الاثنين، 2 أبريل 2012


حفريات في حصن القريات الغربية 2009-2010

اشتهرت منطقة القريات الغربية التي تقع حوالي 280 كم للجنوب من طرابلس عند الأثريين بأنها موقع أحد الحصون الرومانية التي تشكل جزء من منطقة الحدود أو التخوم الطرابلسية (limes Tripoltanus) التي تمتد من غدامس مرورا بالقريات وصولا إلى بونجيم ، وفي هذه المراكز الدفاعية الثلاث أسس الإمبراطور سبتموس سفيروس وأبنائه حصون لتكون مقرا للجنود الرومان المدافعين عن منطقة المدن الثلاث من الناحية الجنوبية ، وإذا كان حصن ابونجيم (جولايا) قد شهد اهتماما كبيرا منذ السبعينيات وظهرت نتائج الحفريات التي أجريت به تباعا، غير أن حصن غدامس والقريات لم يشهدا اي اهتمام إلا في فترة متأخرة حيث بدأت جمعية الدراسات الليبية مشروعا لدراسة آثار غدامس مع مطلع عام 2011 ، أما حصن القريات فعلى الرغم من اهتمام جودتشايلد به منذ الخمسينيات ثم ديرك ويلسبي في بداية الثمانينات إلا إن الحفريات الفعلية لم تبدأ إلا ما بين 2009 -2010عن طريق بعثة ألمانية من المعهد الأثري للأقاليم الرومانية بجامعة ميونخ بإشراف الأستاذ ميشيل ماكونزين، وهذا التأخر بسبب موقعه الجغرافي الصعب ووجوده في منطقة خالية. لقد استعملت هذه البعثة تقنيات حديثة في أعمال الحفر والمسح الأثري وأعمال التوثيق المتنوعة توصلت على أثرها إلى بعض النتائج المهمة تعد إضافة إلى ما كتبه جودتشايلد ثم ولسبي.

ويمكن تقديم بعض المعلومات عن هذا الحصن الذي يعد اكبر حصون التخوم الطرابلسية إذ أن أبعاده 128 × 176 مترا ، وقد استغل خلال الفترة ما بين 201-238 م مقرا لحوالي 800 عسكري من الفيلق الاغسطي الثالث القادم من لامبيز في الجزائر ، وتأكد من العملة التي عثر عليها إن الحصن قد استمر استغلاله عسكريا حتى 275-280 م، و لا يختلف هذا الحصن عن الحصون الرومانية الأخرى من حيث التخطيط فهو مستطيل تحيط به الأسوار من جميع الجهات وتخترق هذه الأسوار أربع بوابات كل بوابة يحيط بها برجان يتواجد بها الجنود للحراسة والمراقبة والدفاع عن الحصن ، وللأسف فأن الكثير من معالم هذا الحصن من أسوار وأبراج قد انهارت بسبب العوامل الطبيعية وبسبب إقامة بعض الليبيين قريتهم في ذات المكان واستغلال أحجار الحصن لبناء مساكنهم الظاهرة بقاياها حتى الآن، وعلى الرغم من هذا فان بعض أبراج الحصن ما تزال باقية ترتفع فوق سطح الأرض بارتفاع حوالي 8.30 مترا، ولعل ابرز ما بقى من هذا الحصن بوابته الشرقية التي تعد المدخل الرئيسي والتي يحيط بها برجان خماسية الأضلاع ، وهي في عمومها لا تختلف عن مثيلتها في حصن لامبيز ، ويبدو إن البرج الجنوبي لهذه البوابة قبل تهدمه كان على ثلاث طوابق ويصل ارتفاعه إلى حوالي 12.50 مترا، وعند هذه البوابة عثر على قاعدة تمثال أعيد استخدامها وتحمل نقشا لاتينيا أشار إلى الفيلق الاغسطي المقيم بالحصن وأيضا إلى اسم قائد الحصن المدعو قائد المائة ايليوس كريسسنتيوس ، إضافة إلى ظهور ثلاثة حروف من الاسم الذي كان يعرف به هذا الحصن الذي يبدأ بـ ميد.. (MYD…) ، كما أشير النقش إلى إن التمثال كان مكرسا إلى جوليا مامايا بمناسبة ارتقاء ابنها الإمبراطور الروماني الاسكندر سفيروس للعرش في عام 222م. ومن ناحية أخرى من الصعب تتبع التفاصيل الداخلية لأجزاء الحصن بسبب وجود مساكن الليبيين التي بنيت ما بعد العصر البيزنطي والتي دمرت المباني التي توجد داخل الحصن إلا انه تم التعرف على مقرات الجنود التي اغلبها دمر أسفل المنازل المحلية التي بنيت أعلاها. وخارج الحصن اتضح من خلال المسح وجود محجر في الجهة الشمالية الشرقية من الحصن ، إضافة إلى وجود ثلاث معابد أعلى ثبة للشرق من المحجر السابق ، ومن خلال دراسة الفخار والعملة التي عثر عليها هناك اتضح إن منطقة المعابد والحصن أيضا استمر في الاستعمال مدنيا من 360 /380 إلى حوالي عام 540 م. و ربما عاد للحصن وظيفته العسكرية بعد غارات قبائل الاوسترياني في القرن الرابع حيث استقرت به وحدة عسكرية استمرت حتى حوالي منتصف القرن الخامس. كما انه يرجح إنه بعد عام 455 اي بعد سيطرة الوندال على الإقليم الطرابلسي (المدن الثلاث) كان الحصن مقرا لأحد شيوخ القبائل المحلية التي كانت تسيطر قبيلته وتراقب طريق القوافل المتجهة إلى فزان. والحفريات المستقبلية من المؤكد انه تضيف على هذا الحصن الروماني.

ليست هناك تعليقات: