السبت، 8 فبراير 2014

حمامات هادريان في لبدة



نشرت المقالة في العدد 12 من صحيفة افاق اثرية الصادر في ديسمبر 2012
http://www.afaqatherya.com/

حمامات هادريان في لبدة


تمثل حمامات الإمبراطور هادريان الحمامات الرئيسة بمدينة لبدة ومن بين المباني الضخمة بها حيث تشغل مساحة ثلاثة هكتار (بما فيها الملعب او البالايسترا) ، وقد كشف عنها الايطاليون بعد الحفريات التي اجريت بها ما بين 1920-1927م باشراف ريناتو باتروتشيني الذي نشر كتاب عنها عام 1929، ويمكن مقارنتها من حيث الضخامة والزخارف بالحمامات الامبراطورية التي بنيت في مدينة روما مثل حمامات نيرون وحمامات تيتوس وحمامات تراجان التي افتتحت عام 109 م والاخيرة أثرت في تخطيط حمامات لبدة وأقرب لها زمنيا ، حيث شيدت هذه الحمامات  في عصر الامبراطور هادريان و افتتحت في نهاية عهده وتحديدا عام 137 م تحت اشراف البروقنصل بوبليوس فاليريوس بريسكوس حيث يشير النقش التأسيسي الى ذلك، ويبدو ان اعمال البناء كانت قد بدأت في عام 123م حيث عثر على اختام على بعض القوالب القرميدية تشير الى هذا التاريخ. وقد اجريت ترميمات على الحمامات في عصر الامبراطور كومودوس (180-192م) وعصر الامبراطور سيفيريوس (193-211م). 
وعند النظر الى مخطط حمامات هادريان يلاحظ ان مخططها يتميز بالتناظر والتناسق بين عناصره لاسيما مكوناته الثانوية التي توجد في الناحية الشرقية والغربية على جانبي حجرات الحمام الرئيسة (الحمام البارد والدافيء والساخن والتعريق) والتي تقع على امتداد المحور الرئيسي للحمامات الذي يمتد من الشمال الى الجنوب. وقبل ان توصف اجزاء الحمامات تنبغي الاشارة الى ارتباط الحمامات بمبنى ملتصق بها من الناحية الشمالية استغل كملعب لممارسة الرياضة يعرف اصطلاحا باسم البالايسترا (رقم 8 في المخطط) وهو ساحة مفتوحة تنتهي نهايتيها من الشرق والغرب بحنية ، ويوجد بداخل الملعب رواق كبير محمول على 72 عمودا من الطراز الكورنثي من الرخام الابيض ورخام  الشيبولينو الاخضر اللون، وقد قسمت الساحة المفتوحة من الملعب الى اجزاء بواسطة احجار من الحجر الجيري تمارس فيها انواع مختلفة من الرياضة، وعلى الجانب الشمالي من الملعب توجد قاعتين في شكل مستطيل تنتهي بحنية في جدارها الشمالي (رقم 9 في المخطط) ، ويوجد بداخلها رواق مربع الشكل وقد خصصت حنية للاله ليبرباتر والاخرى للبطل المؤله هيراكليس، كما زين جزء منها بتماثيل بعض النبلاء وزوجاتهم .
ومن عدة مداخل في الجانب الجنوبي من الملعب يمكن الولوج الى الحمامات حيث يقابل الزائر حوض السباحة (رقم 7 في المخطط)  الذي يوجد في مساحة مكشوفة ابعادها 41 × 25 مترا يتخللها رواق مقام على اعمدة رخامية وردية اللون من الطراز الكورنثي من ثلاث جهات، وتوجد دعامات ضخمة من الناحية الجنوبية ، اما الحوض فهو يتوسط هذا الرواق وابعاده 27.8 × 14.55 مترا وبعمق 1.75 مترا وهناك درج للنزول اليه كما بلط الحوض بمكعبات فسيفسائية بيضاء اللون. ومن الناحية الجنوبية من هذا الرواق يمكن الدخول الى حجرة الحمام البارد(الفريجيداريوم) (رقم 4 في المخطط) عبر ممر يمتد من الشرق الى الغرب (رقم 2 في المخطط) ، والحمام البارد قاعة كبيرة ابعادها 30.35 × 15.40 مترا يتكون من صالة مبلطة بالرخام ومدعمة بثمانية اعمدة شيبولينو ارتفاعها 8.65 م وقطرها 1.20 م تحمل عقود من الكونكريت تحمل بدورها السقف وتدعمه، وعلى جانبي هذه الصالة يوجد حوضين للسباحة مبطنة بالرخام ومزخرفة باعمدة جرانيتية خضراء، وزينت بمجموعة كبيرة من التماثيل. وما يلفت الانتباه وجود ممر او دهليز بعرض 4 م يدور حول الحمام البارد (رقم 2 في المخطط) ذُكر في نقش باسم كريبتا (Crypta) ويفصل الحمام البارد عن بقية ملحقات الحمام وهذه ظاهرة معمارية لم تشاهد في حمامات رومانية اخرى.وهناك مدخل مقنطر او بقوس في الناحية الجنوبية من صالة الحمام البارد يؤدي الى حجرة الحمام الفاتر (التيبيداريوم) (رقم 3 في المخطط) التي كانت مفصولة عنها بممر يمتد على طول الحمام البارد ، وقد قسّم الرواق في فترة لاحقة الى حجرتين تابعة للحمام الفاتر اضافة الى الحجرة المركزية التي كانت الاصل للحمام الفاتر عند بناء هذه الحمامات. ويمر من مدخل في الجدار الجنوبي من تلك الحجرة المركزية الى حجرة الحمام الساخن(الكالداريوم) (رقم 2 في المخطط) التي تتكون من حجرة مستطيلة ابعادها 22.15×10.90 م يوجد في جدارها الجنوبي خمسة احواض منها ثلاثة بمداخل معقودة وهي تظهر في شكل اقبية وكانت من اهم اجزاء الحمامات بروزا قبل التنقيب عن هذه الحمامات حيث رسمها رحالة القرن التاسع عشر، تصل المياه الساخنة الى هذه الاحواض عن طريق الافران التي تقع الى الجنوب منها. وهناك نقش تذكاري اضافة الى الادلة المعمارية على ان هذه الاحواض تعد اضافات لاحقة تنسب الى اصلاحات الامبراطور كومودوس بواسطة روسونيانوس(صورة مرفقة). وتوجد مداخل في الحمام الساخن تؤدي الى حجرات التعريق (لاكونيكا) وعددها اربع حجرات صغيرة متناظرة تقع  كل اثنين منها على جانبي الحمام الفاتر ، وكانت هذه الحجرات تزود بالهواء الساخن الذي يمر تحت ارضيتها المرفوعة على دعامات قرميدية كما يمر الهواء الساخن عبر انابيب قرميدية تتخلل جدرانها.ويستطيع المستحم ان يعبر من هذه الحجرات الى الحمام البارد عن طريق مداخل في جدرانها الشمالية. كما توجد عدة حجرات اخرى منتشرة في اجزاء متفرقة من الحمامات لا تعرف وظيفتها على وجه الخصوص من بينها حجرات تقع على جانبي الحمام البارد ربما يستعمل بعضها لخلع الملابس (ابوديتوريوم) (رقم 6 في المخطط)، وبعضها قد يستخدم للاجتماعات واخرى للاستقبال وتناول الاطعمة. ويلاحظ وجود حجرة مراحيض عامة (فوريكا) خاصة بالرجال في اقصى الناحية الشرقية (رقم 5 في المخطط) من الحمام البارد مقاعدها من الرخام وتمر امامها سواقي المياه للتنظيف، بينما مراحيض النساء وهي اصغر حجما تقع في الناحية الغربية من الحمام البارد ايضا (رقم 5 في المخطط).كما توفرت المياه لهذه الحمامات عن طريق مجموعة من الصهاريج والخزانات تقع في الناحية الجنوبية الشرقية من الحمامات،ويفهم من نقش عثر عليه هناك ان احد اثرياء المدينة المدعو كوينتوس سرفيلوس كانديدوس قد انفق بعض امواله لتزويد لبدة والحمامات بالمياه. ويلاحظ الاهتمام بحجرات الحمام الساخنة و الفاترة وحجرات التعريق حيث كانت اسقفها برميلية متقاطعة مبطنة بالفسيفساء بالوان متعددة منها الازرق والاخضر والذهبي.
واللافت للانتباه تلك التماثيل التي تزين حجرات هذه الحمامات وعثر عليها موزعة بين تلك الحجرات و لاسيما في حجرات الحمام البارد والفاتر، والتي بلغ عددها 40 تمثالا متنوعا بين تماثيل دينية واسطورية وتماثيل اباطرة وتماثيل شخصية لبعض الاعيان، اهمها نسخ رومانية لاعمال نحتية مشهورة لنحاتي اغريق، وجل هذه التماثيل في حالة جيدة وتعرض في متحف لبدة ومتحف ليبيا والمتحف الوطني بطرابلس ، من اهمها تمثال ساتير (من اتباع باخوس او ديونسيوس اله الخمر) بارتفاع 178 سم، وهو نسخة رومانية من تمثال النحات الاغريقي براكستليز في القرن الرابع ق.م.، تمثال الاله ابوللو  باتفاع 169 سم وهو نسخة رومانية لاصل اغريقي يرجع للقرن الخامس، وتمثال آخر للاله ابوللو ارتفاعه 215 سم نسخة رومانية لاصل من نحت براكستليز، وقد استبدل رأسه فيما بعد برأس الشاب انطونيوس معشوق الامبراطور هادريان الذي مات غرقا، وهناك تمثال إله الحرب مارس بورغيزي بارتفاع 218 سم ، تمثال يمثل إله التجارة ميركوري او هرمس ارتفاعه 175 سم، تمثال الساتير مارسياس بارتفاع 200سم،تمثال ابوللو حامل القيثارة ، تمثال عاصب الجبين وهو نسخة رومانية لاصل اغريقي للنحات بوليكلايتوس في القرن الرابع ق.م.، تمثال للالهة البحر امفتريت ارتفاعه 168سم ، تمثالان ينسبان لفاوستينا الكبرى زوجة الامبراطور انطونيوس بيوس ، ارتفاع الاول 170 سم والثاني 174 سم ، نسخة رومانية من تمثال حامل الرمح للنحات الاغريقي بوليكلايتوس، نسخة رومانية من تمثال الاله هرمس للنحات الاغريقي ليسيبيوس في القرن الرابع ق.م.ارتفاعه 142سم، تمثال الالهة افروديت ارتفاعه 1.63 م، تمثال طفل ربما ساتير صغير ارتفاعه 82 سم، تمثال إله الطب اسكلبيوس ارتفاعه 149 سم، تمثال الهة النصر فيكتوريا ارتفاعه 95سم، تمثال صغير يمثل ديوسكوري ارتفاعه 89 سم،تمثال الاله باخوس ارتفاعه 97.5سم ، تمثال قاضي ارتفاعه 175سم ، تمثال فيكتوريا ارتفاعه 81 سم، تمثال افروديت ارتفاعه 144سم ، تمثال امرأة ارتفاعه 141 سم، تمثال الالهة ايزيس ارتفاعه 124 سم.والمجموعة الاخيرة تعرض في المتحف الوطني بطرابلس.كما يعرض في متحف لبدة تمثال لاسكلبيوس مؤله الطب واحد رعاة الحمامات، وتمثال للبطل هيراكليس، وتمثال الاله مارس جالسا، ويعرض في متحف ليبيا تمثال افروديت الذي اهداه موسوليني الى المارشال الالماني جورنج بمناسبة زيارته لبدة عام 1938 وأعيد التمثال الى موطنه عام 1999 ليعرض في متحف السراي (الوطني حاليا) ثم نقل الى متحف ليبيا الذي افتتح عام 2009.   
يراجع عن هذه الحمامات:
R. Bartoccini, Le Terme di Lepcis (Afrika Italiana: Monografie a cura del Ministero delle Colonie, IV), Bergamo, 1929.

الجمعة، 7 فبراير 2014

لوحة أثرية نهبت من شحات


نشرت المقالة في العدد 12 من صحيفة افاق اثرية الصادر في ديسمبر 2012
http://www.afaqatherya.com


من الاثار الليبية المنهوبة والمسترجعة
لوحة أثرية نهبت من شحات 


لوحة رخامية جزء منها ضائع ،ارتفاعها 23.5 سم وعرضها 30.5 سم، منحوتة نحتا بارزا عثر عليها في مدينة شحات الأثرية عام 1973 وهي تصور المؤله الإغريقي هيرمز (ميركوري عند الرومان) حيث صور عاريا على يسار اللوحة في وضعة مواجهة مرتديا قبعة مجنحة ويحمل صولجان أو عصاه الشهيرة التي يلتف حولها ثعبان وفي قمتها جناحان وتعرف باسم كيريكيون بالإغريقية (kerykeion) وكادوسيوس باللاتينية (caduceus) وربما يرتدي في قدميه نعل مجنح ليساعده على الطيران والتنقل بين المؤلهين فهو يعد في معتقداتهم رسول الآلهة الإغريقية والرومانية إلى البشر، ورب التجارة والمشرف على الرياضة، ويلاحظ انه صوّر في اللوحة يقبض على لجام احد أربعة خيول تمثل جزء من مركبة وهذه الخيول ترفع رجليها الأمامية لتدوس على ثعبان امامها يقف قرب هيرمز، ومن ناحية أخرى يبدو أن المنحوت يرجع إلى العصر الروماني وتحديدا ما بين القرنين الاول والثاني الميلاديين.
وظلت هذه اللوحة بعد العثور عليها عدة سنوات في شحات حتى سرقت عام 1999 ، ويبدو إنها هربت إلى مصر ومنها إلى إسرائيل ثم سويسرا حيث إشتراها احد تجار الآثار السويسريين في زيورخ، والذي باعها الى مزاد بيير بيرجي وشركائه (Pierre Bergé & associés) وهو مزاد للوحات الفنية متوزع بين فرنسا وبلجيكا ، عرض هذا المزاد هذه اللوحة للبيع بمبلغ 4200 يورو في مزاد علني اقيم في الصالة رقم 9 من Drout Richeilieu في باريس في يوم 1/12/2007 ومن خلال عرضه سواء في ذلك المزاد او في موقعه على النت ، تعرف عليها بعض علماء الآثار وتأكد لديهم إنها تمثل اللوحة المسروقة من شحات، تم التواصل مع أصحاب هذه القاعة حيث بذل البرفسور اندرية لاروند جهودا كبيرة لإقناعهم بتسليمها إلى ليبيا، وبالفعل سلمت هذه القطعة إلى مندوب ليبيا في اليونسكو في شهر فبراير عام 2008 الذي بدوره أرجعها إلى ليبيا. ومما تجدر الاشارة اليه ان وسائل الاعلام تناقلت انه كان معروضا في مزاد يسمى قاعة اثينا في باريس يملكها امريكي لها فروع في لندن و نيويورك ، لكن الواقع انه لا توجد في باريس قاعة تحمل هذا الاسم تبيع اللوحات الفنية، ومن خلال التقصي توصلنا انه كانت معروضة في المزاد الذي اشرنا اليه اعلاه.

ماذا تعرف عن المؤلهة ليبيا ؟








لم يرد اسم ليبيا الا في المصادر الاغريقية حيث كانت ليبيا عند الاغريق اسم لبلاد كان بعضهم يجهل موقعها مثل هوميروس (ربما عاش في القرن التاسع ق.م.)الذي ذكرها في موضعين في الاوديسة . اما عند هيرودوتوس في القرن الخامس ق.م. فقد كانت الارض الواقعة الى الغرب من وادي النيل حتى اعمدة هرقل عند جبل طارق تقريبا ، وكانت عنده احدى قارات العالم آنذاك اي اوروبا واسيا وليبيا.
اذاً الاغريق عرفوا ليبيا مكانا محدد جغرافيا ، وقبل تأسيس كيريني امرت كاهنة وحي دلفي باتوس ان يؤسس له مستوطنة في ليبيا ، وبعد تأسيس الاغريق لمستوطنتهم كيريني ظهرت في اساطيرهم الحورية قورينا التي ربطوها بالمؤله ابوللو واساطير اخرى ، والحورية هنا ما هي الا تجسيد او تشخيص للمستوطنة في شكل مؤلهة لتربط مع حزمة الاساطير الاغريقية وتكون قريبة لعقلية الاغريقي الذي كان ديدنه تجسيد ليس الظواهر الطبيعية فقط وتجسيد الهة لها بل ايضا تجسيد المواقع الجغرافية في شكل الهة او حوريات او ابطال ارتبطوا بالالهة الرئيسية عندهم اي آلهة جبل الاولمب.
وهكذا مادام الاغريق جسدوا مدينة قورينا في شكل حورية فانهم جسدوا قارة ليبيا في شكل مؤلهة ترمز لهذه القارة ، ووضعوا لها تاريخا اسطوريا حيث ربطوها بالالهة الاغريقية، فهي عندهم ابنة زيوس وايو (Io) ، وهي زوجة المؤله بوزايدون انجب منها اجينور (الذي ينحدر منه المصريون وفقا للاساطير الاغريقة) و بيلوس (جد الفينقيين ) ، كما ان البعض يربطها بالملك المصري الاسطوري ايبافو (Epafo) اي ايبيس بحيث جعلوها ابنته من زواجه من ممفيس (ترمز هنا لمصر) او من زواجه من Casseipeia ملكة اثيوبيا .
وعلى الرغم من هذا فان الاصل الليبي لهذه الربة هو الاقرب فالصفات التي تحملها قد يقربها من بعض الالهة الليبية والمصرية مثل نيت وتانيت ، والاغريق اخذوا هذه الصفات او الربة واطلقوا عليها تسمية ليبيا لربطها مكانيا بالمستوطنة التي اسسوها في افريقيا (ليبيا) ، اي ربط الجزء بالكل (قورينا / ليبيا). وربما اخذوا التسمية من الليبيين انفسهم فهيرودتوس يشير في الفقرة 45 من كتابه الرابع ان ليبيا اخذت اسمها من اسم امرأة محلية اسمها ليبيا ، قد تكون هذه المرأة مؤلهة تحمل ذات الاسم اخذها الاغريق وجسدوها في شكل الهة تحمل صفات ليبية او افريقية ، وعندما ننظر في الصورة التي ظهرت عليها المؤلهة في النحت الاغريقي او الروماني يلاحظ انها كانت تظهر بملامح ليبية وشكل ليبي ولاسيما ضفائر الشعر وجدائله الغريبة الشكل التي تظهر اسفل غطاء رأسها ، وطراز الشعر يختلف عن الشعر الذي جسد في المنحوتات الاغريقية والرومانية.
ويمكن مشاهدة هذه المؤلهة مع بعض المؤلهين المحليين في بعض المنحوتات ذات الطابع الليبي التي عثر عليها في بعض مواقع في الجبل الاخضر مرتوبة مثلا ، كما ظهرت منحوتات وتمثيلات طينية تمثل مؤلهة ليبية الى جانبها غزال يحتمل انها تمثل ليبيا.
ويلاحظ ان هذا الشكل الذي ظهرت به ليبيا لم يقتصر على المنحوتات بل ايضا على قطع العملة التي سكت في العصر الهلنيستي وبداية العصر الروماني .
ولعل اشهر تجسيد للمؤلهة ليبيا على النحت تلك اللوحة المنحوتة المعروضة في المتحف البريطاني والتي تجسد المؤلهة ليبيا تتوج الحورية قورينا التي بدورها تخنق اسدا وفقا للاسطورة الاغريقية. والواقع ان هذا المشهد رمزي قد يمثل سيادة مدينة كيريني على بقية المدن في ليبيا ، واعترافا بسيادة المستوطنين على اهل البلاد الاصليين ، فليبيا هنا ترمز الى الارض.
ويذكر باوزانياس ان سكان قوريني اهدوا عربة برونزية الى معبد ابوللو في دلفي كانت معروضة في ساحة المعبد ، وتجلس في العربة المؤلهة ليبيا تتوج باتوس الاول وتقود العربة الحورية قورينا ، يرجع هذا النحت الضائع الان الى القرن الخامس ق.م. ويبدو ان الملك اركسيلاوس الرابع هو الذي اهدى هذه العربة الى المعبد بمناسبة انتصار عربته في الالعاب البوثية عام 462 ق.م. وهذا العمل يرمز للسيادة الاغريقية على ليبيا.
وقد ظهر اسم المؤلهة ليبيا في بعض النقوش حيث ظهر اسمها الى جانب ابوللو والحورية قورينا في نقش عثر عليه في الاجورا. وهناك قاعدة رخامية في الاجورا ايضا تحمل نقشا مكرسا للمؤلهة ليبيا.
ولم يقتصر ظهور المؤلهة ليبيا في الاعمال الفنية على ليبيا فقط فقد ظهرت خارجها ايضا ، حيث ظهرت منحوتة تمثل او ترمز للمستوطنات الرومانية في ليبيا في معبد هادريان في روما الذي يرجع للقرن الثاني الميلادي، وهناك مشهد على فريسكو في بومبي به بعض النساء تمثل الاسكندرية وليبيا وافريقيا. وهناك ارضية فسيفسائية من ارمينيا (القرن الرابع الميلادي) تظهر به سيدة ومجموعة من الحيوانات المتوحشة الافريقية ربما ترمز السيدة الى ليبيا او افريقيا.
ومن العرض السابق يتضح ان المؤلهة ليبيا ربما كانت في الاصل معبودة ليبية اقتبسها الاغريق وجسدوها في شكل مؤلهة ترمز الى قارة ليبيا ، وارتبطت هذه المؤلهة بالحورية قورينا، وفي الغالب كان ظهورها في الفن الكلاسيكي رمزا للارض الليبية التي سيطر عليها الاغريق. كما يبدو انها كانت تحظى بالتقديس كمؤلهة عند الكثير من الليبيين الذين عاشوا بعيدا من المستوطنات الاغريقية في ليبيا.

نهب كنز بنغازي




نشرت في العدد الاول من صحيفة افاق اثرية 5 اغسطس 2011
www.afaqatherya.com/
حكاية وديعة مصلحة الآثار التي نهبت

من المصرف التجاري الوطني في بنغازي



وَعدنا القرّاء في العدد صفر من آفاق أثرية إننا سنقدم لهم معلومات مفصلة عن هذه الوديعة منذ تخزينها حتى سرقتها وما الجهود المبذولة لاستعادتها ، وهذه المقالة ترصد وتتبع حكاية الوديعة من عام 1940 إلى 2011 ، وفي البدء ينبغي تقسيم الوديعة إلى مجموعتين لان حكايتهما وتاريخ إيداعهما في المصرف مختلفة ، المجموعة الأولى ـ الأقدم ـ وتتبع مراقبة آثار شحات ، والمجموعة الثانية ـ الأحدث ـ تابعة لمراقبة آثار بنغازي.
 المجموعة الأولى : تمثلها كمية من المقتنيات الأثرية أغلبها من المعادن الثمينة  أهمها كميات كبيرة من العملة المتنوعة و مجوهرات وتماثيل ومقتنيات معدنية من الذهب والفضة والبرونز ومن المجوهرات المقلدة ، وقد بلغ عددها  حوالي 7100 ، لعل أهمها ما يقرب من 3300 عملة برونزية ، وحوالي 2300 عملة فضية ، وأكثر من 300 عملة ذهبية .
 وكانت هذه  المقتنيات  قد أودعت عام 1961 في البنك الوطني الليبي آنذاك  المصرف التجاري الوطني حاليا خوفا عليها من السرقة والضياع بسبب قيمتها وأهميتها ، إلا أنها لم توثق بالصور والوصف ، و غالبية  هذه المقتنيات تحصل عليها الايطاليون أثناء تنقيبهم في المواقع الأثرية في شرق ليبيا أهمها شحات وبنغازي وبعضها مجهولة المصدر ، وقد نقلت هذه المقتنيات الثمينة إلى ايطاليا في عام 1940 مع مقتنيات أثرية أخرى اهمها نافورة المايندات من طلميثة  لتعرض في المتحف الاستعماري الايطالي في نابولي ، وبقت هذه الوديعة في ايطاليا حتى عَلِمَ الأستاذ ريتشارد جودتشايلد (رئيس الآثار في المنطقة الشرقية) بوجودها هناك حيث سعى إلى إرجاعها إلى ليبيا عن طريق الدولة الليبية التي أفلحت جهودها بعد مفاوضات شاقة مع ايطاليا في عودة تلك المقتنيات إلى ارض الوطن عام 1961 وقد اشرف على هذه العملية وكيل وزارة الآثار والسياحة السيد عبد العزيز جبريل ، الذي استلم صندوقين خشبيين من ايطاليا مملوءة بالمقتنيات ، وقد قام الأخير بتسليمهما إلى رئيس الآثار بالمنطقة الشرقية السيد هاريسون الذي قام بفحص تلك المقتنيات وجردها وأخيرا ختم الصندوقين بالشمع الأحمر ثم أودعهما خزينة البنك الوطني الليبي في بنغازي بتاريخ 14/5/1961 ، وبعد مضي عدة سنوات شكلت لجنة لفحص هذه الوديعة ، حيث  فتح الصندوقان وتأكد من محتوياتهما السابقة وأعيد ختمهما في 12/5/1966 ثم أعيد فحصهما من جديد في 30/5/1974، وقد بقت تلك الوديعة منذئذ  في مكانها لم تمس حتى سرقتها، مع الإشارة إلى انه منذ سنوات فحصت بواسطة جهات أمنية في الدولة الليبية  للتأكد من الإخبارية التي تقول إن تلك الوديعة تتكون من سبائك ذهب تعود لعهد المملكة او المعارضة.
المجموعة الثانية : هي الوديعة التابعة لمراقبة آثار بنغازي والتي بلغت 1700 لقية أثرية وتراثية ، أهمها مجموعة من العملات الذهبية الإسلامية وعملات فضية وبرونزية إغريقية ورومانية وميداليات وروؤس تماثيل غير موثقة، إضافة إلى مجموعة كبيرة من مجوهرات فضية تقليدية ، ويرجع إيداع هذه المقتنيات في المصرف التجاري الوطني إلى عام 1980 ثم سحبت عام 1999 ، وأعيد إيداعها مرة أخرى للمصرف في 4/8/2007 بعد أن أضيفت إليها مجموعة أخرى من المقتنيات القيّمة ، حيث وضعت كلها في خزانة حديدية جديدة.
وفيما يخص سرقة الوديعتين فيبدو أنها وقعت أثناء الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 17 فبراير حيث هوجم المصرف التجاري الواقع في بداية شارع عمر المختار ببنغازي  وأحرق أغلبه ، ولا يعرف التاريخ الدقيق الذي اكتشفت فيه السرقة لكن يبدو أنها قد حدثت قبل 14/5/2011 وهو تاريخ الرسالة التي بعث بها المصرف إلى مراقبة آثار بنغازي والتي وصلتها يوم 25 من الشهر نفسه ، وبعد أن عاين  مجموعة من باحثي مراقبة آثار بنغازي وأساتذة من قسم الآثار بجامعة قاريونس موقع السرقة بتاريخ 12/6/2011  تبين إن السارقين قد ثقبوا سقف الحجرة الموجودة بها الوديعة والتي توجد أسفل ارض المصرف ، مما مكنهم من دخول الحجرة وكسر الخزانة الحديدية والصندوقين الخشبيين التي توجد بها الوديعة وسرقة غالبية محتوياتها، ومما يجدر ذكره إن الوديعة لم تنهب كلها فقد وجد بعضها مبعثرا بجانب الخزائن المنهوبة حيث قام بعض العاملين في المصرف بجمعها في صندوقين ونقلوها إلى مكان آخر ، وهذا حدث  دون أن تبلغ الجهة المتضررة  بما  حصل لوديعتها ، وقد قام  مجموعة من الباحثين من شحات وبنغازي بتاريخ 30/ 5/2011 بزيارة للموقع التي توجد به بقايا الوديعة التي لم تنهب ، وهذه الوديعة تحتاج إلى جرد لمعرفة ما سرق من هذه الوديعة ، إلا انه من خلال المعاينة الأولية اتضح أن غالبية الوديعة قد نهب لاسيما المقتنيات الثمينة منها.
ويمكن أن يضاف إن مراقبة آثار بنغازي وشحات قد أبلغتا جهات الاختصاص لمباشرة التحقيق في هذه الجريمة ، وأبلغت رئيس المجلس الوطني الانتقالي ، وعينت مصلحة الآثار محاميا لمتابعة التحقيقات ، وقد باشرت النيابة إجراءاتها منذ أيام ، و لا يعرف ما النتائج التي تم التوصل إليها، والكرة الآن في ملعب الدوائر الأمنية التي نتمنى أن تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد تلك الثروة المنهوبة، كما أن مصلحة الآثار من الضروري أن تكون أكثر فاعلية في حماية الآثار وتضع الخطط المناسبة لذلك.
وقد عَلِمَت مصادر آفاق أثرية  أن هناك كمية من العملات الذهبية بعضها إسلامية وأخرى إغريقية معروضة للبيع في سوق الذهب في بنغازي ، وقد أبلغت الجهات المختصة بذلك لمباشرة إجراءاتها ، ومن اجل التعميم على تجار الذهب بأن هناك كمية من العملات القديمة ومقتنيات ذهبية أخرى قد سرقت من المصرف التجاري ، والتبليغ في حالة عرض بعضها للبيع.
وفي الختام فان الصحيفة إذ تنشر تفاصيل هذه الوديعة وسرقتها فإنها تنبه إلى أهمية هذه المقتنيات الأثرية التي غالبيتها غير مدروس وغير موثق ، وإن ضياعها يعني فقدان ثروة أثرية لا تقدر بثمن كان مخطط أن توضع في المتاحف الليبية بعد أن تتوفر الحماية المطلوبة لها ، كما إنها تنبه إلى انه ينبغي زيادة الاهتمام بالآثار والمواقع الأثرية التي تتهددها الكثير من الأخطار.