الجمعة، 7 فبراير 2014

لماذا افاق اثرية




 كلمة افتتاحية للعدد صفر من صحيفة افاق اثرية في يوليو 2011

لماذا آفاق أثرية

هذه صحيفة جديدة رأت النور مع إشراقة ثورة 17 فبراير  لتنظم الى قائمة الصحف التي تزدان بها الساحة الثقافية الليبية ، و انطلقت فكرتها من الحاجة الى الصحف المتخصصة التي تثري المشهد الثقافي بمخاطبتها لأفراد المجتمع المدني ، ابناء  هذا الوطن ، الذين اضطرتهم الظروف الى التنصل من تاريخهم  او رميه وراء ظهورهم فقد اعتقدوا انهم ليسوا في حاجة اليه ، في ظل الجري وراء متطلبات حياتهم اليومية  التي كانت عصية عليهم  ، و لم تفلح المدن الاثرية ومعالمها المنتشرة في انحاء مختلفة من هذه الارض الطيبة ان تجذب اليها الليبيون ، على الرغم من اهميتها وتنوعها وشخوصها في مواقع  طبيعية وسياحية جذابة يرتادونها  متمتعين بغاباتها او شاطيئها دون ان يحاول الكثير منهم زيارتها او محاولة معرفة تاريخها حيث اكتفوا بالحكايات الشعبية التي ورثوها عن اجدادهم  يتناقلونها مستغربين ومتعجبين بينهم واحيانا مفاخرين حيث  تنافست الكثير من المدن الاثرية   تناقل اسطورة  العربة  الذهبية المدفونة في باطنها ، وان الكثير من السحرة يأتون من المغرب للبحث عنها ،  وقد شكلت  تلك التفسيرات ذاكرة شعبية  تعكس  نظرة الاجداد للمعالم الاثرية التي وجدوها امامهم  وحاولوا ايجاد تفسيرا  لها  جاء هذا التفسير متناسبا مع ثقافتهم المحدودة.  و على الرغم من انتشار الوعي الثقافي بين شريحة كبيرة من المجتمع ظلت الثقافة التاريخية والاثرية مقتصرة على قطاع ممن يشتغلون في هذا المجال ، وهذا أدى الى أن غالبية المواطنين لم تكن تهتم بالموروث التاريخي لبلادهم الذي تمثله ماديا المعالم الاثرية التي اصبحت منظورة لديهم  بعد ان كشف عنها  منذ زمن الاحتلال الايطالي  حيث لعب الايطاليون دورا في ابرازها للوجود بعد التنقيب عنها وترميمها مستغلين العمال الليبيين لتحقيق ذلك . و لم تفلح مصلحة الآثار  فيما بعد بمنشوراتها و لا هيأة السياحة بنشاطها واصداراتها الى جذب الليبيين الى المواقع الأثرية و المتاحف التي من شأنها ان ترفع درجة الوعي بتاريخ ليبيا وحضارتها ، وظلت تلك المواقع قبلة للزوار الاجانب او السياح ،  كما ان السياسة التعليمية التي اتبعتها الدولة عقب ما يعرف بالثورة الثقافية عام 1973 ، وتسريب بعض الافكار الخاطئة التي لا تستند على اي واقع تاريخي  ضمن اطار ما يعرف بقراءة جديدة للتاريخ التي عرضها القذافي في محاضرة بكلية الاداب في 7/5/1973   تبلورت عنها فكرة ان البقايا الاثرية الاغريقية والرومانية ما هي الا آثار للمستعمرين  ليس لها علاقة بالليبيين وهذه كانت دعوة الى عدم الاهتمام بتلك الاثار ،  كما ان هذه الافكار انعكست على عدم تركيز المناهج الدراسية على تدريس تاريخ ليبيا عبر العصور وتخصيص مساحات كبيرة له ضمن المواد التاريخية التي يدرسها الطالب منذ الصغر ،  اضافة الى عدم الربط بين ما يدرس نظريا ـ رغم قلته ـ  وتطبيقه ميدانيا بزيارة المتاحف والمواقع الاثرية  حيث  يعد جزءا من العملية التعليمية ، وقد ادى هذا الى ضعف التحصيل في المجال التاريخي للطالب الليبي مما انعكس على نظرته السلبية للمعالم الاثرية . 
لقد ادت الظروف السالفة الذكر الى  وجود شرخ في الوعي الثقافي لافراد المجتمع  فيما يخص تاريخ ليبيا وحضارتها ، حيث لا يستغرب ان  تظهر اصوات غاضبة  متذمرة من واقعها السياسي تدعو الى تدمير المعالم الاثرية بحجة حاجة الشباب الى اراض لبناء مساكن عليها ، كما انه كيف يفسر قيام مرشد سياحي  عام 2009 بطلاء  مساحات كبيرة من الرسوم الصخرية النادرة التي ترجع لعصور ما قبل التاريخ في منطقة الاكاكاوس في الجنوب الليبي  ، او ذلك المزارع الذي يهدم احد المعالم الاثرية لكي يستغل الارض لزراعتها ، او انتشار تجارة الآثار وتهريبها خارج البلد بعد العبث بالمواقع الاثرية  بالحفر غير القانوني بها ، وسرقة بعض المتاحف ، حيث ادرك هولاء القيمة المادية للآثار وليس قيمتها الثقافية وعلاقتها بتاريخ الوطن ، كما انه ما تفسير عدم وجود متحف بمدينة بنغازي يعرض آثار هذه المدينة العريقة ، فالمتحف وعاء ثقافي تحتاجه مدينة مثل بنغازي وغيرها من المدن الليبية التي لاتوجد بها متاحف. هذه النماذج تعبر عن  نقص الوعي الاثري بين افراد المجتمع المسؤول عنه شبكة متداخلة من العوامل ايدتها اهمال الدولة الليبية لهذا القطاع ، و نظرتها السلبية للمعالم الاثرية ، التي رأى فيها الكثير من المسؤولين  ـ و للاسف ـ  انها مجموعة من الحجارة ( حيط).
   و انطلاقا من الواقع الحالي للاثار و النظرة السلبية للمجتمع المحلي لها جاءت فكرة إصدار صحيفة تعنى بالاثار في ليبيا تهدف الى زيادة الوعي الاثري بين المواطنين  وتعريفهم بتاريخ بلادهم  و آثارهم ، من خلال مخاطبتهم بلغة بسيطة   ترشدهم  للمعالم الاثرية في ليبيا من خلال الكلمة والصورة ، وتتجول بهم في المواقع الاثرية ، مبرزة قيمتها واهميتها العلمية على المستوى العالمي والمحلي ،  وهذا ليس من باب الترف الفكري ، إنما خطوة من اجل خلق وعي اثري يؤدي الى حماية الآثار، حيث  ان الوعي هو الذي يعول عليه اكثر من القوانين الرادعة ، التي فشلت لوحدها في المحافظة على الآثار .
و تعنى الصحيفة ايضا بمخاطبة المسؤولين  بحيث تبرز ما يحتاج اليه قطاع الآثار للنهوض به  من خلال عرض السلبيات ، و مناقشة المشاكل التي يمر بها وايجاد حلول لها من خلال المقترحات التي تتخلل مقالات الاساتذة المختصون التي تعد بمثابة المرشد للعاملين في هذا القطاع للدفع به الى الامام.                

ليست هناك تعليقات: