هذا الكتاب الثاني الذي يترجمه أ.د. محمد المبروك الدويب استاذ اللغات الكلاسيكية بقسم الاثار جامعة قاريونس، ورئيس جامعة مصراته حاليا، من كتاب المؤرخ الاغريقي هيرودوتوس الموسوم بالتواريخ ، بعد ان ترجم الكتاب الرابع الذي يختص اغلبه بتاريخ ليبيا والذي صدر عام 2003، ويقع هذا الكتاب ضمن سلسلته الموسومة " من مصادر التاريخ القديم " التي اصدرتها جامعة قاريونس ، منها 5 اصدارات مترجمة عن الاغريقية من هيرودوتوس وسترابون وبطليموس ، وعن اللاتينية كتابان تحت الطبع لبليني الاكبر وساللوستوس .
والكتاب الثاني الذي اطلق عليه أ.د. الدويب " وصف مصر " خصصه هيرودوتوس للحديث عن مصر ، وقد صنف في مكتبة الاسكندرية قديما تحت اسم يوتيرب (مؤلهة الموسيقى)، بعد ان قسم المكتبيين في تلك المكتبة كتابه الى تسع كتب واطلق على كل كتاب اسم مؤلهة من مؤلهات الفنون التسع .
وترجمة هذا الكتاب الى العربية موجهة ـ في المقام الاول ـ للمختصين في التاريخ القديم والاثار ، وقد حرص المترجم ان يكون اسلوب الترجمة اقرب الى ما كتبه هيرودوتوس ، وان يكتب الاسماء مثلما وردت في صورتها الاغريقية واحيانا يكتبها في اكثر من صورة بعد ان يأتي بالشكل الاغريقي للاسم ، كما انه زود الكتاب بفهرس لاسماء الاعلام والاماكن بالعربي والاغريقي (ص ص.99-108) ، وما يفيد المتخصصين انه زود الكتاب بملحق تكون من 105 صفحة تمثل في النص الاغريقي للكتاب الثاني لهيرودوتوس ، وبهذا فان ترجمة أ.د. الدويب قد تميزت عن التراجم السابقة التي ترجمت ذات الكتاب من الاغريقية ، ونقصد هنا ترجمة د. وهيب كامل الصادرة عن دار المعارف في مصر عام 1946 تحت اسم " هيرودوت في مصر" ، اضافة الى ترجمة د. محمد صقر خفاجة الصادرة عن دار القلم في مصر عام 1966 تحت اسم " هِرُودت يتحدث عن مصر" هذه الترجمة التي قدم لها وزودها بالكثير من الهوامش الشلرحة د. احمد بدوي.
وبالعودة بالحديث عن الكتاب الثاني فهو يتكون من 182 فقرة ركز فيها هيرودوتوس على ما شاهده في مصر وسمعه ممن التقى بهم هناك ونقل ما سمع عنهم دون ان يتحقق مما قالوه لهذا فمدوناته يعتريها الكثير من النقص ويشوبها الكذب والتدليس ، وهو نقل دون تمحيص و لا تدقيق والامثلة على ذلك كثيرة ، وعلى الرغم من هذا فالكتاب قصد منه ان يقدم فكرة عن مصر والمصريين للاغريق الذين كتب لهم هيرودوتوس كتابه متتبعا لتاريخ الصراع الفارسي الاغريقي في القرن السادس ق.م. زائرا للاماكن التي عاش فيها الفرس متحدثا عن ملوكهم وتاريخهم ، ويتزامن الكتاب الثاني وجزء من الكتاب الثالث مع تولي الملك الفارسي قمبيز الحكم وتكوينه للامبراطورية الفارسية ، وقد حكم ما بين 530-522 ق.م. و افتتح هيرودوتوس كتابه الثاني بتولي هذا الملك العرش (الفقرة الاولى) ثم بدأ يسرد ما يتعلق بمصر واصفا ارضها وشعبها بسبب ان قمبيز استطاع السيطرة على هذه الارض ، ثم اصبح حاكما عليها ، ويبدأ في دحض المقولة السائدة آنذاك ان المصريين هم اقدم البشر مفضلا عنهم الفريجيين (فقرة 2) كما يفرد بعض مزايا المصريين مقارنة بالاغريق بعد ان تحقق مما سمعه من كهنة طيبة وممفيس (فقرة 3) ولعل اهم مآثرهم انه عرفوا السنة الشمسية التي قسموها الى 12 شهرا ونقل اخبار اخرى من الكهنة اوردها في بقية الفقرة رقم 4 التي عدها اخبارا صحيحة (الفقرة 5) ، وفي هذه الفقرة اشار الى مقولته الشهيرة حول مصر انها هبة النيل ، كما انه عرّف المصريين بانهم من يسكن الدلتا ويشرب من ماء النيل لهذا لم يضم اليهم السكان الذين يسكنون الى الغرب من الدلتا الذين يعدون انفسهم ليبيين (فقرة 18) .
ويتطرق هيرودوتوس الى وصف جغرافية مصر من حيث ارضها وامتدادها وحدودها وطبوغرافيتها اي ما اسماه طبيعة ارض مصر (فقرات 5-8) وقد ناقش بعض اراء سكان ايونيا (الساحل الغربي من تركيا) حول مصر وحدودها (فقرات 9-17) كما فحص المسافات التي بين اهم مدنها مشيرا الى اهمية فيضان النيل ، وفي هذا الصدد تطرق الى الاراء التي قيلت حول اسباب الفيضان صيفا مفندا اياها مفسرا حدوث هذا الفيضان (فقرات 19- 27) دون ان يتوصل الى المكان الذي ينبع منه النيل على الرغم من انه توغل جنوبا بحثا عن منبعه ذاكرا بعض المدن والاحداث (فقرة 29-31) ، وفي استقصاه هذا التقى برجال من مدينة كيريني (قوريني)اخبروه عما فعله شباب من قبيلة الناسامونيس الليبية الذين توغلوا في الصحراء من اجل المغامرة وانهم وصلوا الى منبع نهر اعتقد هيرودوتوس انه النيل (الفقرة 32-34) والواقع انه نهر النيجر الذي اشار اليه شباب الناسامونيس وهو ليس له علاقة بنهر النيل.
ويبرر هيرودوتوس اطالته الحديث عن مصر انها تحوي الكثير من العجائب والاعمال التي لا توجد الا بها ، ويسرد بعض العادات التي يتميز بها المصريون و تختلف عما يفعله الاخرون ، فهو يشير الى ان النساء هي التي تذهب الى السوق وتمارس التجارة بينما الرجال يمكثون في البيت ينسجون الاقمشة وغيرها من الاشياء الاخرى التي اوردها في الفقرة 35 ، ويشير في الفقرة التالية ان المصريين على خلاف الشعوب الاخرى يتركون شعرهم ولحاهم دون حلاقة عند موت الاقرباء ، وانهم يمارسون عادة الختان ، ويكتبون من اليمين الى اليسار مخالفين الاغريق ، ويصف نظافة المصريين وتدينهم ، ومن تدينهم انهم كانوا لايزرعون الفول واذا نبت لايأكلونه (فقرة 37). ويصف في الفقرات 38-42 الاضاحي التي يقدمها المصريون للمؤلهين وهي من الضروري ان تكون خالية من العيوب ، ويشرح طريقة التضحية بها واستخراج احشاءها وكيفية دفن بقاياها في النهاية . وهم يفضلون التضحية بالثيران و لايضحون بالماعز لاسباب شرحها في الفقرة 46 ، كما ان الخنازير كانت من الحيوانات النجسة ، الا انهم كانوا يضحون بها لمؤلهة القمر و ديونيسوس(الفقرة 47) ، ويشير الى ان اسماء المؤلهين الاغريق اصلها من مصر يستثنى بوسيدون الذي عرفه الاغريق من الليبيين (فقرة 50) ، ويصف اصول بعض الطقوس الدينية الاغريقية التي لم يستعيروها من المصريين (فقرة 51) ، كما ان يشير الى المواكب الدينية والاحتفالات التي عرفها الاغريق اخذوها من مصر (فقرة 58) ويصف بعض تلك الاحتفالات التي تقام في بعض المدن المصرية (فقرة 59-63) ،كما ان المصريين لايدخلون المعابد اذا كانوا غير طاهرين (فقرة 64) ، ويتمسكون بالتعاليم الدينية وعندهم الحيوانات مقدسة (65) ويصف حبهم للقطط وتقديسهم لها التي تحنط وتدفن بعد موتها ( فقرة 66-67) وكذلك يفعلون بالتماسيح التي يقدسونها ايضا وهو يصفها بدقة وكيفية اصطيادها (فقرة 68-70) ، كما يصف فرس النهر وبعض الثعابين التي تعيش في النيل وطائر العنقاء الاسطوري وطائر ابومنجل (فقرة 71-76) ، ويصف هيرودوتوس ما يفعله المصريون وما يأكلون للمحافظة على صحتهم وعلى الرغم من هذا فانهم يأتون في المقام الثاني بعد الليبيين الذي يعدون اصح البشر (الفقرة 77) ، ويصف ما يلبسه المصريون مفضلين الكتان والصوف (فقرة81) ، وهم يمارسون التنجيم (فقرة 82) ولديهم طبيب متخصص لكل مرض (فقرة 84) ، ثم يصف ما يفعل المصريين عند حدوث الموت وطريقة حزنهم (فقرة 85) ويفرد عدة فقرات واصفا التحنيط شارحا كيفية تحنيط الموتى والمواد المستعملة في ذلك (فقرة 86-90).
ويواصل هيرودوتوس حديثه واصفا عادات المصريين المتنوعة فهم لايمارسون عادات الشعوب الاخرى ، وعندما عبدوا البطل الاغريقي بيرسيوس في بعض الاماكن واقاموا الالعاب على شرفه لان اصله كان من مصر ومنها ذهب الى بلاد الاغريق (فقرة 91) ، وفي منطقة الدلتا كان لكل مصري زوجة واحدة ، وكانوا يقتصدون في اكل الحبوب (فقرة 92) ويستعملون زيت الخروع ، وينامون سكان الدلتا في ابراج مرتفعة حتى لايصل اليهم البعوض (فقرة 94-95) ، ويصف قواربهم وطريقة ابحارهم (فقرة 96-97) .
ويشير هيرودوتوس انه في الفقرات السابقة التي اوردها كان يصف ما شاهده وفحصه وصدقه ، وما سيرده في الفقرات التالية هو من الاشياء التي سمعها من المصريين (فقرة 99) وتحديدا من الكهنة الذين سردوا عليه تاريخ ملوك مصر واهم اعمالهم بدأ بالملك مينا مشيرا الى جسر عمله لربط ممفيس عبر النهر ، واشار الكهنة له بوجود 330 ملكا حكموا بعد مينا من بينهم امرأة واحدة (فقرة 100) ، وهذا العدد الذي ذكره يعد ضربا من الخيال. ولم يخبره الكهنة باعمال اولئك الملوك (فقرة 101)، الا انه سرد بعض اعمال الملك سيسوستريس (سنوسرت الثالث وربما يطابق الملك رمسيس الثاني)الذي قام بحملات في اسيا واوروبة وفقا لما يذكره هيرودوتوس(فقرة 102-110) ونصب الاعمدة والنصب التذكارية في البلدان التي سيطر عليها ويبدو ان ما ذكره هيرودوتوس صحيحا الى حد ما ، لان الواقع ان هذا الملك يعد من اهم ملوك الدولة الوسطى وقام بانجازات مائية اهمها شق قناة مائية تربط ما بين البحر الأحمر والمتوسط عن طريق النيل . ويشير هيرودوتوس انه بعد موت هذا الملك تولى ابنه فيروس (هنا تعني فرعون وربما يطابق الملك منبتاح ) الذي فقد بصره عقابا من المؤلهين واعيد اليه بصره بعد 10 سنوات بعد ان امروه ان يغسلهما ببول امرأة ليست لها علاقة الا بزوجها (فقرة111)، وهي قصة غريبة اوردها هيرودوتوس مثل كثير من القصص الغريبة التي حشا بها كتابه ، ومن المؤكد انها ليس لها سند تاريخي.ويشير الى ان هذا الملك قد اقام مسلتان حجريتان في عين شمس ، والواقع انه توجد مسلة في تلك المدينة تنسب الى الملك سنوسرت الاول. وقد تولى حكم مصر بعد فيروس ملك يدعى بروتيوس ربطه هيرودوتوس بهيلين الاسبرطية التي خطفها باريس (الاكساندروس) وسببت الحروب الطروادية ، التي عنده جاءت الى مصر صحبة خاطفها قبل ان يصل الى مدينته طروادة ويسرد حكايتها في مصرمناقشا ما ذكره كهنة مصر في هذا الصدد (فقرة112-120) . ويسرد هيرودوتوس اخبارا غريبة (فقرة 121) ينسبها الى الملك رامبسينيتوس ( ربما رمسيس الثالث) ويذكر انه هبط حياَ الى عالم هاديس (العالم السفلي حيث يعيش الاموات) وهناك لعب النرد مع المؤلهة ديميتر وقد استطاع العودة من ذلك العالم (فقرة 122) . ثم يشرح ما يعتقده المصريون بخلود الروح وانهم اول من قال ذلك (فقرة 123) .
وبالعودة الى سرده التاريخي يشير الى انه بعد الملك الاخير تولى خيوبس (خوفو) الذي يذكر انه جلب الكثير من الشقاء الى المصريين الذين اجبرهم ان يعملوا لصالحه وهنا يقصد بناء الهرم الاكبر الذي وصفه بدقة حيث من المؤكد انه قد زاره عند اقامته في مصر (فقرة 124-125) . ويشير ايضا الى انه بعد موت خوفو تولى خفرع الذي بنى هرما آخر الى جانب هرم اخيه (الواقع انه ابنه) الذي يصفه ايضا ويشير الى انه قد زاره واخذ ابعاده (فقرة 127) ، يليه في الحكم منقرع بن الملك خوفو (الواقع انه ابن خفرع )الذي شهدت مصر في عهده الكثير من الازدهار ويورد هيرودوتوس قصة ابنة منقرع التي احبه والدها كثيرا وبعد انتحارها دفنها ابوها داخل تمثال بقرة خشبية وضعه في مدينة سايس كان يقدم اليه القرابين يوميا (فقرة 129-132) ، وقد مات وفقا لنبوة تلقاها من الكهنة تذكر ان سيموت بعد ان يكمل ست سنوات من حكمه (فقرة 133) ، وقد بنى هرما صغيرا وصفه هيرودوتوس (134). وهنا يلاحظ ان هيرودوتوس نقلا عن الكهنة لم يسرد اسماء ملوك مصر وفقا للتسلسل التاريخي فهو ذكر ملوك الدولة الوسطى او الحديثة اولا ثم بعض ملوك الدولة القديمة (خوفو ، خفرع ، منقرع) ، وهذا سببه ان الكهنة الذين كانوا يتلون عليه قصص اولئك الملوك من اوراق البردي لم تكن تلك البرديات مرتبة بشكل صحيح ، والغريب انه على الرغم من زيارة هيرودوتوس لمنطقة الاهرامات الا انه لم يشر الى ابوالهول الذي يبدو انه كان مردوما آنذاك.
وقال له الكهنة ان بعد منقرع حكم الملك اسوخيس الذي يبدو انه يقابل الملك الليبي الاصل شيشنق الاول ، الذي قام باعمال بنائية في معبد هيفايستوس (فقرة 136)، هذا المعبد الذي اشار اليه هيرودوتوس كثيرا ، والواقع ان هذا المعبد هو معبد بتاح في ممفيس وقد اهتم الملوك المصريين بترميمه واضافوا اليه الكثير من الاضافات. ويواصل هيرودوتوس نقل ما ذكره له الكهنة عن الملوك الذين حكموا مصر فاشار الى ملك كفيف اسمه انيسيس (فقرة 137)يبدو انه من حكام الاقاليم وفي عهده استولى على حكم مصر حكام اصلهم من مملكة نباتا ، من الاسرة الخامسة والعشرين ، ذكر منهم شاباكا . وبهذا انهى حديثه الذي سمعه من الكهنة حول ملوك مصر (فقرة 142). وانتقل بعد ذلك للحديث عن بعض المؤلهين واعمارهم مقارنة بين ما يقوله المصريون والاغريق (فقرة 144-146).
ومن الفقرة 147 يبدأ هيرودوتوس الحديث عن تاريخ مصر اعتمادا على ما كتبه غير المصريين ، ولم يحدد من هم قد يكون من بينهم المؤرخ هيكاتيوس من ميليتوس (550-476 ق.م) الذي زار مصر قبل هيرودوتوس ومن اوائل المؤرخين الاغريق. حيث يشير الى وجود 12 حاكم يحكمون اقاليم مصر (فقرة147) الذين بنوا قصر التيه الذي وصفه هيرودوتوس بدقة ومن خلال وصفه يعد من العجائب المعمارية (فقرة 148)، وقد ضاع هذا المبنى ولم يحدد المكان الذي بني فيه.ويصف البحيرة العجيبة التي بني بجانبها هذا القصر (فقرة 148-149) التي يسميها بحيرة مويريس التي تعادل حاليا بركة قارون. ويروي هيرودوتوس انه من بين الاثنا عشر حاكما تولى بسماتيخوس الحكم في قصة خيالية غير واقعية (فقرة 151)، والواقع ان بسماتيك هو الذي اسس الاسرة السادسة والعشرين بعد ان تمكن من طرد الاشوريين من مصر، ويستطرد هيرودوتوس في سرد اخبار بسماتيك وكيف ادخل الاغريق في الجيش المصري الذين ساعدوه في توحيد مصر (فقرة 152-157) ، وانه حكم مدة 54 عاما (فقرة 157) وهذا صحيح حيث حكم ما بين (664-610 ق.م.). ثم تولى بعده ابنه نيخوس (نخاو) الذي حفر قناة تقود الى البحر الاحمر(فقرة 158) وكون اسطولا بحريا انتصر به على السوريين (فقرة 159) في مجدو وغزة.وقد حكم 16 عاما (610-595 ق.م.).تولى بعده ابنه بساميس اي بسماتيك الثاني (595-589 ق.م.) وفي عهده ازدادت العلاقات المصرية الاغريقية متانة وجاء مزيد من المهاجرين الاغريق اليها (فقرة160-161) ، خلفه ابنه ابريس (589-570 ق.م)الذي استعان به الليبيون ضد اغريق كيريني فارسل جيشا ليساعدهم فهزم هزيمة نكراء (فقرة 161) ، وخلفه على العرش الملك اماسيس بعد صراع مع ابريس ، وهنا وصف طبقات الشعب المصري والاجانب الميقيمون في مصر وامتيازاتهم (فقرة162-169) ، وقد حكم اماسيس فترة طويلة (570-526 ق.م.) ووصف هيرودوتوس تفصيلا الكثير من منجزاته وصفاته واعماله ، وقد اعطى الكثير من الامتيازات للاغريق (فقرة 170-178) ، وقد فضل ان يعقد تحالفا مع اغريق كيريني وان يتزوج منهم حيث تزوج لاوديكي بنت باتوس الثاني ويقول البعض انها ابنة مواطن مشهور يدعى كريتوبولوس ، ويذكر هيرودوتوس ان لاوديكي نذرت ان تمكن زوجها من معاشرتها ان تنذر تمثالا لافروديت ارسلته الى كيريني وكان موجودا في ضواحي كيريني حتى عصر هيرودوتوس، وعندما احتل قمبيز مصر وعرف من تكون لاوديكي ارسلها سالمة الى اهلها في كيريني (فقرة 181) ، كما ان اماسيس اهدى الى كيريني تمثال اثينا المكسو بالذهب وغيرها من التماثيل والهدايا التي ارسلها الى بلاد الاغريق ، ويشير الى انه سيطر على قبرص وفرض عليهم الضرائب (فقرة 182) ، وبهذا انهى هيرودوتوس كتابه الثاني وانهى د. الدويب ترجمته لهذا الكتاب.
اذاً هذه مصر كما رأها هيرودوتوس في منتصف القرن الخامس ق.م. واصفا ارضها متتبعا تاريخها ، متطرقا لاحوال سكانها من مصريين واجانب ، شارحا ومفسرا لبعض المظاهر الغريبة التي وجدها في تلك البلاد ، لافتا الانتباه الى الكثير من عادات المصريين التي لم يجدها عند غيره من الشعوب ، والواقع انه اخطأ في كثير من المواضع وذكر اشياء غريبة لايقبله العقل البشري ، وان كانت لديه الكثير من الاخطاء التاريخية التي نقلها عن الكهنة المصريين ، فانه هذه الاخطاء تقل عندما يتحدث عن تاريخ مصر في القرن السادس ق.م. ويظل ما رواه المصدر الوحيد في هذه الفترة التاريخية ، كما تجدر الاشارة الى ان الاسماء التي ذكرها كانت وفقا للتهجئة الاغريقية للكثير من الاسماء المصرية التي سمعها من الكهنة وغيرهم ، ولهذا جاءت غير مطابقة ومحرفة عن الاسماء الاصلية ، كما انه لجأ الى اسماء المؤلهين الاغريق واطلق بعضها على ما يناظرها من المؤلهين في الديانة المصرية القديمة .
وعند قراءة الكتاب من الضروري عدم تصديق كل ما جاء فيه ، بل ان بعض ما اورده من حكايات غريبة مفسرا بها بعض الاشياء تدخل في نطاق الفانتازيا التاريخية ، وليس الواقع التاريخي ، وعلى الرغم من هذا يظل عمله من اهم المصادر التاريخية التي لاغنى عنها وهي تظهر وجهة نظر اغريقي في الحضارة المصرية القديمة التي لم يكن الاغريقي يألفها ، وتتميز بالغرابة ، لكنها حضارة عريقة لم يجد الاغريق غضاضة ان ينقلوا عنها الكثير من القيم الحضارية ليؤسسوا الحضارة الاغريقية التي هي الاساس التي بنيت عليه الحضارة الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق