الجمعة، 7 فبراير 2014

لماذا افاق اثرية




 كلمة افتتاحية للعدد صفر من صحيفة افاق اثرية في يوليو 2011

لماذا آفاق أثرية

هذه صحيفة جديدة رأت النور مع إشراقة ثورة 17 فبراير  لتنظم الى قائمة الصحف التي تزدان بها الساحة الثقافية الليبية ، و انطلقت فكرتها من الحاجة الى الصحف المتخصصة التي تثري المشهد الثقافي بمخاطبتها لأفراد المجتمع المدني ، ابناء  هذا الوطن ، الذين اضطرتهم الظروف الى التنصل من تاريخهم  او رميه وراء ظهورهم فقد اعتقدوا انهم ليسوا في حاجة اليه ، في ظل الجري وراء متطلبات حياتهم اليومية  التي كانت عصية عليهم  ، و لم تفلح المدن الاثرية ومعالمها المنتشرة في انحاء مختلفة من هذه الارض الطيبة ان تجذب اليها الليبيون ، على الرغم من اهميتها وتنوعها وشخوصها في مواقع  طبيعية وسياحية جذابة يرتادونها  متمتعين بغاباتها او شاطيئها دون ان يحاول الكثير منهم زيارتها او محاولة معرفة تاريخها حيث اكتفوا بالحكايات الشعبية التي ورثوها عن اجدادهم  يتناقلونها مستغربين ومتعجبين بينهم واحيانا مفاخرين حيث  تنافست الكثير من المدن الاثرية   تناقل اسطورة  العربة  الذهبية المدفونة في باطنها ، وان الكثير من السحرة يأتون من المغرب للبحث عنها ،  وقد شكلت  تلك التفسيرات ذاكرة شعبية  تعكس  نظرة الاجداد للمعالم الاثرية التي وجدوها امامهم  وحاولوا ايجاد تفسيرا  لها  جاء هذا التفسير متناسبا مع ثقافتهم المحدودة.  و على الرغم من انتشار الوعي الثقافي بين شريحة كبيرة من المجتمع ظلت الثقافة التاريخية والاثرية مقتصرة على قطاع ممن يشتغلون في هذا المجال ، وهذا أدى الى أن غالبية المواطنين لم تكن تهتم بالموروث التاريخي لبلادهم الذي تمثله ماديا المعالم الاثرية التي اصبحت منظورة لديهم  بعد ان كشف عنها  منذ زمن الاحتلال الايطالي  حيث لعب الايطاليون دورا في ابرازها للوجود بعد التنقيب عنها وترميمها مستغلين العمال الليبيين لتحقيق ذلك . و لم تفلح مصلحة الآثار  فيما بعد بمنشوراتها و لا هيأة السياحة بنشاطها واصداراتها الى جذب الليبيين الى المواقع الأثرية و المتاحف التي من شأنها ان ترفع درجة الوعي بتاريخ ليبيا وحضارتها ، وظلت تلك المواقع قبلة للزوار الاجانب او السياح ،  كما ان السياسة التعليمية التي اتبعتها الدولة عقب ما يعرف بالثورة الثقافية عام 1973 ، وتسريب بعض الافكار الخاطئة التي لا تستند على اي واقع تاريخي  ضمن اطار ما يعرف بقراءة جديدة للتاريخ التي عرضها القذافي في محاضرة بكلية الاداب في 7/5/1973   تبلورت عنها فكرة ان البقايا الاثرية الاغريقية والرومانية ما هي الا آثار للمستعمرين  ليس لها علاقة بالليبيين وهذه كانت دعوة الى عدم الاهتمام بتلك الاثار ،  كما ان هذه الافكار انعكست على عدم تركيز المناهج الدراسية على تدريس تاريخ ليبيا عبر العصور وتخصيص مساحات كبيرة له ضمن المواد التاريخية التي يدرسها الطالب منذ الصغر ،  اضافة الى عدم الربط بين ما يدرس نظريا ـ رغم قلته ـ  وتطبيقه ميدانيا بزيارة المتاحف والمواقع الاثرية  حيث  يعد جزءا من العملية التعليمية ، وقد ادى هذا الى ضعف التحصيل في المجال التاريخي للطالب الليبي مما انعكس على نظرته السلبية للمعالم الاثرية . 
لقد ادت الظروف السالفة الذكر الى  وجود شرخ في الوعي الثقافي لافراد المجتمع  فيما يخص تاريخ ليبيا وحضارتها ، حيث لا يستغرب ان  تظهر اصوات غاضبة  متذمرة من واقعها السياسي تدعو الى تدمير المعالم الاثرية بحجة حاجة الشباب الى اراض لبناء مساكن عليها ، كما انه كيف يفسر قيام مرشد سياحي  عام 2009 بطلاء  مساحات كبيرة من الرسوم الصخرية النادرة التي ترجع لعصور ما قبل التاريخ في منطقة الاكاكاوس في الجنوب الليبي  ، او ذلك المزارع الذي يهدم احد المعالم الاثرية لكي يستغل الارض لزراعتها ، او انتشار تجارة الآثار وتهريبها خارج البلد بعد العبث بالمواقع الاثرية  بالحفر غير القانوني بها ، وسرقة بعض المتاحف ، حيث ادرك هولاء القيمة المادية للآثار وليس قيمتها الثقافية وعلاقتها بتاريخ الوطن ، كما انه ما تفسير عدم وجود متحف بمدينة بنغازي يعرض آثار هذه المدينة العريقة ، فالمتحف وعاء ثقافي تحتاجه مدينة مثل بنغازي وغيرها من المدن الليبية التي لاتوجد بها متاحف. هذه النماذج تعبر عن  نقص الوعي الاثري بين افراد المجتمع المسؤول عنه شبكة متداخلة من العوامل ايدتها اهمال الدولة الليبية لهذا القطاع ، و نظرتها السلبية للمعالم الاثرية ، التي رأى فيها الكثير من المسؤولين  ـ و للاسف ـ  انها مجموعة من الحجارة ( حيط).
   و انطلاقا من الواقع الحالي للاثار و النظرة السلبية للمجتمع المحلي لها جاءت فكرة إصدار صحيفة تعنى بالاثار في ليبيا تهدف الى زيادة الوعي الاثري بين المواطنين  وتعريفهم بتاريخ بلادهم  و آثارهم ، من خلال مخاطبتهم بلغة بسيطة   ترشدهم  للمعالم الاثرية في ليبيا من خلال الكلمة والصورة ، وتتجول بهم في المواقع الاثرية ، مبرزة قيمتها واهميتها العلمية على المستوى العالمي والمحلي ،  وهذا ليس من باب الترف الفكري ، إنما خطوة من اجل خلق وعي اثري يؤدي الى حماية الآثار، حيث  ان الوعي هو الذي يعول عليه اكثر من القوانين الرادعة ، التي فشلت لوحدها في المحافظة على الآثار .
و تعنى الصحيفة ايضا بمخاطبة المسؤولين  بحيث تبرز ما يحتاج اليه قطاع الآثار للنهوض به  من خلال عرض السلبيات ، و مناقشة المشاكل التي يمر بها وايجاد حلول لها من خلال المقترحات التي تتخلل مقالات الاساتذة المختصون التي تعد بمثابة المرشد للعاملين في هذا القطاع للدفع به الى الامام.                

مقبرة الصليعاية قرب المرج



نشرت في العدد صفر من صحيفة افاق اثرية الصادر في يوليو 2011




مقبرة الصليعاية قرب المرج
 وكأسها الضائعة



الصليعاية  قرية صغيرة تصادف المار عبر الطريق الرابط بين المرج و الابيار بمسافة 18 كم وقد كشف  قربها  بالمصادفة على مقبرة ترجع الى القرن الخامس ق.م. في يوم 9/4/1969 ، بيد ان الكثير من الأدلة الأثرية ضاعت بسبب ان  اثاثها الجنائزي اغلبه قد نقل قبل توثيقه في مكانه وهذا حال المقبرة عند وصول أ. عبدالسلام بازامة ملاحظ آثار طلميثة آنذاك اليها ليستكمل العمل بها و الذي قام بالأعمال التوثيقية لهذا الاكتشاف ونقل المقتنيات الأثرية بالمقبرة الى طلميثة حيث عرضت في متحفها الى نهاية ثمانينات القرن العشرين ثم خزنت في مخازن آثار شحات. وقد قام  الاستاذ ميشيل فيكرز بدراسة هذه المقبرة من الناحية الأثرية ونشرها  في العدد الثامن من مجلة ليبيا القديمة ص ص. 69-84 الصادر عام 1971.
   ومن حيث وصف المقبرة فقد بنيت داخل الأرض الطينية بواسطة كتل حجرية  مشذبة من الحجر الجيري ، وتمثلت في قبر صندوقي مستطيل الشكل يتكون من أربعة صفوف من الكتل الحجرية ، والقبر بطول 3.42 مترا وعرض 1.15 مترا وبارتفاع 2.00 مترا ، مسقوف بست لوحات حجرية  واجهة إحداها على شكل بيدمنت على جانبيها زخرفة معمارية (اكروتيريا) ،  وبسبب كبر حجم المقبرة يبدو انها كانت من القبور المزدوجة التي تقسم في الأصل الى قبرين من الداخل على الرغم من انه لم يوجد دليلا يؤكد هذا التقسيم ،كما ان المقبرة لم يوجد بها إلا تابوتا واحدا وترك بقية القبر فارغا. 
ولعل ابرز ما يميز هذه المقبرة العثور على بقايا تابوت خشبي بطول 1.50 مترا داخل  المقبرة استعمل لوضع الميت برفقة جزء من أثاثه الجنائزي ، ويعد أول تابوت خشبي يعثر عليه في مقابر الإقليم في حالة جيدة ، وكان خشبه مزيج من خشب مستورد ومحلي  ، أما صناعة التابوت فيبدو انها محلية. ومما تجدر ملاحظته ان الحجم الصغير للتابوت قد يعكس قصر الميت او هذا ناتج بسبب إصابته بأحد الأمراض مثل التهاب المفاصل او انحناء الميت بعد بلوغه أرذل العمر ، ربما وصل الثمانين من عمره او اكبر قليلا وهذا ما دلت عليه الدراسة الأولية للعظام ، ولعل الفيصل هو إعادة دراسة البقايا العظمية للميت دراسة دقيقة إذا كانت لاتزال موجودة او محافظ عليها حتى ألان.
 أما الأثاث الجنائزي الذي عثر عليه داخل المقبرة فقد تمثل في مجموعة من اللقى الفخارية والمعدنية والالباستر والزجاج ، والعظم ، ويمكن تفصيلها على النحو الأتي:
1-  كـأس باناثيني  من الفخار الاثيني ذو الصور السوداء ، اي ان الأشكال طليت باللون الاسود على خلفية حمراء اللون ، والكأس في حالة جيدة ، يبلغ ارتفاعه 68.5 سم ومزود بغطاء ، وقد زخرف من الجانبين بمشهدين مختلفين ، حمل احداها المشهد الرئيسي الذي يصور عادة على الكؤوس الباناثينية وتمثل هنا في صورة للمؤلهة اثينا المدججة بالسلاح تقف بين عمودين دوريين يعلو كل منهما ديك ، وهي متجهة نحو اليسار و تحمل ترسا بيدها اليسرى مزين بصورة الحصان الاسطوري بيجاسوس ، وبيدها اليمنى رمحا وترتدي خوذة على رأسها ، وقد صور المشهد بتقنية الصور السوداء اي صورت الرسومات بلون اسود مع استخدام الوان اخرى مثل الابيض والقرمزي لابراز بعض التفاصيل  ، اما الخلفية فقد كانت حمراء اللون ، والى جانب العمود الايمن من الداخل كتبت العبارة الرسمية   TON ATHENETHEN ATHLON ، اي احد جوائز الباناثينايا وهذا المشهد يشبه كأس آخر معروضا في متحف الميتروبوليتان في نيويورك ينسب الى الفنان كليوفراديس.
أما الجانب الأخر من الكأس فقد صورت عليه المنافسة الرياضية التي فاز بها المتسابق في الألعاب التي تقام على هامش الأعياد الأثينية (الباناثينية) ، وقد تمثل المشهد هنا في فتى عارٍ على وشك ان يرمي بقرص يحمله بيده اليسرى ، يتجه الفتى نحو اليسار واقفا بين رجلين مرتديان لباسا مختلفا ، الرجل الواقف على اليسار تمثل في عازف المزمار او الناي المزدوج ، بينما الرجل الواقف على اليمين تمثل في حكم يرتدي عباءة الهيماتيون ، ويحمل بيده اليمنى رمح طويل او سعفة نخيل ، الالوان المستعملة الأسود للأشكال إضافة الى الأبيض والقرمزي على الملابس واستعمال الحزوز لإبراز التفاصيل التشريحية ، وقد جسد المشهد على خلفية حمراء اللون . إضافة الى المشاهد الرئيسة زخرفت الرقبة بزخرفة اللوتس المزدوجة ، وزخرف الكتف بزخرفة الألسنة ، كما ان زخرفت المنطقة التي تعلو القاعدة بزخرفة الألسنة الإشعاعية ،  وقد طلي بقية الكأس بطلاء اسود لامع .
ومن ناحية فنية توصل الدارسون لهذا الكأس الى ان الفنان كليوفراديس هو الذي قام برسم وزخرفة هذا الكأس اعتمادا على بعض المميزات الفنية التي ميزت اسلوب هذا الفنان ومقارنة هذا الكأس بكأس لذات الفنان في متحف الميتروبوليتان وكؤوس في متاحف اخرى تميزت بزخرفة الحصان بيجاسوس على ترس اثينا ، وهذا الكأس يعد من الاعمال المبكرة التي نفذها كليوفراديس الذي كان نشاطه خلال الفترة من 510-470 ق.م. ، ويوجد اتفاق بين الدارسين على تاريخ الكأس بحوالي عام 480 ق.م. وهو بهذا يعد اقدم الكؤوس المكتملة التي عثر عليها في قبور اقليم قورينائية (كيرينايكي) .
لقد اختير هذا الكأس ضمن مجموعة اخرى من اللقى الاثرية والفنية  انتزعها سيف الاسلام القذافي من المناطق الاثرية  ليجعلها جزء من معرض فني متنقل بين عواصم ومدن العالم منذ عام 2002  باسم " الصحراء ليست صامتة "، حيث عرض في عدة عواصم ومدن : باريس ، برلين ، لندن ، روما عام 2002 ، وفي مدينة ميلان وجنيف بين عامي 2002- 2003، وفي فيينا ومدريد عام 2004 وآخر عرضه كان في طوكيو في اليابان في شهر ابريل عام 2005 ، وقد شهدت هذه العاصمة اختفاء هذه التحفة الفنية النادرة حيث سرق بعد نهاية المعرض وتخزين المعروضات ، ولا تعرف ظروف اختفاء هذه التحفة الفنية الرائعة  ، وهل هناك يد آثمة نهبتها عن قصد ؟.
2- إناء فخاري بمقبضين يعرف اصطلاحا باسم " Pelike" ، يبلغ ارتفاعه 32 سم ، من الفخار الاثيني ذو الصور الحمراء اي ان الأشكال المرسومة في لون احمر على أرضية الإناء التي طليت باللون الأسود ، زخرف الإناء بمشهدين كل منهما داخل شريط تزخرفه زخرفة الألسنة الصغيرة ، تمثل المشهد الأول في مطاردة بين المخلوق الأسطوري الي يعرف باسم الساتير وإحدى نساء الغابات التي تعرف باسم المياندات ، اما المشهد الثاني فصور عليه مشهد تقابلي بين رجل او شاب يستند على عصا طويلة مخاطبا فتاة مدثرة بلباسها تقابله.  وقد نسب فيكرز ومن بعده الراشدي اسلوب رسم هذا الإناء الى فنان ميونخ 2335 ، ولا تتميز الرسوم بالدقة وحرفية الفنان التي أبدعها ، ولاتزال الخطوط الأولية للرسم ظاهرة للعيان ولم يحرص الفنان على إخفائها حيث يظهر عمله جيدا ودقيقا. يؤرخ هذا الإناء من خلال طراز رسومه الى ما بعد 450 ق.م.
3- مجموعة من الأواني الفخارية الاتيكية المطلية بطلاء اسود لامع تمثلت في الآتي :
أ- سلطانية بمقبضين يطلق عليها اصطلاحا بولسال (Proto- Bolas) يبلغ قطرها 16.2 سم  ، وعرضها بالمقبضين 25.4 سم ، وارتفاعها 9.5 سم ، وقد طليت جميعها بطلاء اسود مصقول باستثناء أسفل القعر حيث توجد أحزمة حمراء اللون او من لون الطينة . ومن حيث تأريخها فان هذا الطراز من السلطانيات يؤرخ بحوالي عام 430 ق.م. بناء على شكل المقابض.
ب- كوب بدون جذر (Stèles coup) يبلغ قطره 20.4 سم وعرضه بالمقبضين 28.3 سم وارتفاعه 6.3 سم . الكوب مطلي بالكامل بطلاء اسود باستثناء قعر الكوب من الأسفل حيث تركت دوائر في لون طينة الفخار . تتميز مقبضي الكوب بان نهايتها ترتفع الى أعلى بشكل حاد ، هذا الطراز من الأكواب يؤرخ بحوالي عام 425 ق.م.
ج – حقة  تتكون من سلطانية بغطائها يطلق عليها اصطلاحا ليكانيس (Lekain) ، يبلغ قطره 11.7 سم وعرضه بالمقبضين 17.3 سم وارتفاعه 11.7 سم . الحقة مطلية بالكامل بطلاء اسود باستثناء حافة ومركز الغطاء وبقية أرضيته التي تركت بدون طلاء في لون الفخار ، إضافة الى أسفل القعر الذي ترك بدون صقل ، يؤرخ طراز هذه الحقة بحوالي 425 ق.م.
د- صحن صغير بدون مقابض قطره 9 سم وارتفاعه 3 سم ، مطلي بالكامل بطلاء اسود ، يؤرخ بأواخر القرن الخامس ق.م.
4- مصباح من الفخار الاتيكي ذو الطلاء الأسود اللامع ، طوله 10.3 سم ، ارتفاعه 2.5 سم ، مطلي بطلاء اسود بالكامل باستثناء قاعدته المستوية التي تركت في لون الفخار. يؤرخ هذا الطراز من المصابيح بالربع الأخير من القرن الخامس ق.م.
5- زوج من جرار النقل او ما يعرف باسم الامفورا ، وهي من الفخار الخشن وقد أنتجت في جزيرة خيوس الاغريقية في منتصف القرن الخامس ق.م. ، يبلغ ارتفاعها 72 سم ، إحداهما وجدت مكسورة والاخرى مكتملة.
6- قارورة اسطوانية الشكل يطلق عليه اصطلاحا " Alabastron"  ، صنعت من مادة الالباستر او ما يشبه الرخام الاصفر او الزبدي الشفاف ، يبلغ ارتفاعها 40 سم وقطر بدنها 17.5 سم ، وهي بهذا تعد من بين اكبر الاباسترون التي وجدت في العالم ، تميزت بحافتها الكبيرة المتسعة للخارج بقطر 16 سم ، وبمقبضين رأسيين بطول 10 سم على الكتف ، وشكل هذه المقابض يعد سمة قديمة (اركايك) اعيد استعمالها في القرن الخامس ق.م. وقد عثر داخل هذه القارورة على مادة جامدة في قعر الاناء ، وبعد تحليلها في المعمل اتضح انها ربما كانت جزء من مرهم او رائحة زيتية ذات اصل نباتي.
7- سلطانية نصف كروية من الزجاج قطرها 12 سم وارتفاعها 6سم ، وقد صنعت من زجاج شفاف ، وقد زخرف بدن السلطانية بحزوز افقية غائرة في شكل ألسنة تبدأ من قعرها متجهة الى كتف السلطانية ، حافتها متسعة نحو الخارج ، ويبدو ان هذا الطراز من السلطانيات الزجاجية ما هي الا تقليدا لمثيلاتها المعدنية التي صنعت من الذهب والفضة واشتهرت بها بلاد فارس في القرنين السادس والخامس ق.م.
8- يبدو ان الميت في مقبرة الصليعاية كان يتحلى بإكليل او تاج من الفضة المموهة بالذهب في شكل أوراق الزيتون وثماره ، وقد عثر داخل المقبرة على أكثر من 80 ورقة زيتون بستة إحجام مجالها من 3.2 الى 5 سم ، وقد الصقت ببعضها بواسطة شريط معدني رقيق. ويبدو ان إكليل الصليعاية من الأكاليل المبكرة التي ظلت مستعملة حتى القرن الخامس ق.م.
9- من اللقى الأخرى التي وجدت داخل المقبرة اجزاء من كاشطة برونزية ، إضافة الى زرين صنعت من العظم ربما كانت تثبت الرداء الذي يرتديه الميت عند دفنه.

وفي الختام تجدر الإشارة   ان الأثاث الجنائزي والتابوت  تدل من ناحية على غنى صاحب القبر ، ومن ناحية أخرى ربما بعض اللقى تعكس ان الميت كان رياضيا مثل الكاشطة البرونزية ، كما ان إكليل أوراق الزيتون قد يعكس تكريما للميت في احد الألعاب الرياضية التي فاز بها ، وقد كانت أكاليل الزيتون تمنح للفائزين في الألعاب الاوليمبية ، ومن المعروف ان هناك خمس عشرا فائزا في الألعاب الاوليمبية كان أصلهم من كيرينايكي منذ عام 484 ق.م. الى 189 م ، وكان أشهرهم ملك كيريني (قوريني) اركسيلاوس الرابع الذي فازت عربته في سباق العربات عام 460 ق.م. في الاولمبياد رقم 80 ، وفي ذات الاولمبياد فاز في المصارعة اميسيناس (Amnésias) من مدينة برقة (المرج حاليا) الذي اشتهر بانه كان يتدرب على المصارعة مع ثور اثناء رعيه للحيوانات ، وقد نقله معه الى بلاد اليونان وتجول عبرها رفقة ذلك الثور وفقا لما يذكره يوسابيوس القيصري ، اذاً اميسيناس كان من برقة ، والأحرى ان يدفن بعد الانتصارات التي حققها في مكان بارز في مدينته ، هذا اذا كان من سكان المدينة ذاتها ، ولكن إذا كان من سكان أرياف المدينة الذي يسكنون حول المدينة و ليس داخلها ، او  جزء من السكان الذي عرفوا عند هيرودوتوس باسم البيروكوي (Perioikoi) اي القاطنين جوار المدينة ، وهذا ينطبق على ساكن مقبرة الصليعاية التي تبعد 18 كم عن مدينة المرج (برقة القديمة) ، فمن المنطقي ان يدفن في منطقته ، وبجوار أهله ، وهذا يفسر وجود هذه المقبرة في مكان بعيد عن المدينة الأم ، ومن ناحية أخرى فان سكان الضواحي كانوا يدفنون قرب سكانهم ولا يدفنون في مقابر المدن والامثلة على ذلك كثيرة . ويبدو من المناسب ان يضاف الى انه ربما كان سكان تلك المنطقة من الليبيين الذين تأغرقوا او اخذوا بعادات الاغريق حيث دفن وفق للطقوس الاغريقية ، ويرجح الاستاذ ماسون ان اميسيناس اسم ليبي وليس إغريقي ، كما ان حرفة اميسيناس رعي الحيوانات تعزز انه لم يكن من سكان برقة بل من ضواحيها ، وهذا يربط اكثر بين المدفون في مقبرة الصليعاية وبين اميسيناس.
وهنا يفترض ان دفين قبر الصليعاية كان البطل الاوليمبي اميسيناس الذي ربما منذ شبابه تحصل على جائزة رمي القرص عند اشتراكه في الألعاب الباناثينية في أوائل القرن الخامس ق.م.دليلا على ذلك الكأس الباناثيني ، ثم فاز في الألعاب الاوليمبية في المصارعة في عام 460 ق.م. وفقا للمصادر الادبية ، ثم عاد ليعيش في ضواحي مدينة برقة الى ان وفاته المنية في الثمانينات من عمره ، ودفن في مكان قريب من أهله وذويه ، ويمكن ان يكون القبر داخل نطاق أملاكه.

ومما يؤسف له ضياع مكان المقبرة بعد ردمها منذ بداية السبعينيات ومن ثم فقدان مقبرة إحدى الشخصيات المهمة في تاريخ برقة والإقليم برمته ، وحتى ان كانت المقبرة لاتنسب لشخصية مهمة فكان الأحرى ان يحتفظ بالمقبرة و لا يتم ردمها ، واذا كانت هناك ضرورة لردم اي من الاثار بسبب التطورات العمرانية او المشاريع التنموية فيجب ان تترك علامة او لوحة تشير الى الأثر وماهيته بعد ردمه ، واذا كان هذا لم يطبق في مقبرة الصليعاية فالأجدر ان يطبق على المعالم الأثرية التي يضطر المنقبون لردمها بعد استكمال الحفر بها.



" ليبيا تأتي دائماً بشيء جديد"



نشر في العدد صفر من صحيفة افاق اثرية يوليو 2011


" ليبيا تأتي دائماً بشيء جديد"
ينسب الى  أرسطو وليس هيرودوتوس

ليبيا تأتي دائماً بشيء جديد  هذا مثل يوناني قديم ينسب عند الكثير من العامة والمتخصصين إلى رائد المؤرخين الإغريق هيرودوتوس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ، إلا أن الواقع غير ذلك فلا يوجد هذا المثل في كتابه المعروف بالتواريخ ، وأقدم من أشار إليه هو الفيلسوف الإغريقي أرسطو (القرن الرابع قبل الميلاد) في كتابه تاريخ الحيوان وتحديدا في المجلد الثامن فقرة 20 ، وذلك في معرض وصفه للحيوانات التي تعيش في ليبيا والتي تتميز بشدة تنوعها واختلافها عن حيوانات  قارتي أسيا وأوروبا ومن هنا ذكر المثل الذي كان شائعا عند الإغريق قبل عصره ، وجدير بالذكر إن ليبيا المقصودة هنا هي الجزء المعروف من القارة الإفريقية  عند الإغريق والتي كانت جزء من قارات العالم الثلاث ، ولعل ما يؤكد هذا إن المؤرخ الروماني بليني الأكبر في كتابه التاريخ الطبيعي  نقل المثل ذاته مع تحوير الاسم من ليبيا إلى إفريقيا لان في عصره (القرن الأول الميلادي) بدأ يشيع اسم إفريقيا بدلا من ليبيا اسماً على القارة.    

الخميس، 4 أكتوبر 2012

أبطال من ليبيا في الألعاب الاوليمبية القديمة


أبطال من ليبيا في الألعاب الاوليمبية القديمة

أ‌.        خالد محمد الهدّار

أكثر من 794 اسم  من أبطال الألعاب الاوليمبية القديمة توصل إليها المختصون من خلال النقوش التي عثر عليها في مدينة اوليمبيا الإغريقية والتي سجلت أسماء الفائزين في تلك الألعاب التي جرت العادة ان تقام  في مدينة اوليمبيا منذ عام 776 ق.م ويعد كوربيوس من مدينة ايليس اول بطل يسجل فوزه في سباق الجري، واستمرت الألعاب الاوليمبية الى عام 393 م ، ويعد البطل زوبيروس من اثينا آخر بطل يسجل فوزه في الملاكمة عام 385م ، وقد كانت تلك الألعاب تقام كل أربع سنوات على مدى 12 قرن من الزمن، وبلغ عدد الاحتفالات الاوليمبية التي أقيمت 291 احتفالا دينيا على هامشه تجرى المنافسات الرياضية ، وحسابيا فان عدد الأبطال الذين فازوا فيها وصل الى حوالي 4760 ، وبسبب اعتبارات عديدة فان عددهم الأصلي يقدر بحوالي 3672 بطلا لا يعرف  منهم الا حوالي 794 ومن ثم فان 2878 بطلا او فائزا قد ضاعت أسمائهم . 

ومن الطبيعي ان تسهم مدينة كيريني ومدن الإقليم الاخرى في تلك الألعاب التي عادة يشارك فيها متنافسون من جميع المدن الإغريقية، وقد احرز بعض الليبيين (من إقليم كيرينايكي = شرق ليبيا) عديد الانتصارات وسجلت أسماؤهم في قوائم الفائزين في تلك الألعاب ومن خلال القائمة التي نشرها موريتي  في كتابه التالي الذي حصر فيه اسماء الفائزين في الألعاب الاوليمبية،  

 L. Moretti, Olympionikai, i vincitori negli Antichi agoni Olimpici, , Roma, 1957

وقد اتضح من خلالها ان هناك 15 بطلا من ليبيا اغلبهم من كيريني وواحدا من برقة وواحدا وصف بأنه ليبي : وهم :

1-      مناسياس الليبي وقد انتصر في سباق الجري بالسلاح في الاوليمبياد رقم 74 الذي أقيم عام 484 ق.م.

2-      كراثيسثينيس الذي انتصر في سباق العربات في الاوليمبياد رقم 79 الذي أقيم عام 464 ق.م.

3-      امسيناس من برقة الذي انتصر في المصارعة في الاوليمبياد رقم 80 الذي أقيم عام 460 ق.م.

4-      اركسيلاوس الرابع الذي انتصرت عربته في الاوليمبياد رقم 80 الذي أقيم عام 460 ق.م.

5-      بوليمناستوس الذي انتصر في سباق الجري في الاوليمبياد رقم 81 الذي أقيم عام 456 ق.م.

6-      ايوباتاس الذي انتصر في سباق الجري  في الاوليمبياد رقم 93 الذي أقيم عام 408 ق.م.

7-      ايوباتاس الذي انتصر في سباق العربات في الاوليمبياد رقم 104 الذي أقيم عام 364 ق.م.

8-      بروروس الذي انتصر في سباق الجري في الاوليمبياد رقم 105 الذي أقيم عام 360 ق.م.

9-      ثيوخريستوس الاول الذي انتصر في سباق العربات في الاوليمبياد رقم 105 الذي أقيم عام 360 ق.م.

10-   بوروس  الذي انتصر في سباق الجري  في الاوليمبياد رقم 106 الذي أقيم عام 356 ق.م.

11-   بوليكليس بن ميلانيبوس الذي انتصر في سباق الجري في الاوليمبياد رقم 108 الذي أقيم عام 348 ق.م.

12-   ثيوخريستوس الثاني الذي انتصر في سباق العربات في الاوليمبياد رقم 120 الذي أقيم عام 300 ق.م.

13-   ايدايوس الذي انتصر في سباق الجري في الاوليمبياد رقم 126 الذي أقيم عام 276 ق.م.

14-   اكوسيلاوس الذي انتصر في سباق الجري في الاوليمبياد رقم 165 الذي أقيم عام 120 ق.م.

15-   مانيوس الذي انتصر في سباق الجري في الاوليمبياد رقم 242 الذي أقيم عام 189 م.

وقد لاحظ البرفسور اندريه لاروند الذي نشر هذه القائمة بعد إدخال بعض التعديلات عليها  في كتابه :
Andre Laronde, Cyrene et la Libye Hellenistique (Paris 1987)pp.146-147.
   انه خلال الفترة من 364 -348 ق.م. أحرزت ليبيا او كيرينايكي  5 انتصارات مما يدل على حالة الاستقرار والازدهار بها ، في الوقت انه في الفترة نفسها لم تحقق مدن أخرى مثل اثينا و مقدونيا وغيرها من المدن الأخرى هذا العدد من الانتصارات . وعلى خلاف ذلك منذ عام 345 ق.م عندما لم يحققوا الكثير من الانتصارات وربما مشاركتهم كانت محدودة اصلا وذلك بسبب تردي الاحوال السياسية في الإقليم. كما يجدر التنويه إلى تفوق أبطال الإقليم في سباق الجري الذي أحرزوا فيه الكثير من الانتصارات في عدة دورات اوليمبية (8 مرات) ثم سباق العربات (5 مرات) وسباق الجري بالسلاح (مرة) والمصارعة (مرة). وهذه الألعاب هي ذاتها التي يرجح ان بعض من سكان الإقليم قد فازوا فيها في الألعاب الاثينية (الباناثينية) حيث عثر على مجموعة من الكؤوس صورت عليها هذه الألعاب وغيرها في مقابر الإقليم . ومن ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى ان عربة اركسيلاوس التي انتصرت في الاولمبياد رقم 80 سبق ان انتصرت في الدورة رقم 31 من الألعاب البيثية في دلفي عام 462 ق.م. والتي كان يقودها صهره  كارخوتوس و ربما هو الذي قاد العربة في الألعاب الاوليمبية، او تحت إشرافه حيث قادها السائس الليبي الذي وجد تمثاله البرونزي في معبد ابوللو في كيريني (شحات).