المصرف لحمايتها إضافة الى مقتنيات اخرى اودعتها مراقبة آثار بنغازي لقيمتها (364 عملة ذهبية 2433 عملة فضية و 4484 برونزية و 306 قطعة من المجوهرات المتنوعة و 43 قطعة أثرية متنوعة)، وتلك خزنت في صندوقين من الخشب وخزانة حديدية وضعت في قبو محصن في اسفل المصرف لكن اشخاص من المؤكد كانوا يعرفون مكانها وقيمتها قاموا بعمل حفرة في ارضية الطابق الاول للمصرف للنزول الى الاسفل وسرقة هذا الكنز، على الرغم ان الفتحة تظهر ضيقة ، ولعل التحقيق الجدي قد يؤدي الى معرفة حقيقة هذه السرقة التي لم يعلم بها الا في 25 مايو2011 اي بعد حدوثها بفترة ، وقد نتج عنها سرقة الآف العملات الأثرية ومقتنيات أثرية قيّمة ووصل عدد المنهوب حوالي 7000 قطعة أثرية ، وهذا ما اصبح يعرف في العالم باسم كنز بنغازي المنهوب.
صورة مشّرفة 2
تنادى اختصاصي الآثار في بنغازي وشحات وكونوا لجان لتدارس وضعية الآثار في شرق ليبيا وعقدوا عدة اجتماعات نتج عنها اعداد تقارير عن وضعية الآثار والاتصال بالجهات المسؤولة آنذاك طلبا للحماية ، وقد توقف نشاطهم بعد تكليف المجلس الانتقالي مسؤولا عن الآثار في شرق ليبيا. كما ادى حراك المجتمع المدني الى تأسيس جمعية للاهتمام بالآثار نقصد الجمعية الليبية للآثار والتراث في بنغازي  ثم اسست جمعيات مشابهة الهدف في مدن اخرى ،إضافة الى صدور صحيفة تخص الآثار لزيادة الوعي الأثري بين المواطنين ونقصد صحيفة آفاق أثرية.إضافة الى دورات اقيمت لتوعية المواطنين والطلاب بقيمة الآثار في بنغازي وشحات.وهناك وقفات احتجاجية نظمتها عدة جمعيات اهلية تدعو الدولة الى الاهتمام بالآثار وحمايتها.
 صورة سلبية 2
اثناء الانفلات الامني في بداية ثورة فبراير تكالب من انعدمت ضمائرهم وهاجموا مكاتب مراقبة آثار بنغازي في قصر البركة وسرقوا منه الكثير من مقتنياته ، وقد تدخل مجموعة من الأثريين من قسم الآثار ومن العاملين بالمراقبة لإنقاذ ما يمكن انقاذه ونجحوا في نقل اغلب الاثاث والمكتبة والمقتنيات الأثرية المخزنة هناك، وهنا برز دور بعض المتطوعين الذين اسهموا في هذا العمل ويطيب لنا ان نشكر شركة اشبيليا للتنفيذ والتشغيل والصيانة العامة التي وفرت سيارات للنقل وساهم مدراء الشركة بأنفسهم في المساعدة في اعمال النقل.
صورة مشّرفة 3
ذلك البطل الذي كان يحرس السراي الحمراء و لاسيما المتحف الوطني بها والذي ظل 13 يوما متواصلة في مكانه منذ تحرير طرابلس خلال العشر الاواخر من شهر رمضان وعيد الفطر ، يقوم بواجب الحراسة وحماية الموروث الحضاري الليبي ذلك البطل هو إبراهيم محمد صالح الزنتاني الذي قال عما فعله " لا اعتبر نفسي بطلا ، هذا واجب وطني واشعر بالفخر والاعتزاز لانني دافعت على المتحف والاهم انني اول من قام بتعليق علم الاستقلال على السراي".
صورة سلبية 3
اتخذت كتائب الطاغية اماكن لها في بعض المواقع الأثرية والمتاحف لاسيما في غرب ليبيا وهذا ادى الى سرقة بعض المتاحف او تدمير جزء من مبانيها مثل متحف بني وليد الذي تعرض للكثير من الاذى  ، ومتحف مصراتة الذي سرقت جزء من معروضاته ، والمتحف الاسلامي بطرابلس الذي خزنت به اسلحة ، ومتحف ليبيا الذي استقرت به الكتائب ودمرت اجهزته ، ودمرت القذائف الجزء العلوي من ضريح صفيت  في جبل نفوسة ، وهناك قذائف دمرت جزء من قصر نالوت، وقذائف دمرت جزء من ضريح في ساحة متحف بني وليد.
صورة مشّرفة 4
العاملين بمصلحة الآثار في طرابلس يقومون بإخفاء بعض معروضات المتحف الوطني عن طريق حصرها داخل جدران وهمية ، ونقل بعض المعروضات مثل الفخار والمصابيح والزجاج والمعادن والعملة إلى أماكن آمنة .
صورة سلبية 4
قيام بعض المواطنين بالاعتداء على بعض المواقع الأثرية سواء بالبناء عليها او جرف بعضها مثل منطقة القصيبات في الفعكات قرب بنغازي ، وسيرة ام الشقة قرب دريانة ، وجرف كنيسة بيزنطية في عين خارقة قرب البيضاء ، و العبث بمقابر الجغبوب وسرق عدد غير معروف من المومياء ، والتنقيب العشوائي في الكثير من المواقع الأثرية، والاستيلاء على بعض مباني مصلحة الآثار مثلما في طلميثة حيث استولت اسرة على منزل كنت تخزن به مجموعة من القطع الأثرية وسكنت به ودمرت اجزاء مما يحويه من آثار ، واستولي على مباني اخرى في شحات واجدابيا ، ومتحف طبرق ايضا.
صورة مشّرفة 5
بعض المتخصصين بالآثار الليبية من ليبيين واجانب يزودون الناتو بإحداثيات المتاحف الأثرية وبعض المواقع حتى لا يتم قصفها بالخطأ.
صورة سلبية 5
تمكن احد اللصوص من سرقة اربعة أواني فخارية من طراز الصور الحمراء الاتيكية بعد الاعتداء على متحف مدينة سوسة، وتم القبض على مشتبه به لكن اخلي سبيله ولم تسترجع المسروقات التي نهبت.
صورة مشّرفة 6
قيام الشركة العالمية لخدمات الكهرباء " جيسكو" بدعم الموروث الثقافي الليبي حيث قامت الشركة بترميم برج الساعة بطرابلس و اعمال حول قوس ماركوس اوريليوس وترميم جزء من السراي الحمراء ، وصيانة متحف سوسة وإعادة افتتاحه، وترميم منارة سيدي خريبيش في بنغازي ، ودعم اعداد من صحيفة آفاق اثرية.
صورة سلبية 6
عدم اهتمام المسؤولين في قطاعات الدولة المختلفة لاسيما تحت ادارة المجلس الانتقالي بقطاع الآثار حيث قدمت الكثير من الشكاوي من قبل مصلحة الآثار ومراقباتها الى جهات أمنية دون ان تكون هناك جدية من الطرف الاخير لحماية الآثار او معاقبة المعتدين.
صورة مشّرفة 7
لكل الذين بذلوا اي جهد ايجابي لحماية الآثار والتحقوا بأعمالهم مبكرا وكانت لهم اسهامات وجهود فعال من اجل آثار ليبيا وحضارتها و لا اخص العاملين بمصلحة الآثار فقط بل ايضا المتطوعين من المجتمع المدني واساتذة وطلاب الجامعات، وعناصر من البعثات الاجنبية المنقبة عن الآثار في ليبيا، والمؤسسات الدولية التي اهتمت بمعاناة الآثار الليبية.
صورة سلبية 7
الذين هرّبوا مقتنيات أثرية خارج ليبيا او باعوها بدون وجه حق داخل البلد من اجل الحصول على اموال من وراء بيعهم لتاريخهم وحضارتهم ، ونتج عن ذلك ضياع جزء من موروثنا الثقافي.

صورة مشّرفة جدا :
الشهيد علي صالح الصاري احد ضحايا محرقة معسكر اليرموك بطرابلس يوم 23 اغسطس 2011 ، وهو من ابناء مدينة زليتن واحد شعرائها التحق مبكرا بثورة 17 فبراير ولديه قصائد في تمجيدها ، كان الشهيد من خريجي قسم الآثار بجامعة بنغازي عام 1984 وعمل في التعليم اولا ثم انتقل للعمل في مصلحة الآثار وقد تولى مهام رئاسة مكتب آثار مصراتة منذ عام 2008 ، وله سمعة طيبة بين زملائه ، وقد قبض عليه بعد اشتراكه في معركة البازة في زليتن يوم 18 اغسطس 2011 ونقل الى معسكر اليرموك بطرابلس ويرجح انه احرق مع مجموعة الشهداء الذين احرقتهم كتائب الطاغية في ذلك المعسكر اللهم تقبلهم من الشهداء.