المتاحف الأثرية في ليبيا ودورها في السياحة بين الواقع والطموح
توطئة :
ليس من الصعب إيجاد أو تقديم تعريف للمتحف فحتى غير المتخصصين يعرفون بأن المتحف هو ذلك المبنى الذي يعرض مجموعة من الأشياء قد تكون من الأشياء التاريخية أو العينات العلمية أو المنتجات الصناعية بغرض اطلاع الجمهور عليها أي أنها تفتح للمشاهدة بغرض التسلية والترفيه والدراسة أيضا يتميز هذا التعريف بالشمولية والعمومية وهناك العديد من التعريفات برزت من قبل المتخصصين تعد اكثر علمية فقد عرفتها المنظمة الأمريكية للمتاحف (AAM) " أنها تلك الأماكن التي تهتم بجمع التراث الإنساني والطبيعي والحفاظ عليه وعرضه بغرض التعليم والثقافة " أما منظمة المتاحف العالمية (ICOM) فتعرف المتحف على أنه معهد دائم لخدمة المجتمع لا يهدف إلى ربح مادي يعمل على جمع وحفظ وعرض التراث الإنساني والطبيعي والعلمي بغرض الدراسة والتعليم والمتعة "
[1] وهذا التعريف يشمل جميع المتاحف على اختلاف أنواعها ، التي تتمثل في أربعة مجالات أساسية هي 1- الآثار والتراث الشعبي ،2- الفنون الجميلة ،3- الصناعات ، 4- التاريخ الطبيعي .ويتفرع منها عدة فروع وأنواع تخدم الهدف الرئيسي من المتاحف .
* * *
والمتاحف الأثرية هي بيت القصيد هنا حيث تُعد من أقدم أنواع المتاحف ،وهي الأصل الذي اشتقت منه جميع أنواع المتاحف فيما بعد ، ويمكن تعريفها بأنها الأماكن التي تعرض بها البقايا والمخلفات الأثرية التي نتجت من الحفريات في المواقع والمدن الأثرية ،والتي ترجع إلي حضارات الأمم السابقة ، تشمل المعروضات الأدوات والأواني والمخلفات التي تبرز تاريخ شعب من الشعوب وحضارته سواء من الناحية الاقتصادية والدينية والاجتماعية والفنية .والزائر لهذا النوع من المتاحف يخرج بحصيلة ثقافية ومعلومات قيمة عن تاريخ الشعوب السالفة وحضارتها إذا ما توفرت في المتحف الإمكانات المادية من وسائل عرض تقنية و أيدٍ فنية مدربة تدرك الهدف الحقيقي الذي بنيت من أجله المتاحف . وهذا النوع من المتاحف لا تقتصر مهمته على العرض فقط ،فهو مؤسسة علمية تعليمية ثقافية مهمتها التنقيب عن الآثار لجمع المادة الأثرية بطرق علمية ، وصيانة اللقى والمخلفات الأثرية المعروضة في المتحف والمحافظة عليها من السرقة والعبث بها ،وإعداد الدراسات العلمية حول تلك الآثار . وإعداد البرامج التثقيفية والتعليمية والتربوية وفقا لاحتياجات المراحل التعليمية المتعددة ، والمستويات الثقافية المختلفة بحيث يكون المتحف على صلة وثيقة بالمجتمع وهذا من أسمى الأهداف التي من الضروري أن تبنى من أجلها المتاحف في الوقت الحاضر .
وانطلاقا مما سبق فإن المتاحف تقدم للمجتمع خدمات تعليمية ،وتحافظ على التراث الحضاري ، وتقوم بتفسير الماضي للمجتمع و تغذي غريزة الانتماء للوطن ، كما أنها تقدم الخبرات الفنية والجمالية ، وتهيئة الجو الترفيهي للمجتمع
[2] ،وهذه هي أهم وظائف المتاحف
[3].
وبناءََ على أن المتاحف الأثرية هي أماكن تعكس ماضي المجتمع الذي تخدمه ، ومرآة تبرز الحضارة التي كان عليها ذلك المجتمع ، إذا فهي من الأماكن التي يحرص السائح على زيارتها ، وبسبب أهميتها فهي تعد من أهم المعالم السياحية التي يحرص منظمو الرحلات السياحية أن يزورها السياح ، كما أن دوائر السياحة والحكومات تسعى إلى التعريف ببلدانها عن طريق المتاحف ،ويتمثل ذلك في الإنفاق على بنائها والحرص على انتشارها خاصة في المدن الرئيسية ،حيث أصبحت كل دولة تقيم متحفا وطنيا خاصا بها تحاول من خلاله إبراز تاريخ بلادها وحضارتها من خلال معروضاته التي تنتقى من اغلب المدن والمواقع الأثرية فالسائح الزائر للعاصمة فقط عند زيارته له يطلع على الكثير من آثار تلك المدن والمواقع دون الحاجة أن يزور تلك الآثار في مواقعها الأصلية ، وفي نفس الوقت تمثل المتاحف الوطنية العامة نوعا من الدعاية السياحية لتك المواقع بحيث يشحذ السائح همته ويزور تلك الآثار ، لذا يوصى بأن لا تعرض في المتاحف الوطنية جميع القطع الأصلية إنما نسخ عنها ، وتزود بالصور والمخططات للمواقع الأثرية البعيدة لكي يشتاق ويرغب السائح أن يزورها ، كما أن أسلوب العرض التشويقي من شأنه أن يعزز رغبة السائح في زيارتها .أما إقامة المتاحف الإقليمية فهو ضروري حيث أن السائح على الرغم من زيارته للمدن الأثرية والاطلاع على ماضيها العريق من خلال التجوال بين معالمها المعمارية من معابد ومقابر ومسارح وأسواق ومباني عامة وخاصة تعد زيارته ناقصة ومعلوماته مبتورة فهو لم يطلع على الحياة اليومية للسكان ماذا يفعلون ؟ ما أدواتهم ؟ أين الأشياء التي كانت تدفن معهم في قبورهم ؟ ما الذي عثر عليه أثناء التنقيب و الحفر في المدينة ؟ هذه أسئلة تدور في ذهن السائح ، ولايستطيع الإجابة عنها إلا وجود متحف تعرض به تلك الأشياء ، فمن خلال المتحف يتعرف السائح على الحياة اليومية ، والسياسية والتاريخية والاقتصادية وعلى العادات الاجتماعية والطقوس الدينية ويشاهدها عن قرب ، ويفضل الكثير من السائحين زيارة المتاحف مقارنة بزيارة المواقع الأثرية نفسها خاصة كبار السن أو من لا يستطع مجاراة الأدلة السياحيين بسبب صعوبة فهم اللغة أو ضيق الوقت ، بينما توجد في المتاحف وسائل الإيضاح السمعية والبصرية ومتوفرة بعدة لغات ، كما أن السائح له الحرية المطلقة في اختيار المعلومات التي يرغبها ، أو الأشياء التي يريد الاطلاع عليها ، وكلما كان أسلوب العرض ممتعا ومشوقا اقبل السياح على زيارة المتاحف والإفادة منها واستمتعوا بزيارتها ، وهي تعد في نفس الوقت ضرورية ومكملة لزيارة المواقع والمدن الأثرية .
* * *
لم تكن المتاحف بطبيعة الحال ابتكاراً حديثاً فأصولها ترجع إلى عصور عتيقة موغلة في القدم ،اتفق مؤرخو المتاحف على أن المبنى المسمى موزايون (Mouseion) الذي بناه بطليموس الأول (325-285 ق.م.) يعد أقدم متحف في التاريخ انطلاقا من انه كانت تعرض به بعض التماثيل ،إضافة إلى كونه مركزا علميا.بيد أن المفهوم الحديث للمتاحف لم يتبلور إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر عندما افتتحت بعض المتاحف في أوربة مثل متحف جامعة اكسفورد (1671) ومتحف الفاتكان (1750) ، والمتحف البريطاني (1753) ، ومتحف اللوفر (1793) وغيرها من المتاحف التي تعد تطورا لقاعات العرض الخاصة بأشكالها المختلفة التي شهدتها أوربة خلال العصور الوسطى وعصر النهضة
[4] .وعرفت المتاحف في الوطن العربي عن طريق المستعمرين الأوربيين وكان ذلك ما بين أواخر القرن التاسع عشرواوائل القرن العشرين .
وليس بمستغرب أن يقوم الإيطاليون-إبان احتلالهم لليبيا - بالاهتمام بإنشاء المتاحف خاصة بعد تزايد الاكتشافات الأثرية بعد البدء في الحفريات في الكثير من المواقع والمدن الأثرية مثل بنغازي ،و شحات ولبدة وطرابلس ،وزليطن وغيرها .ويُعد متحف مدينة بنغازي أقدم متحف أنشأه الإيطاليون في ليبيا وكان ذلك في عام 1912 م ، وقد عرضت داخله مجموعة من اللقى الأثرية تمثلت في منحوتات وشواهد قبور من منطقة الصابري ، واللقى التي عثر عليها في المفلوقة بسيدي حسين ، وبعض المنحوتات من شحات قبل إنشاء متحف بها ، وقد اقفل هذا المتحف الصغير عام 1928 عندما تزايد الاهتمام بآثار شحات ونقلت إدارة الآثار الإيطالية إليها. وينسب إلى هذه الفترة المبكرة أيضا إنشاء متحف للآثار في طرابلس في أوائل عام 1919 م داخل مبنى صغير يقع في الناحية الجنوبية من السراي الحمراء ، وقد عرضت به التحف الأثرية التي عثر عليها في أماكن متفرقة من منطقة طرابلس مثل قبور برج الدالية ،وفسيفساء دار بوك عميرة في زليطن ،وتماثيل عثر عليها في لبدة وصبراتة وغيرها ،وسريعا ما أقفل هذا المتحف ما بين الأعوام 1920-1923 م
[5]. وعندما تزايدت أعمال الحفر والتنقيب في المدن الأثرية وما نتج عنها من لقى أثرية تستأهل العرض نشطت السلطات الإيطالية في بناء المتاحف في المدن الأثرية الرئيسية مثلما حدث في شحات ،وصبراتة ،ولبدة في عام 1935 م ،وإعادة افتتاح متحف طرابلس فيما بين 1930-1935م ، و كانت توجد متاحف قبيل اندلاع الحرب الكونية الثانية مثلما في سوسة و شحات و المرج وطلميثة وبنغازي ولبدة وطرابلس وصبراتة ،والتي أقفلت و ضاعت الكثير من معروضاتها أثناء تلك الحرب .
ومن الضروري تقويم تلك المتاحف ،والتعريج على أسباب بنائها،وجدير بالقول في هذا الشأن إن المتاحف التي أنشأها الإيطاليون لم تؤسس لإغراض سياحية بل كانت ذات أهداف سياسية ثقافية من اجل ترسيخ فكرة الاستعمار وزرع فكرة أن ليبيا الشاطئ الرابع لإيطاليا منذ العصور القديمة ، حيث تم التركيز على عرض الآثار الكلاسيكية (الرومانية بصورة خاصة ) محاولة لمحو الجذور العربية والإسلامية لهذا الشعب ، كما كانت تلك المتاحف تبرز النشاط الأثرى لإدارة الآثار الإيطالية فظهرت متاحف في مواقع أثرية صغيرة لا يرجو منها تقديم الكثير باستثناء أنها تعد رافدا من روافد السياحة الداخلية إن جاز التعبير.وعند النظر إلى تلك المتاحف من الناحية التقنية والإنشائية ، يلاحظ أنها لم تقم في مباني أعدت لهذا الغرض، فقد استغلت مباني سابقة لم تكن مناسبة بأية حال أن تكون متاحف فمتحف طرابلس أقيم في البداية في مبنى كان يستغل مركزا للشرطة في العهد التركي ، وبعض المتاحف الأخرى لم تكن سوى صالات مسقوفة بألواح من الزنك أو الصفيح مثل متحفي طلميثة وسوسة ، ولم تزود بوسائل العرض المناسبة ،ويمكن أن يستثنى متحف الآثار الذي في السراي الحمراء حيث استغل هذا المبنى التاريخي متحفا واهتم به اهتماما كبيرا باعتباره المتحف الرئيسي في ليبيا ، ولم يكتب عن تلك المتاحف أي دليل سياحي أو اثري ، ولم تسجل محتوياتها تسجيلا علميا مما أدى إلى ضياع الكثير من المعروضات ، وعدم معرفة مصدرها الأصلي حتى ألان .
وقد أعيد افتتاح اغلب المتاحف في عهد الإدارة البريطانية (بعد عام1943) ،وأضيف لها متحف توكرة الذي افتتح لفترة مؤقتة خلال عام 1945 ليعرض اللقى التي وجدت في حفريات القبور التي أجراها ضباط من سلاح الجو البريطاني .ولم تكن تلك المتاحف احسن حالاً من مثيلاتها الإيطالية .
ويجدر الآن استعراض المتاحف الموجودة في ليبيا
[6] والتعليق على معروضاتها ووسائل عرضها،وما مدى أهليتها لتكون مصدراً لجذب السياح فهناك حاجة ملحة لإعادة دراستها بتحديد الوضع القائم وإدراك مدى فاعليته وإبراز مواطن الضعف والقصور ليتم تداركها :
1-المتحف الجماهيري بطرابلس:
يعد هذا المتحف من أضخم
[7] و أحدث المتاحف الموجودة في ليبيا والوطن العربي
[8] ،وقد بني في شارع استحدثه الإيطاليون داخل السراي الحمراء بتصميم اعد خصيصا لمتحف
[9] ،وقد أشرفت على بنائه وتجهيزه منظمة اليونسكو
[10] ،و افتتح للجمهور في 10/9/1988م، وجمع في داخله متاحف السراي الحمراء التي تكونت من المتحف الكلاسيكي (1919-1937)، ومتحف ما قبل التاريخ (1952) ، ومتحف الأزياء والعاديات (1953) ، ومتحف الجهاد الوطني (1970)، ومتحف التاريخ الطبيعي(1936)
[11] ، ومتحف النقوش الكتابية (1952)، إضافة إلى ذلك مجموعة من اللقى والآثار من اغلب المدن والمواقع الأثرية في ليبيا والتي تعبر عن التاريخ الحضاري للشعب الليبي ، لتحقيق الهدف الذي أنشيء من اجله هذا المتحف ليكون شاهدا على حضارة الإنسان الليبي عبر العصور حتى العصر الحديث . وقد قسم المتحف إلى أجنحة وصالات وفقا للتسلسل التاريخي ، فهناك جناح لما قبل التاريخ ، وآخر لفترة القبائل الليبية يليها التراث الليبي في العصر الفينيقي ثم العصر الإغريقي فالروماني والبيزنطي ، وهناك جناح خاص للحلي والمسكوكات ، ثم الاثار الإسلامية ،وجناح ليبيا عصر الجماهير ،وأيضا متحف التاريخ الطبيعي
[12]. وجدير بالذكر أن المتحف أعيدت له التسمية القديمة ،ويطلق عليه الآن مجمع متاحف السراي الحمراء.
2- المتحف الإسلامي بطرابلس :
يقع هذا المتحف بشارع سيدي خليفة بمدينة طرابلس ، وهو يشغل أحد المباني التركية (1832-1835) ،ويعرف محليا بقصر الكونتيسة ، وتم افتتاحه في 1/9/1973م ، وكانت تعرض به معروضات تعبر عن الحضارة الإسلامية في ليبيا من نماذج معمارية ومسكوكات وخزف ،ومخطوطات ، إضافة إلى النقوش العربية والتركية ،وأضيف للمتحف قسم خاص بالجهاد الليبي ،ولكن للآسف فقد نقلت اغلب معروضاته إلى المتحف الجماهيري عند الشروع في إعداده ،ولم يبق منه إلا بعض الأثاث والأشياء التي تخص الكونتيسة التي كانت مولعة بالآثار الإسلامية
[13].
3-متحف صبراتة الكلاسيكي:
يقع داخل المدينة الأثرية في صبراتة ، وقد أسس عام 1934، وأدخلت عليه الكثير من الإصلاحات والتعديلات في الفترة الأخيرة ، وتعرض فيه مجموعة كبيرة من اللقى المنقولة التي عثر عليها في الحفريات التي أجريت بالمدينة ، مثل الفخار والعملة والزجاج ، والعديد من المنحوتات الحرة والبارزة ،ونقوش لاتينية ،ولوحات جدارية ، وارضيات فسيفسائية ، وترجع كلها إلى العصرين الروماني والبيزنطي.
4- المتحف البونيقي بصبراتة :
هو متحف صغير يتكون من قاعتين فقط ، ولا يبعد كثيرا عن المتحف السابق ، وقد افتتح خلال عام 1985م ، وكانت اغلب معروضاته تعرض في متحف صبراتة الكلاسيكي ،والغاية من إنشائه إبراز التراث الفينيقي في هذه المدينة ، وتمثلت المعروضات في مجموعة من التماثيل وشواهد القبور البونيقية ، ومنحوتات بارزة نقلت من الضريح البونيقي ، ومقبرة بونيقية بكامل أثاثها الجنائزي من جرار وأواني فخارية مستوردة ، إضافة إلى لوحات القرابين النذرية
[14].
5-متحف جنزور الأثرى :
يقع هذا المتحف الصغير في جنزور عند الكيلو متر 13 غرب مدينة طرابلس ، وأقيم في منطقة الحفائر التي أكتشف بها مجموعة كبيرة من القبور البونيقية-الرومانية ، وبسبب أهمية تلك القبور واحتوائها على رسوم جدارية ، وتعدد أنواع اللقى التي وجدت بها تقرر إقامة متحف يشمل القبور نفسها بحيث يمكن النزول إليها ومشاهدة أسلوب الدفن الذي كان مستعملا آنذاك ، وتكون المتحف في الأعلى من مجموعة من الخزانات الجدارية عرض بها أنواع مختلفة من الأثاث الجنائزي ( جرار ، أواني فخارية ، مصابيح ،أدوات معدنية وغيرها )، افتتح المتحف عام 1977م
[15].
6- متحف لبدة الأثرى :
يرجع وجود متحف في هذه المدينة إلى عام 1927م،وبسبب ضيق المتحف القديم ،وكثرة المكتشفات الأثرية اصبح المتحف غير كاف لعرض التاريخ الحضاري لمدينة لبدة عبر العصور لذا ظهرت الحاجة الماسة لإنشاء متحف جديد يستوعب تلك المعروضات ، ويخطط وفقا لمتطلبات المتاحف الحديثة .عرض بهذا المتحف الذي افتتح في 18/9/1423، مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية تمثل- في تسلسل تاريخي - الأدوار الحضارية التي مرت بها مدينة لبدة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث، أبرزت تلك المعروضات الحياة السياسية والاقتصادية والدينية والترفيهية واليومية لهذه المدينة
[16].
7-متحف سرت:
يقع هذا المتحف بمنطقة المدينة (تصغير مدينة) التي كانت تسمى قديما سرت ، و تبعد عن سرت الحالية مسافة 55 كم ناحية الغرب ، وقد بني حديثا داخل المدينة الأثرية ،بغرض عرض اللقى الأثرية التي وجدت في حفائر المدينة التي بدأت منذ 1963 وما زالت مستمرة حتى الآن . تم افتتاح هذا المتحف في عام 1987م ، وتشمل معروضاته مجموعة من الآثار المنقولة مثل الأدوات الحجرية والأواني الفخارية والزجاجية ومجموعة من المسكوكات والنقوش والمصابيح ، اغلب تلك المعروضات ترجع إلى الفترة البيزنطية والإسلامية ، والقليل إلى الفترة البونيقية ، وعصور ما قبل التاريخ
[17].(المتحف مغلق الآن بسبب عدم توفر الحراسة ) .
8-متحف بنغازي :
على الرغم من أن هذه المدينة كانت تملك أقدم متحف أنشيء في ليبيا ، إلا أنها الآن لاتملك أي متحف ، كان يوجد بها متحف قرب ضريح عمر المختار تم افتتاحه عام 1977 وأغلق عام 1979، وكانت تعرض به مجموعة كبيرة من اللقى الفخارية والمصابيح وشواهد القبور والتماثيل وغيرها من المعروضات التي عثر عليها في حفريات سيدي خريبيش وفي قبور السلماني وسيدي حسين ،وأغلبها يمثل تاريخ المدينة منذ تأسيس يوسبريدس ثم برنيكي التي استمرت حتى العصر الإسلامي .
9-متحف العقورية (توكرة) :
أقيم هذا المتحف الصغير داخل المدينة الأثرية عام 1967 عقب اكتشاف كمية كبيرة من الأواني الإغريقية التي ترجع إلى فترة مبكرة وساهمت في التعرف على التاريخ الحقيقي الذي أسست فيه تاوخيرة ، وعلاقاتها الخارجية ، وهذا ما أبرزته المعروضات الفخارية بالمتحف ، وعرضت به أيضا مجموعة من النقوش ألقت بعض الأضواء على تاريخ المدينة .وقد فتح المتحف أبوابه للزوار في 18/4/1972م
[18] . (اقفل المتحف عام1990 بسبب تعرضه للعديد من السرقات ، وينتظر افتتاحه في الفترة القريبة ).
10-متحف طلميثة (الدرسية) :
مبنى صغير استغل متحفا قبيل الحرب الكونية الثانية ، ثم أعيد افتتاحه عام 1952م وحدثت عليه الكثير من التطورات خاصة في المعروضات ، التي شملت مجموعة من المنحوتات والأرضيات الفسيفسائية الرائعة والنقوش التي اكتشفت خلال الحفائر التي أجريت بالمدينة ، وتوضح التاريخ الحضاري لمدينة بطوليمايس .كما تعرض بالمتحف مجموعة من الأواني الفخارية الإغريقية ، وبعض التماثيل المبكرة ، ونقوش إسلامية عثر عليها بالمرج
[19].
11-متحف قصر ليبيا :
يقع هذا المتحف بمنطقة قصر ليبيا التي تقع الى الشرقمن مدينة البيضاء ، وافتتح هذا المتحف رسميا في 18/4/1972 م
[20] ،وقد خصص لعرض الأرضيات الفسيفسائية التي كشف عنها في الكنيسة الشرقية التي لا تبعد كثيرا عن المتحف ، وتعد الفسيفساء المعروضة اجمل ما عثر عليه من فسيفساء في ليبيا في العصر البيزنطي .
12-متحف البيضاء :
يقع عند مدخل مدينة البيضاء ، وقد افتتح في عام 1988م ليعرض مجموعة من اللقى الأثرية عثر عليها في موقع مدينة بلجراي تمثلت في أواني فخارية مختلفة الأحجام والأنواع ترجع إلى العصرين الإغريقي والروماني ، كما تعرض به أجزاء من منحوتات ونقوش رومانية ، إضافة الى عينات من التاريخ الطبيعي ، والمقتنيات الشعبية .
13- متحف النحت / شحات :
أعيد افتتاح هذا المتحف عام1945 م ، وكان يشغل مكان مبنى إيطالي يتكون من عدة قاعات خصصت لعرض المنحوتات التي عثر عليها في حفائر المدينة ، من بينها مجموعة رائعة من التماثيل الرومانية المنسوخة عن أصول إغريقية ، وعرضت به مجموعة من النقوش التاريخية مثل وصية بطليموس ، وقرارات أغسطس وغيرها ، إضافة إلى عينات من المسكوكات الإغريقية والرومانية والإسلامية ، واقفل المتحف في أواخر الثمانينات بسبب تصدع جدران المتحف .
14- متحف الحمامات / شحات :
متحف صغير أقيم في حجرة خلع الملابس بحمامات تراجان لعرض مجموعة من المنحوتات عثر عليها أثناء حفائر الحمامات لعل أهمها تماثيل الحسناوات الثلاث وتمثال الاسكندر الأكبر
[21] ، وقد اقفل المتحف بعد تعرضه للسرقة في أواخر الثمانينات .
(معروضات المتحفين السابقين موجودة ألان في المخازن ولا يوجد متحف بهذه المدينة الأثرية الهامة ) .
15-متحف سوسة :
كان يوجد هذا المتحف داخل أسوار المدينة الأثرية في قاعة كبيرة ترجع إلى العهد الإيطالي ، وتمثلت معروضاته آنذاك في مجموعة من النقوش والمنحوتات التي عثر عليها في حفائر المدينة وتلقي بعض الأضواء على تاريخها ، إضافة إلى لوحات فسيفسائية جلب بعضها من كنيسة رأس الهلال
[22]. وقد نقلت محتويات هذا المتحف لتعرض في متحف جديد اكبر حجما من سابقه ، أضيفت إليه العديد من المعروضات الجديدة لعل أهمها كمية كبيرة من الأواني الفخارية المختلفة الأنواع والأشكال ، التي عثر عليها في القبور الإغريقية بالمدينة ، إضافة إلى العديد من اللقى والنقوش التي تعود إلى العصر الهللنستي وحتى العصر الإسلامي ، ويمكن أن يشاهد الزائر له مجموعة من المكتشفات عثر عليها في البحر ، والكثير من الآثار الي تعبر عن انتشار المسيحية بهذه المدينة .
16- متحف القيقب :
شغل هذا المتحف قلعة القيقب التركية
[23] ، بعد ترميمها وإجراء الإصلاحات عليها حتى تصبح مناسبة أن تكون متحفا ، واحتوى المتحف على قسم للتاريخ الطبيعي من أحياء وجيولوجيا ، وقسم للعاديات والمقتنيات الشعبية والجهاد الليبي
[24].وافتتح المتحف للجمهور في 15/ 4/1975م .
17-متحف جرمة الأثرى:
بني هذا المتحف في مدينة جرمة الأثرية جنوب ليبيا ،وافتتح في أوائل السبعينيات ، وذلك ليكون سجلا حافلا لجميع المظاهر الحضارية والأثرية لوادي الآجال ومدينة جرمة القديمة
[25] منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الإسلامي . وقد تم إغلاقه منذ فترة ، وتجرى الاستعدادات على قدم وساق لإعادة افتتاحه قريبا .
هذه هي المتاحف الأثرية التي تضمها الأرض الليبية ، إضافة الى بعض المعروضات الأثرية التي تضمها معارض الجمعيات الاستكشافية مثل جمعية الهيلع في درنة ، ومعارض المقتنيات الشعبية مثل ما في غدامس ،ومكاتب الآثار مثل زليطن ومعارض الجامعات مثل معرض قسم الآثار بجامعة قار يونس ، و هذا لا يدخل في سياق موضوع هذا البحث .
ويمكن تقسيم المتاحف الأثرية سالفة الذكر الى عدة أنواع :
1- المتاحف العامة : والتي تعبر معروضاتها عن تاريخ ليبيا وحضارتها منذ أقدم العصور ، باختيار عينات أثرية من مدن ومواقع مختلفة ترجع للعصور التي مرت بها ليبيا ، تعرض وفقا التسلسل التاريخي ، وخير مثال على ذلك المتحف الجماهيري .
2- المتاحف الإقليمية :وهي المتاحف التي تعرض بها أثار مدينة او اقليم بعينه ، وهذه ترتبط عادة بالمدن الأثرية وتقام فيها مثل متاحف صبراتة ولبدة وشحات وطلميثة… وغيرها .
3- المتاحف التخصصية :وهي التي تختص بإبراز فترة حضارية واحدة مثل المتحف الإسلامي بطرابلس والمتحف البونيقي بصبراتة .
4- المتاحف الأخرى :ويمكن أن يندرج تحتها تلك المتاحف التي أقيمت بسبب اكتشافات مهمة ، وخير مثال على ذلك متحف قصر ليبيا ،ومتحف العقورية ومتحف جنزور .
وجاء الآن دور تقويم تلك المتاحف وإبراز سلبياتها وإيجابيتها ، وانعكاس ذلك على الحركة السياحية ، ومن الضروري أن يكون التقويم وفقا للمفهوم الحديث للمتاحف وللرسالة المرجوة من وراء إقامتها ، وسوف يكون التقويم من عدة جوانب عامة وخاصة :
أولا: التوزيع الجغرافي :
يلاحظ عند النظر الى التوزيع الجغرافي للمتاحف في ليبيا أنها تتركز في المنطقة الشمالية منها مقارنة بالجنوبية (تراجع الخارطة المرفقة)، فلا يوجد في الجنوب إلا متحف واحد هو متحف جرمة ،وهذا من شأنه أن يعمق الإحساس بأهمية الحضارات الشمالية_التي أغلبها قام بها غرباء عن أصحاب البلاد الأصليين-مقارنة بالحضارات التي شهدها الجنوب التي يغلب عليها الطابع الليبي الصرف ، ومن هنا وجب إعداد خطة طموحة بإنشاء عدة متاحف في الجنوب .
كما إن التوزيع الجغرافي لها لا يرتبط بالكثافة السكانية ،بقدر ما يرتبط بوجود آثار في المدينة أو القرية من عدمه فالكثير من المدن الرئيسية لاتملك متاحف مثل مصراتة والزاوية وسرت وبنغازي وطبرق وسبها ، مقارنة بالمدن الصغيرة التي تملك متاحف مثل جرمة و العقورية والدرسية والمدينة وسوسة وغيرها، وكان يفترض أن تقام متاحف في المدن ذات الكثافة السكانية حتى ولو لم تملك أية معالم أثرية بسبب أن تلك المدن تملك المرافق الأساسية للسياحة ، وتوجد بها كثافة سكانية فتكون محط أنظار السياح لزيارتها ومثلا على ذلك مدينة سبها عاصمة مدن الجنوب كان الأجدى أن يقام بها متحف بسب كثرة زوارها وأنها رمزا لمدن الجنوب ، يهتم بالحضارات العريقة التي شهدتها هذه المنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الإسلامية
[26] .وعلى الرغم من أهمية إقامة المتاحف في المدن الأثرية إلا انه يفضل في بعض الحالات إقامة متاحفها بعيدا عنها إذا كانت هي تقع في منطقة نائية وبجانبها مدينة رئيسية الأفضل إقامة المتحف بها على سبيل المثال متحف المدينة ( سرت القديمة) كان من الضروري إقامته في سرت ذلك أن هذه المدينة يأتي إليها الكثير من الزوار على المستوى الدبلوماسي والسياسي والمحلي ، ويلاحظ المتتبع لحركة متحف المدينة أن الإقبال على زيارته غير شديدة ويظل أياما مقفلا ، وهذا ينطبق على متحف جرمة أيضا ،ولكن على وجه التقريب.وعند النظر كذلك الى مدينة بنغازي ثاني مدينة في ليبيا فانه لا يوجد بها أي متحف الآن على الرغم كثافتها السكانية ووجود آثار بها ، ويوجد مشروعان لإقامة متحفين بالمدينة ولكن لم يتحقق أيا منهما ، ويفترض في هذا الصدد أن تتضافر الجهود لإقامة متحف واحد بالمدينة على غرار المتحف الجماهيري بدلا من تشتيت الجهود في متحفين ، أو إقامة متحف اثري وآخر عسكري فالمدينة وليبيا في حاجة لهذا النوع من المتاحف . وليس هذا فحسب فمن الضروري إقامة متاحف عامة مثل المتحف الجماهيري في المدن الرئيسية لتوضيح التاريخ الحضاري لهذه البلاد . كما يجب استغلال المدن التي يقبل عليها السياح بسبب بعض المعالم السياحية ولا يوجد بها معالم أثرية بارزة مثل مدينة طبرق وبناء متحف اثري ضخم بها بحيث يكون قبلة للسياح الذين يأتون إليها لزيارة مقابر الحرب الكونية الثانية ، وهذا نوع من الدعاية لآثار ليبيا وحضارتها لان بعض أولئك السياح يزرون طبرق فقط ويرجعون عن طريق مصر دون أن يعرفوا أي شي عن الماضي العريق لليبيا وآثارها .كما يجب الاهتمام بالمتاحف في المدن الأثرية الرئيسية ،وأن تصبح عامل جذب للسائح عند زيارته لتلك المدن فيقبل على زيارتها ، ولكن يلاحظ عند النظر الى مدينة شحات أنها الآن لا تملك أي متحف على الرغم من الثروات الأثرية التي توجد بها وتعد عامل جذب للسياح فلو تم إنشاء متحف كبير بهذه المدينة لازداد عدد السياح ، وزاد إقبالهم على زيارة معالمها .كما يجب أن يتبوأ المتحف موقعا مميزا في المدينة بحيث يمكن الوصول إليه بسهولة ، وألا يكون في مكان نائي ومعروف لدى الجميع ، واغلب متاحف ليبيا تقع داخل المدن الأثرية باستثناء المتحف الجماهيري _الذي بني داخل السراي الحمراء _ وعلى الرغم من شهرة هذا المبنى ألا أن المتحف يكاد يختفي داخلها ، ولا يطل على الخارج إلا بمسافة ضيقة تتمثل في باب ضخم في أحد جوانب السراي ذات الجدران المرتفعة ، ومدخل المتحف لا يكاد يرى لكل داخل للساحة الخضراء التي تطل عليها السراي الحمراء ، لذا كان من الأفضل أن تقام المتاحف في أماكن بارزة حتى يصل إليها السياح بسهولة ودون معاناة .
إذاُ تحتاج المتاحف الى إعادة توزيع من جديد من الناحية الجغرافية وفقا لما ذكر أعلاه ( تراجع الخارطة المرفقة) ، ببناء متاحف جديدة وتطوير المتاحف القديمة ، وإعادة إفتتاح المتاحف التي اقفلت بسبب عدم حمايتها بشكل مناسب ، وتعرضها لسرقات عديدة ، وذلك حتى تساهم في تنشيط الحركة السياحية .
ثانيا:عمارة المتاحف وتصميمها :
لقد جرت العادة أن تستغل المباني التاريخية من قلاع وقصور لإقامة المتاحف بعد إجراء التعديلات والإصلاحات عليها حتى تكون ملائمة للمعروضات ، وعلى الرغم من أن هذا قد يأتي على حساب تلك المباني فقد لايهتم السائح أو الزائر بالأثر المعماري ، وينصب اهتمامه بالأشياء المعروضة ، كما أن التعديلات تضر كثيرا بالشكل العام لتلك المباني ويفضل في هذا الشأن أن تقام متاحف بها ترتبط بالمباني التاريخية مثل أن تستغل القلاع في إقامة المتاحف العسكرية والمنازل القديمة للمقتنيات الشعبية التي تعود إلى نفس الفترة ، والمحافظة على المبنى كتراث تاريخي من حق الجميع الاستمتاع برؤية ما كان عليه في الماضي، وقد استغلت العديد من المباني القديمة كمتاحف في ليبيا مثل قلعة القيقب والسراي الحمراء وقصر الكونتيسة …وغيرها وهذه ينطبق عليها ما قيل أعلاه .كما أن الكثير من المتاحف قد شغلت مباني كانت تستخدم لإغراض أخرى مثل متاحف صبراتة وطلميثة وقصر ليبيا والبيضاء وسوسة ، إذاً هي غير مهيأة أن تكون متحفا ، وهذا ينعكس على نجاح المتاحف في أداء رسالتها وما مدى ملاءمتها لاستقبال السياح . وهناك نوع آخر من المتاحف بني أساسا ليكون متحفا مثل متاحف جنزور و المدينة والعقورية وجرمة والمتحف الجماهيري ومتحف لبدة ، باستثناء المتحفين الأخيرين يلاحظ إن تلك المتاحف بسيطة جدا لا تعدو أن تكون إلا مساحات مربعة مسقوفة ومقسمة من الداخل إلى قاعات صغيرة ، ومثل هذه المتاحف لا يوجد بها مرافق ملحقة بها ، ولا تستوعب الكثير من السياح دفعة واحدة ، والبعض منها لا يملك أي شكل مميز حتى تجذب المتاحف الأنظار ليس بمحتوياتها فقط بل أيضا بشكلها الخارجي المتميز سواء من حيث ضخامة المبنى أو من حيث طرازها ، فالشكل الخارجي قد يعد عاملا مهما في الدعاية للمعروضات التي داخل المتحف والإقبال على زيارته.ويعد متحفا لبدة والجماهيري من افضل المتاحف التي خططت وفقا لمخطط حديث مدروس روعيت به المعايير الأساسية في تشييد المتاحف
[27] . لكن يلاحظ على هذه المخططات الحديثة أنها غير منسجمة في عمارتها مع الطابع المحلي ، الشكل العام لها قد تصادفه في أية دولة ، لذا يفترض أن تعبر المتاحف عن طابع العمارة المحلية ، وهذا يجعلها مباني مميزة وكلما كان طرازها لافت للانتباه و مستمد أصوله من العمارة المحلية كان إقبال السياح عليها إعجابا بطرازها المعماري أولا وبما تحويه ثانيا ، ومن جهة أخرى فهي بهذا تساعد في تعميق الإحساس بالذات القومية لأفراد المجتمع
[28] .
ثالثا : طريقة العرض المتحفي :
إن المتاحف ليست مهمتها حفظ الآثار فقط ، وإذا كانت كذلك فهي مخازن للاثار وليست متاحف ، وفي الحقيقة فان الكثير من المتاحف في ليبيا لا تعدو كونها مخازن للتحف الأثرية بسبب ان المتحف عبارة عن أروقة مزودة بخزانات عرض توضع بها المعروضات أو تخزن بها ، أو بسبب احتواء المتحف على كميات كبيرة من التماثيل والأواني الفخارية واللقى الأخرى وضعت دون نسق محدد وعرضت في أسلوب مشوق حيث تبدو مكدسة مثل المخازن مثل متحف صبراتة وبعض قاعات المتحف الجماهيري ومتحف لبدة ، وطريقة العرض هذه لا تجذب السياح بل الأمر خلاف ذلك ، إذاً من الضروري ان يكون العرض المتحفي مبنيا على قواعد علمية وفنية صحيحة تتلخص في الاتي :
1- عدم تكديس المعروضات في خزانات العرض لان ذلك يفقدها قيمتها العلمية والجمالية و لا يهتم بها السائح .
2- تصنيف المعروضات وفقا للنوعية أو المادة أو الاستعمال ، وتكون منسجمة معالهدف الذي وضعت من أجله مما ييسر على السائح سهولة الاتصال بها ويدرك أهميتها .
3- توفير الإضاءة المناسبة سواء طبيعية أو صناعية لإظهار قيمة وجمالية الشيء المعروض التي ترتبط بمكانه وزاويته .
4- استعمال وسائل الإيضاح السمعية والبصرية المناسبة للمعروضات .وغيرها من الأمور التي لا يسع المجال لذكرها هنا .
وعند النظر الى الشروط السابقة وتطبيقها على المتاحف في ليبيا يمكن ملاحظة الآتي:
1- إن اغلب المتاحف تعرض معروضاتها وفقا للتسلسل الزمني سواء من حيث القاعات أو من حيث الخزانات مثل المتحف الجماهيري ، أو تقسم المعروضات الى مجموعات مثل النحت كمجموعة والفخار مجموعة.. وهكذا مثل متحف صبراتة ، وهناك طريقة أخرى طبقت في متحف لبدة وهي تقسيم المعروضات وفقا لوظيفتها بحيث تكون قاعة للحياة الدينية وأخرى للحياة الاقتصادية وهكذا بحيث تعرض في كل قاعة أنواع مختلفة من الآثار تربط بينها وظيفتها وليست نوعيتها أو مادتها .وكل نوع من أنواع العروض السابقة له مميزات وعيوب فالبعض منها قد يتفق مع السائح ولا يتماشى مع الدارس أو الباحث ، عموما يجذب السائح -في الغالب - الطريقة الأخيرة التي يطلع من خلالها على الحياة اليومية القديمة .
2- طريقة العرض المتحفية في الكثير من المتاحف غير خاضعة لأية قواعد علمية أو فنية فهي عبارة عن أماكن عرض لبعض الآثار فقط ،إذا هي لا تجذب السائح إليها مطلقا .
3- أما الإضاءة فيفضل ان تكون طبيعية لانها لاتضر بالأشياء المعروضة لان مهمة المتحف المحافظة على معروضاته وليس إتلافها ، ولتوفير الإضاءة الطبيعية يجب ان تؤخذ في الحسبان عند تصميم المتحف منذ البداية إلا انه يصعب التحكم في تلك الإضاءة وتوجيهها في صالح العرض والزائر معا ، أما إذا لم تتوفر فيلجأ الى الإضاءة الصناعية التي تضر بالآثار خاصة على مدى بعيد على الرغم من وجود إضاءة صناعية اقل ضررا يجدر استعمالها في المتاحف وتوجيهها بما يخدم طريقة العرض المتحفية .وقد لوحظ ان اغلب متاحف ليبيا تستخدم الإضاءتين الطبيعية والصناعية جنبا الى جنب وبدرجات متفاوتة ، إلا ان الكثير من المتاحف تستعمل الإضاءة الصناعية في إبراز المعروضات بتسليط الضوء المباشر عليها وعلى الرغم من ان هذه الطريقة تكسب الشيء المعروض جمالا آخذا إلا ان هذا يضر بالأثر على المدى البعيد ، وقد طبق هذا في المتحف الجماهيري والمتحف البونيقي بصبراتة ، ومن الضروري ان تكون المصابيح مناسبة لأثاث المتحف ومخفية قدر الإمكان فلا تستعمل الثريات المبهرجة اللافتة لانتباه السياح اكثر من المعروضات نفسها مثل ما في متحف لبدة ، وكلما استعملت الإضاءة بطريقة سليمة فهذا ينعكس على سلامة العرض والمعروضات
[29]، وتعد من مظاهر الجذب للسياح تظافرا مع العوامل الأخرى .
4-ان الوسائل التوضيحية المستعملة في اغلب المتاحف في ليبيا لا تعدو كونها لوحات توضيحية مقروءة مثل الخرائط و المعلومات التاريخية المكتوبة وبعض الوسائل الأخرى المكتوبة باللغة العربية فقط ، وهذا يجعل السائح من الصعب ان يتعامل معها ، وعلى الرغم من بساطتها الا انه يجب ان تكتب بعدة لغات لو أريد بها ان تكون ذات نفع للسياح ،وحتى تكون وسائل الإيضاح ذات جدوى يفضل استعمال التقنية السمعية والبصرية ( Audio-Visual Media)
[30] ، حيث تزود المتاحف بشاشات عرض في أروقتها تعرض لتاريخ وآثار المنطقة المعنية ، او تعرض أفلام وثائقية عن المناطق الأثرية التي أتت منها المعروضات ، او شرائح ملونة عنها ،او الحاسب الآلي المبرمج بمعلومات يمكن للسائح الحصول عليها بضغط زر واحد فقط ،إضافة الى الوسائل السمعية المتمثلة في معلومات مسجلة تذاع في القاعات بمكبرات الصوت او الهواتف ،ويفضل ان تكون تلك الأجهزة في متناول السائح ويتعامل معها لوحده ، وذلك حتى لا تفرض عليه فرضا وتعد من وسائل جذب السياح للمتحف ، لم تطبق هذه الطريقة المتطورة الا في المتحف الجماهيري وبشكل اقل في متحف لبدة ، وبعد مضي عدة سنوات على افتتاح هذين المتحفين تحتاج تلك التقنية الى تطوير وصيانة فاغلب الأجهزة عاطلة . ويفترض ان تطبق هذه التقنية في اغلب متاحف ليبيا وبعدة لغات حتى يمكن بواسطتها الدعاية لحضارة ليبيا وأثارها ومن شأن هذا ان يحفز السياح على زيارة المتاحف والاستمتاع بمعروضاتها ومن ثم التشوق لزيارة المدن والمواقع الأثرية .
5- تحتاج المتاحف الى الدعاية حتى تكون قبلة للسياح وللزوار ، تتمثل هذه الدعاية في ابسط صورها في إصدار الادلة الاثرية عن معروضات تلك المتاحف وان تكون بعدة لغات ومتيسرة للسياح وباسعار معقولة ، والمتاحف في ليبيا فقيرة جدا في هذا الجانب ، من الضروري ان تتكفل مصلحة الاثار اوالهيئة العامة للسياحة بإصدار كتيبات سياحية عن المتاحف وأن تتم مراجعتها من قبل المتخصصين ، إضافة للإعلان عن المتاحف في وسائل الاعلام المختلفة مرئية و مسموعة في الداخل والخارج ، كذلك إصدار ملصقات عن بعض معروضات المتاحف وتعليقها في المكاتب السياحية المشهورة لجذب السياح ، وإستغلال وسائل الاتصال الحديثة في الدعاية للمتاحف والترغيب في زيارتها مثل الاقمار الصناعية ،وشبكة الانترنيت . كما ان من شأن إقامة المعارض المؤقتة في المتاحف بإستجلاب او استعارة معروضات من متاحف اخرى والدعاية لها ان يجعل السياح يقبلون على زيارتها ، وكلما زاد عنصر التشويق في المعروضات زاد عدد الزائرين ، كما أن ثبات طريقة العرض والمعروضات من شأنه ان ينفر السياح من إعادة زيارتها فمن الضروري التجديد في المعروضات وأسلوب عرضها .وهذا لا يوجد في متاحف ليبيا فكل زائر لمتحف من النادر ان يعيد زيارة نفس المتحف مرة أخرى .
رابعا :علاقة السياح بالمتاحف :
وإذا كان واقع المتاحف في ليبيا هكذا ،ومازالت السياحة في بدايتها فلا يتوقع ان يكون إقبال السياح شديدا على المتاحف ، اغلب السياح يأتون الى ليبيا من خلال مكاتب في شكل أفواج سياحية برنامجها محدد وكثيرا ما تستبعد المتاحف من برامجها إما جهلا من المنظمين بتلك المتاحف واهميتها ، او ان المتاحف في حد ذاتها لم تستطع أن تشد اليها انظار المشرفين على البرامج السياحية والذين كثيرا ما يحددون برنامج الزيارة قبل مجيئهم الى ليبيا ، لذا لم تشهد المتاحف اقبال السياح عليها بسبب واقعها ،وللأسف لا توجد إحصائيات لزوار المتاحف من السياح
[31] حتى يمكن إجراء المقارنات اللازمة الا ان المتتبع لحركة المتاحف يدرك ان زوارها من السياح قلة ولو طبقت البرامج الطموحة المقترحة للمتاحف التي ذكرت أعلاه لزاد الاقبال على المتاحف ليس من قبل السياح فقط بل حتى من قبل الزوار المحليين ..
خامسا : دور العناصر البشرية :
يعول على العناصر البشرية المدربة كثيرا في إدارتها للمتاحف ، فهذه المؤسسات ذات الرسالة العلمية والتعليمية والثقافية ما كان لها ان تؤدي رسالتها على احسن وجه إذا لم تتوفر العناصر الكفوءة لإدارتها والإشراف عليها سواء من الناحية الإدارية أو الفنية أو التنشيطية وذلك بإعداد البرامج للرفع من مستوى أداء المتحف ومواكبته لتطور العصر ، وهذه العناصر لن يتأتى لها ذلك إلا إذا كانت مؤهلة في هذا المجال ، وفي غياب المتخصصين في علم المتاحف - مثلما في ليبيا - لن يستطع المتحف ان يؤدي رسالته حتى إذا توفرت الأموال لبنائه والأنفاق عليه بسخاء ، فالبناء المادي من الضروري ان يتبعه أو بالأحرى يسبقه بناء وتطوير العنصر البشري لان الأخير سيخطط للمتحف منذ كان فكرة حتى يصبح واقعا ملموسا ، وان وجود المتخصصين بالمتاحف في ليبيا من شأنه ان يحقق البرامج الطموحة التي تهدف الى تطوير تلك المتاحف وتكون عامل جذب للسياح .
ومما تقدم يمكن القول إن نجاح المتاحف في أداء رسالتها على احسن وجه يتوقف على عدة عوامل منها قيمة الأشياء المعروضة وارتباطها بالهدف الأصلي من المتحف ، وحسن العرض ،والقدرة على التشويق ، وسهولة الإرشاد وقوة الدعاية والقدرة على اجتذاب السياح والزوار .وحتى يحدث ذلك يتطلب الاهتمام بها والإنفاق عليها لتظهر بالمظهر اللائق وتلعب دورا في النهوض بالحركة السياحية التي زادها الآثار والمتاحف .
[1] -يراجع للمزيد عن تعريف المتاحف ومفهومها :عبد الرحمن الشاعر ، مقدمة في تقنية المتاحف التعليمية،( الرياض : 1992) ص ص.4 ومايليها.
[2] -يراجع عن دور المتاحف في الترفيه: عياد العوامي ،"المتاحف ودورها في مجال الترفيه " آثار العرب ،7-8 (1995)ص ص.27-29.
[3] -يراجع للمزيد عن ذلك : صالح ونيس ، " مفهوم المتاحف وطرق حمايتها " الثقافة العربية 3 (1986) ص ص.8-23 .
[4] -يراجع عن تاريخ تطور المتاحف :فوزي الفخراني ، "متاحف الآثار نشأتها وتطورها " مجلة الحصاد ص ص.1-5؛ عياد العوامي، مقدمة في علم المتاحف ( طرالبلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع، 1984 )، ص ص.13-26.
[5] -محمود النمس و محمود ابوحامد ، دليل متحف الآثار بالسراي الحمراء بطرابلس ( منشورات مصلحة الاثار،طرابلس :الدار العربية للكتاب ، 1977 ) ص.33.
[6] -تختلف قائمة المتاحف هذه عن القائمة التي وردت في كتاب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، دليل المتاحف في الوطن العربي ،( القاهرة :1973 ) ص ص.65-78 .
[7] -تبلغ المساحة الإجمالية للمتحف حوالي عشرة آلاف متر مربع ، ويتكون المتحف من أربعة طوابق متناسبة مع ارتفاع مبنى السراي .
[8] -يراجع عن ذلك :M. Bouchenaki, "The Libyan Arab Jamahiria Museum: a first in the Arab World" MUSEUM 164(1989) 230-232 .
[9] -يعاب على هذا التصميم انه غير منسجم مع الطراز المعماري للسراي الحمراء فهو ذو تصميما حديث داخل مبنى قديم .
[10] -يعد العقد الذي أبرمته ليبيا مع اليونسكو عام 1980 من اضخم العقود الودائعية ، فقد اودعت ليبيا لحساب تلك المنظمة مبلغ (34344000 دولار) لإنشاء ذلك المتحف ، يراجع في هذا الشأن :حسن نافعة ، العرب واليونسكو ،( الكويت ، سلسلة عالم المعرفة ، رقم 135: 1989)ص.262 .
[11] -يراجع عن هذا المتحف : عياد العوامي ، دليل متحف التاريخ الطبيعي ، (طرابلس :منشورات مصلحة الآثار ، 1976).
[12] -يراجع للمزيد عن هذا المتحف :عبد الله شيبوب (وآخرون ) ، المتحف الجماهيري ،(منشورات مصلحة الآثار ومنظمة اليونسكو:1988) ؛ محمد فكرون ، "المتحف الجماهيري" آثار العرب 3 (1991) ص ص.108-116.
[13] -يراجع عن هذا المتحف : سعيد علي حامد ، المعالم الإسلامية بالمتحف الإسلامي بمدينة طرابلس ،(منشورات مصلحة الآثار:1978) ؛ جمعة عبد الصبور، "جولة داخل المتحف الإسلامي بطرابلس " الثقافة العربية 2 (1985)ص ص.92-98.
[14] -يراجع للمزيد عن هذا المتحف : محمد ابوعجيلة ، " المتحف البونيقي بصبراتة "، آثار العرب 4 (1992)ص ص.90-94.
[15] -يراجع عن تلك الحفائر والمتحف : محمود النمس ، دليل منطقة حفائر جنزور الأثرية، (منشورات مصلحة الآثار:ب ت.) .
[16] -يراجع عن هذا المتحف :مراقبة آثار لبدة، "نبذة عن المتحف الجديد لمدينة لبدة" آثار العرب 1(1990)ص ص.54-57؛مصلحة الآثار، دليل موجز عن متحف لبدة،(منشورات مصلحة الآثار:1423).
[17] -يراجع عن هذا المتحف : مسعود شقلوف ، " إنشاء متحف المدينة ، سرت القديمة، " الثقافة العربية 8 (1985) ص ص. 76-77.
[18] -يراجع عن معروضات المتحف : خالد محمد الهدار ، "جولة دراسية داخل متحف توكرة " آثار العرب ، 2 (1991) ص ص.70-74 .
[19] - يراجع عن هذا المتحف : عبد الكريم الميار ، دليل متحف طلميثة ، ( منشورات مصلحة الآثار :1976) .
[20] -مركز التوثيق التربوي ، إنجازات وزارة التعليم والتربية في سنوات ما بعد الثورة /في مجال الآثار، ( طرابلس :1973 ) ص ص .77-83 .
[21] -يراجع عن معروضات متحفي النحت والحمامات : عبد الكريم الميار، دليل متحف شحات ،( منشورات مصلحة الآثار :1976).
[22] -يراجع عن هذا المتحف : عبد الكريم الميار ، دليل متحف ابولونيا / سوسة ، ( منشورات مصلحة الآثار: 1977).
[23] -تقع القيقب بالجبل الأخضر شمال الطريق الممتدة من الفائدية إلى لملودة ، وجنوب مدينة الابرق بحوالي 8 كم .
[24] -يراجع عن هذا المتحف: بريك عطية و صالح ونيس ، دليل متحف القيقب ، ( منشورات مصلحة الآثار :ب ت ).
[25] -محمد سليمان أيوب ،" أخبار أثرية/ المحافظات الجنوبية " ليبيا القديمة 3-4(1966-1967)ص .130 .
[26] - لقد وضعت تصورات لاقامة متحف في سبها منذ السبعينيات ، لكن المشروع لم يشهد النور حتى الآن .
[27] - يراجع عن تلك الأساسيات : عبد الرحمن الشاعر ، مقدمة في تقنية المتاحف التعليمية ، ص ص. 21 وما يليها ؛ يراجع كذلك العدد رقم 164 من مجلة Museum الصادرة عن اليونسكو عام 1989 والذي خصص لعمارة المتاحف ، وتراجع أيضا الملاحظات التي اوردها فوزي الفخراني في مجلة الحصاد ص ص.6-8.
[28] - يراجع عن علاقة المتحف بالذات القومية : عبد الوهاب المسيري " المتحف والذات القومية في الغرب " المتحف العربي ، السنة الثالثة العدد الأول (1987) ص ص .6-10 ؛ نفس المؤلف " متحف النيجر و الذات القومية السمحة " المتحف العربي ، السنة الثالثة العدد الرابع (1988) ص ص . 6-11 .
[29] -يراجع عن أهمية الإضاءة في المتحف : : عبد الرحمن الشاعر ، مقدمة في تقنية المتاحف التعليمية ، ص ص.53وما يليها .
[30] -يراجع عن أهمية هذه التقنية في المتاحف :J. Benes,"Audio-Visual Media in Museums" MUSEUM 28(1976) 121-124.
[31] -لم يهتم احد بإجراء احصائية لزوار المتاحف من السياح مع انه يمكن حساب الزوار من خلال التذاكر المصروفة مثلما حدث في الست الشهور الاولى من افتتاح المتحف الجماهيري عندما بلغ الزوار 50000 شخص ، ولكن لايعرف عدد السياح من بين الزوار ، كما يلاحظ ان الكثير من افواج السياح يدخلون مجانا لذا يصعب حصرهم ، وكان يفترض ان تكون تذاكر السياح خاصة سواء من حيث القيمة او الشكل لتساعد في عملية الحصر ومعرفة ما مدى إقبال السياح عليها لإعداد الدراسات اللازمة .