نشرت في العدد الاول من صحيفة افاق اثرية 5 اغسطس 2011
www.afaqatherya.com/
حكاية وديعة مصلحة
الآثار التي نهبت
من المصرف التجاري
الوطني في بنغازي
وَعدنا القرّاء في
العدد صفر من آفاق أثرية إننا سنقدم لهم معلومات مفصلة عن هذه الوديعة منذ تخزينها
حتى سرقتها وما الجهود المبذولة لاستعادتها ، وهذه المقالة ترصد وتتبع حكاية
الوديعة من عام 1940 إلى 2011 ، وفي البدء ينبغي تقسيم الوديعة إلى مجموعتين لان
حكايتهما وتاريخ إيداعهما في المصرف مختلفة ، المجموعة الأولى ـ الأقدم ـ وتتبع مراقبة
آثار شحات ، والمجموعة الثانية ـ الأحدث ـ تابعة لمراقبة آثار بنغازي.
المجموعة الأولى : تمثلها كمية من
المقتنيات الأثرية أغلبها من المعادن الثمينة
أهمها كميات كبيرة من العملة المتنوعة و مجوهرات وتماثيل ومقتنيات معدنية
من الذهب والفضة والبرونز ومن المجوهرات المقلدة ، وقد بلغ عددها حوالي 7100 ، لعل أهمها ما يقرب من 3300 عملة برونزية ، وحوالي
2300 عملة فضية ، وأكثر من 300 عملة ذهبية .
وكانت هذه
المقتنيات قد أودعت عام 1961 في
البنك الوطني الليبي آنذاك المصرف التجاري
الوطني حاليا خوفا عليها من السرقة والضياع بسبب قيمتها وأهميتها ، إلا أنها لم
توثق بالصور والوصف ، و غالبية هذه
المقتنيات تحصل عليها الايطاليون أثناء تنقيبهم في المواقع الأثرية في شرق ليبيا
أهمها شحات وبنغازي وبعضها مجهولة المصدر ، وقد نقلت هذه المقتنيات الثمينة إلى
ايطاليا في عام 1940 مع مقتنيات أثرية أخرى اهمها نافورة المايندات من طلميثة لتعرض في المتحف الاستعماري الايطالي في نابولي
، وبقت هذه الوديعة في ايطاليا حتى عَلِمَ الأستاذ ريتشارد جودتشايلد (رئيس الآثار
في المنطقة الشرقية) بوجودها هناك حيث سعى إلى إرجاعها إلى ليبيا عن طريق الدولة
الليبية التي أفلحت جهودها بعد مفاوضات شاقة مع ايطاليا في عودة تلك المقتنيات إلى
ارض الوطن عام 1961 وقد اشرف على هذه العملية وكيل وزارة الآثار والسياحة السيد
عبد العزيز جبريل ، الذي استلم صندوقين خشبيين من ايطاليا مملوءة بالمقتنيات ، وقد
قام الأخير بتسليمهما إلى رئيس الآثار بالمنطقة الشرقية السيد هاريسون الذي قام بفحص
تلك المقتنيات وجردها وأخيرا ختم الصندوقين بالشمع الأحمر ثم أودعهما خزينة البنك
الوطني الليبي في بنغازي بتاريخ 14/5/1961 ، وبعد مضي عدة سنوات شكلت لجنة لفحص
هذه الوديعة ، حيث فتح الصندوقان وتأكد من
محتوياتهما السابقة وأعيد ختمهما في 12/5/1966 ثم أعيد فحصهما من جديد في
30/5/1974، وقد بقت تلك الوديعة منذئذ في
مكانها لم تمس حتى سرقتها، مع الإشارة إلى انه منذ سنوات فحصت بواسطة جهات أمنية
في الدولة الليبية للتأكد من الإخبارية
التي تقول إن تلك الوديعة تتكون من سبائك ذهب تعود لعهد المملكة او المعارضة.
المجموعة الثانية : هي الوديعة التابعة لمراقبة آثار بنغازي والتي
بلغت 1700 لقية أثرية وتراثية ، أهمها مجموعة من العملات الذهبية الإسلامية وعملات
فضية وبرونزية إغريقية ورومانية وميداليات وروؤس تماثيل غير موثقة، إضافة إلى
مجموعة كبيرة من مجوهرات فضية تقليدية ، ويرجع إيداع هذه المقتنيات في المصرف
التجاري الوطني إلى عام 1980 ثم سحبت عام 1999 ، وأعيد إيداعها مرة أخرى للمصرف في
4/8/2007 بعد أن أضيفت إليها مجموعة أخرى من المقتنيات القيّمة ، حيث وضعت كلها في
خزانة حديدية جديدة.
وفيما يخص سرقة
الوديعتين فيبدو أنها وقعت أثناء الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 17 فبراير حيث
هوجم المصرف التجاري الواقع في بداية شارع عمر المختار ببنغازي وأحرق أغلبه ، ولا يعرف التاريخ الدقيق الذي
اكتشفت فيه السرقة لكن يبدو أنها قد حدثت قبل 14/5/2011 وهو تاريخ الرسالة التي بعث
بها المصرف إلى مراقبة آثار بنغازي والتي وصلتها يوم 25 من الشهر نفسه ، وبعد أن
عاين مجموعة من باحثي مراقبة آثار بنغازي وأساتذة
من قسم الآثار بجامعة قاريونس موقع السرقة بتاريخ 12/6/2011 تبين إن السارقين قد ثقبوا سقف الحجرة الموجودة
بها الوديعة والتي توجد أسفل ارض المصرف ، مما مكنهم من دخول الحجرة وكسر الخزانة
الحديدية والصندوقين الخشبيين التي توجد بها الوديعة وسرقة غالبية محتوياتها، ومما
يجدر ذكره إن الوديعة لم تنهب كلها فقد وجد بعضها مبعثرا بجانب الخزائن المنهوبة
حيث قام بعض العاملين في المصرف بجمعها في صندوقين ونقلوها إلى مكان آخر ، وهذا
حدث دون أن تبلغ الجهة المتضررة بما
حصل لوديعتها ، وقد قام مجموعة من
الباحثين من شحات وبنغازي بتاريخ 30/ 5/2011 بزيارة للموقع التي توجد به بقايا الوديعة
التي لم تنهب ، وهذه الوديعة تحتاج إلى جرد لمعرفة ما سرق من هذه الوديعة ، إلا
انه من خلال المعاينة الأولية اتضح أن غالبية الوديعة قد نهب لاسيما المقتنيات
الثمينة منها.
ويمكن أن يضاف إن
مراقبة آثار بنغازي وشحات قد أبلغتا جهات الاختصاص لمباشرة التحقيق في هذه الجريمة
، وأبلغت رئيس المجلس الوطني الانتقالي ، وعينت مصلحة الآثار محاميا لمتابعة
التحقيقات ، وقد باشرت النيابة إجراءاتها منذ أيام ، و لا يعرف ما النتائج التي تم
التوصل إليها، والكرة الآن في ملعب الدوائر الأمنية التي نتمنى أن تعيد الأمور إلى
نصابها وتعيد تلك الثروة المنهوبة، كما أن مصلحة الآثار من الضروري أن تكون أكثر
فاعلية في حماية الآثار وتضع الخطط المناسبة لذلك.
وقد عَلِمَت مصادر
آفاق أثرية أن هناك كمية من العملات
الذهبية بعضها إسلامية وأخرى إغريقية معروضة للبيع في سوق الذهب في بنغازي ، وقد أبلغت
الجهات المختصة بذلك لمباشرة إجراءاتها ، ومن اجل التعميم على تجار الذهب بأن هناك
كمية من العملات القديمة ومقتنيات ذهبية أخرى قد سرقت من المصرف التجاري ،
والتبليغ في حالة عرض بعضها للبيع.
وفي الختام فان الصحيفة إذ تنشر تفاصيل هذه
الوديعة وسرقتها فإنها تنبه إلى أهمية هذه المقتنيات الأثرية التي غالبيتها غير
مدروس وغير موثق ، وإن ضياعها يعني فقدان ثروة أثرية لا تقدر بثمن كان مخطط أن
توضع في المتاحف الليبية بعد أن تتوفر الحماية المطلوبة لها ، كما إنها تنبه إلى
انه ينبغي زيادة الاهتمام بالآثار والمواقع الأثرية التي تتهددها الكثير من
الأخطار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق