الاثنين، 22 سبتمبر 2008

حول ترجمة مصادر تاريخ ليبيا القديم د. الدويب 1



عرض لترجمة الكتاب الرابع من تاريخ هيرودوتوس

انضم الى ارفف المكتبة العربية بصورة عامة والمكتبة الليبية بصفة خاصة كتاب جديد تمثل في ترجمة دقيقة للكتاب الرابع من تاريخ هيرودوتوس (هيرودوت) تصدى لها استاذ اللغات القديمة بقسم الاثار جامعة قاريونس أ.د. محمد المبروك الذويب ، وقد صدر الكتاب مؤخرا ضمن منشورات جامعة قاريونس في طبعة انيقة ضمن سلسلة عنونت باسم ( من مصادر التاريخ القديم ) هذه السلسلة التي يمثل هذا الكتاب الجزء الاول منها ، وقد عنون هذا الاصدار باسم الكتاب الرابع من تاريخ هيرودوتوس ، الكتاب السكيثي و الكتاب الليبي ، وقد صدرت ترجمة الكتاب في مائة وسبع وخمسين صفحة ، خصص المترجم الصفحات الثماني والعشرين الاولى للتعريف بالكاتب وكتابه وهذه الصفحات جديرة بالقراءة لانها تعد بحث و استقصاء لحياة هيرودوتوس وتقييم شامل لعمله المسمى التواريخ .
والكاتب غني عن التعريف لدى المتخصصين فهو هيرودوتوس الملقب منذ عهد خطيب الرومان شيشرون بأبي التاريخ يعد من اقدم المؤرخين الاغريق وواضع اسس كتابة التاريخ و سرد الاحداث التاريخية ، و قد ولد هذا المؤرخ في مدينة هاليكارناسوس باسيا الصغرى (تركيا حاليا) وعاش خلال القرن الخامس ق.م. ، ويعد من اوائل المؤرخين الاغريق الذين وصل عملهم كاملا الى الباحثين المحدثين ، وقد اطلق هيرودوتوس على عمله او كتابه التواريخ الذي يتألف من تسع كتب حمل كل كتاب اسم مؤلهة من مؤلهات الفنون التسع وفقا للتصنيف الذي اعتمد للكتاب ـ بعد قرنين من تأليفه ـ في مكتبة الاسكندرية ، ويرصد هيرودوتوس في تواريخه تاريخ الصراع بين الفرس و الاغريق (بين الشرق و الغرب) ، ومن خلال تتبعه لهذا الصراع لم يغفل صغائر وعجائب البلدان التي تحدث عنها فعمله موسوعي لم يشمل الاحداث التاريخية بل تعدى الى تقديم الكثير من الملاحظات الجغرافية و البيئية وعادات الشعوب و تقاليدها واخبارهم المتوارثة عن اجدادهم ، وطقوسهم الدينية ، كما وصف بعض معالم المدن التي زارها ، وبهذا فعمله يعد من اهم مصادر التاريخ القديم لاسيما انه يروي احداثا كان شاهدا عيانا عنها او قريبة منه زمنيا ، وقد كتب هيرودوتوس كتابه بالاغريقية القديمة ، وقد تُرجم كتابه الى الكثير من اللغات الحديثة ، ومنها العربية حيث نقلت بعض أجزائه من تلك اللغات الحديثة ، وصدرت في عام 2001 ترجمة كاملة لهذا العمل ، الا انه ما يعاب على تلك التراجم انها لم تنقل من الاصل الاغريقي بل نقل الكتاب من خلال لغة وسيطة الانجليزية (سلسلة لويب وغيرها) ، وكثيرا ما اعترت تلك التراجم الكثير من الاخطاء بسبب عدم الترجمة من الكتاب في لغته الاصلية ، الا ان الترجمة الاخيرة خالفت هذا حيث استطاع أ.د. الذويب ان يترجم ذلك الكتاب من لغته الاصلية أي الاغريقية وينقله الى العربية على الرغم من صعوبة هذا الامر فالكتاب كتب بلغة ميتة ـ غير متداولة في الحديث ـ ذات تراكيب وقواعد لم تعد مستعملة حديثا ، مع انفراد هيرودوت احيانا ببعض التراكيب اللغوية التي تعد من ابتكاراته ، في ظل هذا وذاك استطاع المترجم ان ينجز ترجمة للكتاب حافظ فيها على لغة هيرودوتوس واسلوبه وتعبيراته ، وهذه الطريقة في الترجمة تُمكن القارئ من الاقتراب من روح الكاتب الاصلي في الكتابة و الوثوق بكلماته ومرادفاتها التي تحرى المترجم ان ينقلها بكل امانة ، وهذا يبعد المترجم عن الابداع و الابتداع بكلمات و تعابير لم يقصدها المؤلف الاصلي مما قد يؤدي الى تزوير الحقائق ـ عن غير قصد ـ الواردة في النصوص الاصلية ، وهذا ما يمكن ملاحظته في التراجم التي سبقت الاشارة اليها ، وهذا الدافع الذي حرك أ.د.الذويب الى ترجمة الكتاب عن لغته الام ، لتفادي الاخطاء في التراجم السابقة . وللتدليل على ذلك يمكن استعراض ترجمة لفقرة من هيرودوتوس ترجمت عن طريق لغة وسيطة ، و ذات الفقرة عندما ترجمها أ.د. الذويب عن الاصل الاغريقي مباشرة ، [[ هذا هو تقديم البحث التاريخي لهيرودوتوس الهاليكارناسوسي حتى لا تنسى بمرور الزمن منجزات البشر و حتى لا تنتهي شهرة الاعمال و الاعجوبات العظيمة التي حققها الاغريق و البربر [ الاجانب ] و السبب الذي حاربوا بعضهم بعض من اجله .. ]] والترجمة الاخرى لذات الفقرة نقلت عن لغة وسيطة وترجمت على النحو الاتي [[ الذي تعلمه هيرودوت عن طريق البحث تجده هنا ماثلا بين يديك وذلك حتى لا تنطمس ذكرى الماضي في اذهان الرجال على مر الايام وحتى لاتفتقر تلك الاعمال العظيمة الرائعة التي اضطلع بها اليونانيون و الاجانب (أي البرابرة) وخاصة اسباب نشوب الحرب بينهم الى من يظهره للملأ ]] . وهذا المثال يوضح الفرق في الترجمة عن الاصل الاغريقي و الترجمة من لغة وسيطة ، وكلما ابتعدت الترجمة عن النقل من الاصل كلما ظهرت معانٍ وعبارات لم ترد في الاصل .
ومما سبق فانه يتأكد اهمية صدور الترجمة الجديدة للكتاب الرابع من تاريخ هيرودوتوس معربة عن الاصل الاغريقي ، و هذه الترجمة تتيح للطلاب و الدارسين والمهتمين بالتاريخ القديم والاثار من النهل من هذا المصدر العتيد الذي يعد احد الكتب التسع التي يتكون منها كتاب التواريخ الذي خطه ابو التاريخ بأنامله من خلال رحلاته واسفاره و بحثه وجمعه لمعلومات من المناطق التي ارتادها او التقط اخبارا عنها ، وقد طبق هيرودوتوس ذلك المنهج في كتابه الرابع الذي خص اغلبه بحرب الملك الفارسي داريوس ضد السكيثيين ، ووجد ابو التاريخ الفرصة مناسبة للحديث عن تلك القبائل من حيث عاداتهم وحياتهم وقدم معلومات غاية في الدقة عن تلك الشعوب او القبائل التي استوطنت وسط اسيا و جنوب روسيا ، ولهذا سميت تلك الفقرات (1-144) من حديثه الشائق والغريب احيانا بالكتاب السكيثي (ص ص.29-101) .وقد استعرض في فقراته علاقة السكثيين بالفرس منذ ان زحف الملك داريوس على الاراضي التي احتلوها من ارض ميديا (الفقرة 1) ووجد هيرودوتوس الفرصة سانحة لكي يتتبع احوال السكيثيين بعد عودتهم لارضهم ويتحدث تفصيلا عن احوالهم السياسية وعن اصلهم الذي ينحدرون منه وفقا لروايتهم او رواية الاغريق المجاورين لهم (الفقرات6-11) ، كما وجد الفرصة مناسبة ليوسع نطاق روايته فتحدث عن الشعوب التي تسكن اقسام اسيا للغرب من بلاد فارس و حول البحر الاسود (الفقرات 17-40) ولم ينسَ التطرق الى اراضيهم وما تحويه من انهار(الفقرات 46 -58) اضافة الى التطرق الى عباداتهم وطقوسهم (الفقرات 59-63) وعاداتهم اثناء الحرب وطريقة القسم لديهم وطريقة دفن ملوكهم ونفورهم من تقليد الاجانب (الفقرات 64-78) ،وبعد هذا يعود هيرودوتوس لاستكمال ما بدأه في الفقرة الاولى من رواية الاحداث مفصلة عن غزو الملك الفارسي داريوس على السكيثيين منذ خروجه من بلاده حتى الوصول الى السكيثيين و المعارك التي خاضها معهم (الفقرات 83-144) ، وفي اثناء روايته يأتي ببعض اللطائف عن السكثيين والقبائل المجاورة لهم وكيف تعاملوا مع الفرس المغيرين عليهم ، ومما تقدم فان الكتاب السكيثي يعد مصدرا مهما عن السكيثيين ومعلوماته رائدة عن تلك المناطق ارضا و شعوبا وعاداتٍ وتقاليدٍ وطقوسا وتاريخا اضافة الى بعض الروايات عن بعض المؤلهين الاغريق وعلاقتهم بتلك الاراضي و الشعوب التي سكنت أسيا و حول البحر الاسود .
و للكتاب الرابع اهمية خاصة لليبيين لان الربع الاخير منه افرده ابوالتاريخ للحديث عن ليبيا لهذا سمي بالكتاب الليبي (الفقرات 145-205 ص ص. 101-137) ، ومما تجدر الاشارة اليه ان هذا الجزء من الكتاب الرابع قد ترجمه الى العربية بعض الباحثين مثل د. خشيم في نصوصه الليبية ، و د.البرغوثي في التاريخ الليبي القديم ، و د. الاثرم في مجلة البحوث التاريخية ، وغالبية تلك التراجم نقلت عن لغة وسيطة ولم تتم الترجمة عن الاصل الاغريقي مما ادى الى ظهور بعض الاخطاء فيها ، وبهذا يتميز عمل أ.د. الذويب بانه اعتمد الاصل الاغريقي في ترجمته ، و انه ترجم الكتاب الرابع بأكمله .

وبالعودة الى الحديث عن فقرات الكتاب الليبي تفصيلا فان هيرودوتوس هنا ينفرد بايراد معلومات واخبارا لم تكن متاحة عن ليبيا و سكانها من قبل ، مما جعل كتابه المصدر الام عن التاريخ الليبي وتاريخ الليبيين ، وعلى الرغم من ان هيرودوتوس قد اورد بعض الاخبار عن ليبيا في الكتاب الثاني من تاريخه (الفقرات 32-34 ، 50، 77 ، 181 وغيرها ) الا انه يعود هنا ليقدم مزيدا من المعلومات عنها وقد بدأ حديثه عنها في الكتاب الرابع في الفقرتين 42-44 (ص ص.50-53) محددا الاطار الجغرافي لكلمة ليبيا التي كانت عنده القارة الثالثة في العالم القديم الى جانب اوروبة واسيا ، وفي الفقرة 45 (ص ص.53-54) حول اصل تسمية ليبيا ، ثم بدأ من الفقرة 145 وحتى نهاية كتابه الرابع في تفصيل الحديث عن ليبيا و الليبيين ، الذي استهله بمعلومات عن رواية مجيء الاغريق واستيطانهم بالجزء الشرقي من ليبيا وتأسيسهم لمدينة كيريني (شحات) (الفقرات 150-158) ، ووفقا لمنهج هيرودوتوس وروايته للاحداث فقد تتبع تاريخ تأسيس الاسبرطيين لثيرا والسلالة التي حكمتها (الفقرات145-149) حتى ذهابهم لاستنبأ وحي دلفي الذي امرهم عن طريق البيثية بتأسيس مستوطنة لهم في ليبيا (الفقرة 150) والاحداث التاريخية التي وقعت اثناء ما يعرف بالعهد الباتي أي خلال حكم اسرة باتوس(الفقرات 159-165) والغزو الفارسي للاقليم (166-167 ، 200-205) ، تلك المعلومات التي انفرد هيرودوت ايضا بذكرها في كتابه الرابع ، ومازالت الى الان محل ثقة من المؤرخين وكثيرا ما ايدتها الادلة الاثرية والنقوش التي عثر عليها في الاقليم .
واهتم هيرودوتوس اهتماما ملحوظا بالليبيين او القبائل الليبية التي كانت تقطن ليبيا سواء تلك التي سكنت الساحل الليبي وظهيره من الشرق الى الغرب أي البدو الرعاة المجاورون للبحر وفقا لوصفه (الفقرات 168-180) ام اولئك الليبيون الذين سكنوا الدواخل (الواحات) (الفقرات 181- 185) وقد كان لهيرودوتوس الريادة في الحديث عن تلك القبائل من خلال التعريف بالاسماء التي عرفوا بها ومواطن سكناهم و احوالهم السياسية والاقتصادية (الفقرة 196 مثلا) واوضاعهم الاجتماعية (الفقرة 189) والتطرق لبعض عاداتهم الصحية والعلاجية (الفقرة 187) ومعبوداتهم ومعتقداتهم (الفقرة 188 ، 190)، وبمعنى آخر فقد قدم هيرودوتوس دراسة إثنولوجية للقبائل الليبية شملت جوانب حياتهم المختلفة ، ولم يهمل البيئة التي عاشوا فيها فتطرق لخصوبة ارضهم (الفقرة 198-199) وبعض الحيوانات (الفقرة 191-192) والنباتات التي تحيا وتنمو على الاراضي الليبية ، ومن هنا فالكتاب له قيمة علمية جد مهمة ومثيرة سواء من حيث المعلومات التي يقدمها، ام من حيث ترجمته الدقيقة ام من حيث هوامشه التي ازدان بها الكتاب ام من حيث فهرس اعلامه ، اذاً فلا مناص للمؤرخين والدارسين لتاريخ ليبيا وحضارتها من الرجوع اليه والنهل من معلوماته ، وقد كان ديدن الكثير منهم لاسيما العرب الرجوع الى هذا المصدر في لغات اوروبية حديثة نقلت عن الاصل الاغريقي ، او تراجم عربية منقولة عنها ، وهذا الامر محفوف بالمخاطر وفقا لما ذكر اعلاه ، اما بعد صدور ترجمة د. الذويب لكتاب هيرودوت في ثوب جديد فهي تغني عن الرجوع الى هذا المصدر في لغته الاغريقية ، ومدعاة للاطمئنان لترجمته التي لوحظ انه تحرى فيها غاية الدقة ، ولم يزود الكتاب بملحق لفقرات الاصل الاغريقي لكتاب هيرودوتوس الرابع على الرغم من انه توجد اشارة الى ذلك الملحق في محتويات الكتاب لكنه لم يوجد في الواقع لعله بسبب صعوبة طباعة النص الاغريقي ، و حتى تعم الفائدة اكثر يمكن استكمال ذلك في طبعة ثانية للكتاب حتى يتسنى للقارئ او الباحث من الرجوع الى النص الاغريقي و ترجمته في وقت واحد ، كما ينتظر المهتمون بالتاريخ القديم مزيدا من الاصدارات المترجمة عن الاصل الاغريقي التي تغني المكتبة العربية بمصادر التاريخ القديم و تيسر للطلاب و الباحثين الاطلاع عليها و الاستفادة منها بدلا من الرجوع الى تراجم اجنبية عن الكتب الاصلية تكثر بها الاخطاء والتأويلات في الترجمة بعيدة كل البعد عن الاصل التي نقلت عنه .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

في الحقيقة لقد قرات عدة تراجم لكتاب هيرودوت ووجدت فيها غموض ولبس في الموضوع خصوصا ما ترجم الي اللعربية منها . كتاب التاريخ العرب ليس لهم دراية بعلم الترجمة ومن كانت له درايه فهو بلجا الي التدليس والتزوير وخصوصا فيما يتعلق بالاماكن واسماء القبائل التي ذكرها هيرودوت وبالاخص الكتاب من غير الليبين عندما يترجمون ما كتبه هيرودوت عن ليبيا .