الاثرون (البلدة الحمراء) في العصر البيزنطي
عندما يسير المرء عبرالطريق الساحلي الرابط بين سوسة و درنة فانه يترك الجبل الاخضر على يمينه و البحر على يساره تلفت انتباهه بعض القرى و المناطق الخلابة الجميلة حيث الجبل يعانق البحر ويجعله ينكسر مرتدا الى الخلف ناحتا باصابعه وجه ذلك الجبل ، هذه رأس الهلال بمناظرها الخلابة ، التي عرفت قديما باسم ناوستاثموس، و بعد مغادرتها وعلى مسافة تتراوح ما بين 9 - 10 كم ، يصادف المسافر قرية الاثرون ، التي تحوي بعض المعالم الاثرية قرب شاطئ البحر ، الرابضة على مسافة حوالي 350 مترا من الطريق الرئيسي.
ان هذه التسمية التي عرفت بها هذه القرية هي تحريفا للتسمية القديمة إريثرون (Erythron) التي ذكرها كتاب مسافات البحر الكبير لمؤلف مجهول في القرن الاول ق.م. وذكرها الجغرافي بطليموس في القرن الاول الميلادي ، وتعني التسمية اللون الاحمر لان المنطقة اشتهرت بلونها الاحمر من حيث لون طينتها و لون صخورها الى حد ما ، وقد اشتهر هذا الموقع الاثري في العصر البيزنطي فقد ذكرت اريثرون في بعض رسائل الاسقف سينسيوس (370-413م) حيث اشار في الرسالة رقم 53 الى بعض اساقفتها مثل اوريون (365-366م) والاسقف بول الذي كان معاصرا للفترة التي اصبح فيها سينسيوس مطرانا على الاقليم ، وقد سبق بول الاسقف ساباتيوس الذي مات في 401 م، اضافة الى ذكرها في رسائل ثيوفيلوس بطريرك الاسكندرية ، وهذا يؤكد انها كانت مركز اسقفية في القرن الرابع الميلادي ، وازدادت مكانتها الدينية في القرن الخامس بحضور بعض اساقفتها المجامع المسكونية مثل جالينكوس في مجمع افيسوس عام 449 م و يحتمل ان الاسقف دراكونتيوس الذي حضر مجمع خالقدونيا المنعقد عام 451 م ينسب الى اريثرون ، ولعلها ازدهرت بعد ان اصبحت ابوللونيا (سوزوسا = سوسة حاليا) عاصمة للاقليم في منتصف القرن الخامس الميلادي بسبب قربها المكاني من تلك العاصمة ، وربما رفعت الى مصاف المدن (polis) اسوة بقصر ليبيا التي عرفت بهذه الصفة. ومن المؤكد ان لهذا الموقع اهمية زراعية بسبب خصوبة وادي الاثرون ،وقد اشاد سينسيوس بالمياه العذبة بالاثرون حيث توقف بها هذا الاسقف في طريقه الى الاسكندرية منطلقا من ميناء فيكوس (رأس الحمامة) بعد ان قطع ما يقرب 60 كم بحرا ، حيث توقفت به السفينة التي تقله للتزود بالماء(رسالة رقم 53 تؤرخ قبل عام 398م) ، ويرجح البعض ان الميناء المشار اليه يعد جزء من خليج رأس الهلال لان لاثرون الحالية لا يوجد بها اي مرفأ ، وان المياه العذبة تتطابق مع عين تريتش قرب رأس الهلال ، واذا كان هذا صحيحا ، فان الاتساع المكاني للاثرون يشمل اجزاء من منطقة رأس الهلال ، وان هذا الامتداد لا يتفق مع الموقع الحالي للاثرون بل يتعداه شرقا وغربا ، وهذا يتفق مع ما يذكره سينسيوس عن اريثرون. كما يبدو ان للموقع مكانة دينية جعلت البيزنطيين يهتموا به ويشيّدوا به كنيستان في اوائل القرن السادس الميلادي ، وكان مقصدا للحجيج آنذاك.
وعلى الرغم من ان الاخوين بيتشي اول من زارا هذا الموقع الاثري عام 1821-1822 ولفتا الانتباه الى انه يقابل إريثرون عند بطليموس ، وهذا حال الرحالة باشو عام 1824 الذي توصل الى النتيجة نفسها ، الا ان جودتشايلد يعد اول من لفت الانتباه الى بقايا احدى الكنيستين (الشرقية) عام 1951 ، وهي التي كشف عنها الامريكي والتر ويدرنج (Widring) ما بين 1960-1962 واثناء تلك الحفريات كشف عن الكنيسة الاخرى (الغربية) ، وفي عام 1964 قام مراقبة الاثار بشحات باعمال ترميم لجدران الكنيسة الغربية ، كما اجريت على الكنيستين عدة دراسات من ويدرنج وجودتشايلد وورد بيركنز والاخيرين نشرت الاساتذة رينولدز عملهما عن الاثرون عام 2003 ، كما قامت البعثة الاثرية الفرنسية (2001-2003) باعمال ترميم وحفريات بالكنيسة الغربية نشر عنها البرفسور لاروند وميشيل دراسة قيمة عام 2004 ، وما زالت الاعمال مستمرة في الاثرون حيث انتقل الاهتمام الى الكنيسة الشرقية التي بدأ العمل بترميمها .
ومن اهم معالم الاثرون الاثرية كنيستان يبعدان عن بعضهما مسافة 200 مترا سميت احداهما بالكنيسة الشرقية والاخرى بالغربية وفقا لموقعهما ، وقد بنيا في منطقة مرتفعة عن سطح البحر ، ويجاورهما جبانة تكونت من مجموعة من مقابر في شكل حجرات منحوتة في الصخر تفتح على البحر، اضافة الى وجود معصرة زيتون وبعض البقايا الاثرية. وسيتم التطرق في هذه المقالة الى الكنيستين وستكون البداية بالكنيسة الغربية لانها بفضل الترميمات التي اجريت عليها اصبحت حالتها افضل من الكنيسة الشرقية.
الكنيسة الغربية :
عند النظر الى مخطط هذه الكنيسة يلاحظ انه مستطيل الشكل يمتد ضلعها الطويل من الشرق الى الغرب بمسافة 26 مترا ، ويمتد الضلع القصير من الشمال الى الجنوب بمسافة حوالي 15.65 مترا ، و يتم الدخول اليها من مدخل يتوسط الجانب الشرقي للكنيسة حيث يصادف الداخل قاعة مستطيلة تعرف اصطلاحا باسم (نارثيكس) تمتد بعرض الكنيسة وقد قسمت الى ثلاثة اجزاء بواسطة عقدين تحملها اربع دعامات ، وقد بقى من جدرانها سبعة صفوف حجرية اضيف اليها صفوف اخرى بعد الترميم ، وعن طريق هذه القاعة يتم الدخول الى اجزاء الكنيسة الرئيسة حيث توجد بها ثلاثة مداخل احداهما رئيسي مدعم بعوارض رخامية يؤدي الى الصحن بعد استعمال درجين ، اضافة الى مدخلين صغيرين يؤديان الى الجناحين ، ومن حيث مخططها الداخلي فهو لا يختلف عن سائر كنائس الاقليم اي الطراز البازيلكي الثلاثي الاجنحة حيث ان الكنيسة قسمت الى صحن مركزي (11 × 7.30 مترا) ـ اكبر اجزاء الكنيسة ـ يمتد من الشرق الى الغرب يحيط به جناحان من الشمال الى الجنوب (12.77 ×2.36 مترا)، وقد جاء هذا التقسيم الثلاثي عن طريق صفان من الاعمدة الرخامية يتكون كل صف من خمسة اعمدة التي رفعت على قاعدة حجرية من الحجر الجيري تمتد من الشرق الى الغرب ادت الى فصل الصحن عن الجناحين بارتفاع 63 سم ، يتوج هذه الاعمدة تيجان كورنثية من الطراز الثيوديسي (نسبة الى عصر الامبراطور ثيوديسيوس الثاني 408-450م ) والتي تميزت بأن زخرفتها تمثلت في صفين من اوراق الاكانثوس وزخرفة الوريدة ، يعلو تلك التيجان كتل حجرية مشطوفة الجانبين (او ما يشبه التيجان الايونية)، كل منها يحمل زخرفة صليب ، وبدورها تحمل الاجزاء التي يستند عليها السقف الخشبي . كما يلاحظ ان المسافة الفاصلة بين الاعمدة قد اقفلت بلوحات رخامية يزيد ارتفاعها عن متر زخرفت واجهتها بزخرفة هندسية تمثلت في مستطيلات متداخلة تحصر مُعينات متداخلة ينتهي بعضها بورقة نباتية ، وتحصر المعينات في مركزها صليب لاتيني ، كما زخرفت واجهتها الاخرى بمستطيلات متداخلة يتوسطها طغراء مستديرة تحصر في مركزها زخرفة نباتية ، ويخرج من الطغراء من الاسفل غصنان ينتهيان بورقة لبلاب تلتصق بقاعدة كلا الصليبين اللذين يحيطان بالطغراء.
كما يلاحظ انه في الناحية الغربية من الصحن توجد مساحة فصلت عن بقية الصحن و الحنية ، وهي الهيكل الذي يعرف اصطلاحا باسم (البيما ) ، والهيكل مساحة مربعة الشكل تتوسطها مائدة القرابين الرخامية ، كما يوجد هناك منبر صغير ، وقد حصرت هذه المساحة بواسطة دعامات رخامية مستطيلة مزخرفة الجوانب و ينتهي بعضها من الاعلى بنصف كرة رخامية ، وهي تحصر ما بينها لوحات رخامية لغلق الهيكل من ثلاث جهات زخرفت بزخارف مشابهة للوحات التي تفصل الصحن عن الجناحين ، الا ان بعضها زخرف بزخرفة المعينات المتداخلة وعلى الجانب الاخر زخرفة صليب . يمكن الدخول الى الهيكل عن طريق الحنية ، وعن طريق ممشى يطل على الصحن وهو محصور بدعامات ولوحات مثل بقية الهيكل الا ان دعاماته يعلوها عمود صغير. ويوجد خلف الهيكل حنية في الجدار الغربي في شكل ثلاث ارباع الدائرة بنيت من الحجر الجيري وغير بارزة عن جدار الكنيسة ، يزينها عمودان من الطراز الكورنثي على جانبيها ربما كانت تحمل قوس او ما يعرف بقوس النصر. يحيط بالحنية حجرتان صغيرتان يتقدم كل منهما حجرة امامية صغيرة تفتح على الرواق ،اهم هاتين الحجرتين الحجرة الشمالية التي يبدو انها استخدمت ضريحا حيث كشف بها عن قبر(تابوت) مستطيل على شكل صندوق ذخائر ربما وضعت به مخلفات احد الشهداء او الاساقفة ، وهي بهذا تشبه الكنيسة المركزية في سوسة وكنيسة رأس الهلال.يضاف الى ذلك وجود عدة قبور داخل الكنيسة حفرت اسفل الارضية حيث كشف المنقبين عن قبرين في الجناح الشمالي و قبرين في الجناح الجنوبي و قبر في القاعة الامامية (نارثيكس) ، وفي القبر الاخير عثر على مجموع كبيرة من العظام ترجع الى سبعة بالغين و طفلين ، كما احتوى قبر من قبري الجناح الجنوبي على اماكن تجميع عظام في شكل تابوت صغير مزود بغطاء ، ويبدو ان المقابر الاخرى قد انتهكت قديما ثم اعيد غلقها بعناية. كما تجدر الاشارة الى الاهتمام بتبليط الصحن بلوحات من رخام رمادي مزّرق ، وقد استغل الجزء السفلي من الصحن صهريجا لتجميع المياه واستغلالها في شؤون الكنيسة ، كما عثر على صهريج آخر في الجزء الشمالي من القاعة الامامية يؤدي في المهمة ذاتها . وقد دعم الجدار الشمالي للكنيسة بجدار آخر يبدو انه ليس لغرض دفاعي انما لتدعيم الجدار بسبب الرياح البحرية المحملة بالرطوبة والتي اثرت في متانة الجدار مما استلزم ترميمه. ويرجح ان هذه الكنيسة الجنائزية قد هجرت اولا حيث نقلت رفات الاساقفة التي كانت في الحجرة الشمالية الى حجرة تعميد الكنيسة الشرقية.
الكنيسة الشرقية:
سبقت الاشارة الى انها تقع الى الشرق من الكنيسة الغربية بمسافة 200 مترا ، وانها اقل حفظا منها ، الا انها اكبر حجما من الكنيسة الغربية حيث ان ابعادها 32 × 21.5 مترا ، ومخططها على غرار الكنيسة السابقة اي الطراز البازيليكي الثلاثي الاجنحة الا ان حنيتها تتجه نحو الشرق، وهي اقدم من حيث تاريخ البناء بحوالي 15 عاما على الارجح ، ويمكن ان توصف هذه الكنيسة بشيء من التفصيل من خلال مخططها الافقي و بعض بقاياها المتناثرة داخل الكنيسة وخارجها على النحو الاتي :
للكنيسة مدخل وحيد في الزاوية الشمالية الغربية يقود مباشرة الى القاعة الامامية (النارثيكس) ويبدو انه بديل عن المدخل الاصلي الذي كان يتوسط الجدار الغربي واغلق في مرحلة متأخرة ، و قد قسمت القاعة الى ثلاثة اقسام بواسطة عقود تمتد افقيا ، وتوجد ثلاثة مداخل مزينة جوانبها بالرخام في الناحية الشرقية من القاعة تؤدي بدورها الى الصحن والجناحين الجانبيين (الاوسط بعرض 2.5 مترا و الجانبيين بعرض مترين). المدخل الاوسط يؤدي الى الصحن الذي يعد اكبر اجزاء الكنيسة (21 × 9.5 مترا) والمبلط بلوحات رخامية كبيرة الحجم ، وقد فصل على الجناحين بصفين من الاعمدة الرخامية التي تحمل تيجان كورنثية يعلوها تيجان ايونية التي يفترض انها كانت تحمل الاقواس التي يستند عليها السقف. كل صف يتكون من خمسة اعمدة كان يوجد بينها شاشات رخامية لسد المسافات بين الاعمدة التي تسهم في فصل الصحن عن الجناحين. وقد بلطا الاخيران بلوحات حجرية من الحجر الرملي نفذت بطريقة زخرفية جعلتها تظهر في شكل جمالي بزخارف هندسية رائعة. اما الهيكل فيوجد في النهاية الشرقية للصحن متقدما عن الحنية ، يأخذ الشكل المستطيل (4 × 7.80 مترا) ومحاط بجدران تفصله عن الصحن الا انه مفتوح عن الحنية ويتوسطه مذبح رخامي مرفوع على قاعدة رخامية . وتقع الحنية النصف دائرية في الجدار الشرقية باتساع 2.5 مترا اضيق من عرض الصحن ، ويوجد بها بقايا مدرج (synthronon) ربما توجد علامات تؤكد مكان عرش الاسقف. يحيط بالحنية حجرتان جانبيتان يتقدم كل منهما حجرة صغيرة تفتح على الجناح وهي بهذا تشبه الكنيسة الغربية ، واذا كانت الحجرة الشمالية الشرقية لا تشكل اي اهمية معمارية ومتواضعة فان الحجرة الاخرى اي الجنوبية الشرقية فهي اكثر زخرفة حيث جدرانها كانت مملطة وقد استخدمت حجرة تعميد حيث يوجد في منتصف ارضيتها حوض تعميد صليبي الشكل استغل مدفنا حيث نقلت اليه عظام الحجرة الشمالية بالكنيسة الغربية بعد هجرها ، وقد بلطت ارضية هذه الحجرة بلوحات حجرية على خلاف الحجرة الاخرى التي تركت بدون تبليط وكان بالحجرة الاخيرة مدخلا اقفل فيما بعد يؤدي اليها من خارج الكنيسة في جدارها الشرقي.
ويرجح انها كانت تمثل كاتدرائية الاثرون اي انها كانت مقرا لاسقف هذه القرية. ويلاحظ ان جميع اعمدتها و بقية زخارفها الرخامية منتشرة على سطح الكنيسة وخارجها ، وقد بدأت البعثة الاثرية الفرنسية في ليبيا ترميمها هذا العام وخلال سنوات قادمة يمكن ان تكون في حالة افضل وتظهر نتائج جديدة تسهم في اعادة تركيب سجلها التاريخي.
تعليق على رخام الكنيستين:
من اللافت للانتباه في هاتين الكنيستين كثرة استعمال الرخام فيهما وهذا قد لايتناسب مع كون الكنيستين تقعان في قرية صغيرة ، ومن الصعب ايجاد تفسير منطقي للبذخ في تشييدهما لاسيما الكنيسة الغربية الا اذا اخذ في الاعتبار انها كانت كنيسة مقدسة يحج اليها مسيحي المنطقة ، وربما انفق عليها بعض الاغنياء و المانحين الذين يملكون اقطاعات زراعية لعبت دورا مهما في اقتصاد الاقليم ، كما انه لا يمنع افتراض ان الدولة هي التي صرفت لبناء الكنيستين. وهذا الاقتراح كان معتمدا في الاساس على ان استعمال رخام محاجر جزيرة بروكونيسوس الذي تنسب اليه اعمدة الكنيستين كان احتكارا امبراطوريا الى ان تأكد مؤخرا ان رخامها كان يتاجر فيه ايضا من قبل التجار ويمكن تصديره بدون اذن القسطنطينية .
ومن خلال الشكل العام للاعمدة الرخامية وبقية التجهيزات الاخرى يتضح ان بناء هذين الكنيستين كان مشروعا قد خطط له واستوردت مواد بنائه لاسيما الرخام من الخارج ، فالاعمدة منسجمة مع بعضها من حيث حجمها و طرازها و اصلها مما يوحي انها ليست مأخوذة من مبان سابقة مثل عادة البيزنطيين في اعادة استعمال المباني السابقة (spolia) بل استوردت جاهزة من مصدرها الاصلي ثم ادخلت عليها تعديلات في حجمها مثلا عند بناء الكنيسة .
وقد سبقت الاشارة الى ان الاعمدة مصدرها جزيرة بروكونيسوس والواقع ان هذا صحيح الى ابعد حد بعد ان تأكد ذلك من خلال الدراسة العلمية الدقيقة للرخام ، وكان من الطبيعي ان يتجه رأي الاثريين الذين درسوا الكنيستين الى ان رخامهما من بروكونيسوس وذلك بفحص تلك الاعمدة بالعين المجردة حيث ان ذلك الرخام يعرف من خلال لونه المميز وبعض مواصفاته الاخرى ، وهذا ما دعا وورد بيركنز الذي اهتم بدراسة مصدر الرخام في الاقليم للاشارة الى ان المصدر الرئيسي لرخام ليبيا في العصر البيزنطي كان محاجر جزيرة بروكونيسوس ، لكنه اضاف انه في حالة رخام الاثرون يبدو ان بعضه قد جلب من جزيرة ثاسوس . و تأكدت هذه النتائج من خلال الدراسة المعملية التي قام بها ثلاثة من الباحثين الايطاليين عام 2005 على 27 عينة اخذت من اماكن مختلفة من رخام الكنيستين فحصت عن طريق تحليل الاشعاع النظائري ، ومنظار التحليل الطيفي و البيتروغرافي اضافة الى استعمال الرنين الالكتروني المتوازي المغناطيسية(EPR) ، وقد اتضحت عناصر مكونات الرخام ومميزاته الدقيقة ، وللوصول الى مصدر الرخام قورنت نتائج التحليل بعدد 1346 عينة من 19 موقع اثري مختلف ، وقد بين ان غالبية رخام الاثرون (59%) مصدره محاجر بروكونيسوس ، والبقية (30%) اتت من رخام ثاسوس ، اضافة الى ثلاث عينات من باروس و مليتوس وافيون و العينات الاخيرة يبدو انها مأخوذة من مباني سابقة، ومما يلفت الانتباه ان رخام الاعمدة بقواعدها وتيجانها قد استورد من بروكونيسوس بينما رخام الالواح التي تغلق المسافات بين الاعمدة جلب من محاجر ثاسوس ، وهذا يعني ان الرخام المستعمل في كنيستي لاثرون لم يكن بالمصادفة انما اختير مصدرها عن قصد بحيث ان نوعية رخامها مناسب لوظيفته في الكنيسة ، كما انه قد يكون اقل تكلفة ، وهذا يفسر استعمال نوعين من الرخام وفي مكانين مختلفين في بناء الكنيستين.